ميدان التحرير
قد نختلف في فهمنا لمسار الأحداث في مصر، وقد يكون لكل كاتب رأيه وتحليله فيما يجري، لكن الذي يمكن قوله هو أن من يُخفي رأسه عن هذه الأحداث ويتجاهلها هم قلة من الكتاب، وربما يكون من حقهم القول إن (الوقوف على التل أسلم). لن أكتب هنا أيضا عن توجيهات للشعب المصري الأبي، فهم صناع الحراك وقادته، ومن يدفعون ثمنه من دمائهم وأرواحهم. في مقالي هذا لن أكتب عن المصريين الكرام بل سأكتب عن أولادنا الذين شدّتهم الفضائيات إلى شباب مصر وإلى ميدان التحرير.
لطالما عاديناه وأخفنا أولادنا منه واعتبرناه شراً مطلقاً، كم كتبنا عن جيل النت بتهكّم وسخرية؟ وأحياناً بكره شديد أملته علينا محدودية الأفق، وقلة التطلع، فما رأينا فيه غير الإغراء والعلاقات المحرمة، لكن شباب ميدان التحرير عكسوا الصورة تماما، ربما لأن روحهم كانت إنسانية وليست حيوانية، أو لأن عقولهم متطلعة وليست منقبضة ومريضة، أو لأنهم يحملون هموما كبيرة وليسوا أنعاما وأضل من الأنعام سبيلاً.
من جيل مهند التركي، وجيل (ستار أكاديمي) إلى جيل وائل غنيم والثلة من الشباب الواعي الذين يحيطون به، إلى كل الذين سقطوا في ميدان التحرير من أجل مصر. واقع الشباب وأحاديثهم وأسئلتهم وكتاباتهم على النت والفيس بوك تشي بأن البوصلة تغيّر اتجاهها، وأن الشباب يشعرون بقيمتهم الوطنية أكثر من أي وقت مضى. يشعرون بأنهم شركاء في أوطانهم، وأنهم يصنعون قوته وكرامته ويساهمون في تحديد خياراته ومساره، وأنهم من يحافظون على هدوئه وما فيه من ثروات وإمكانات ومعالم. الفضائيات التي تتحدث بإيجابية عن هذا الجيل، تساهم بشكل مباشر في التبشير بفاعليته التي بها يتقدّم المجتمع، وبها يصبح رقماً صعباً في عالم الضغوط والتحديات. إن شباب ميدان التحرير يساهمون إلى جانب الموجّهين والعقلاء في تحديد مسارات تختلف عن المسارات الهامشية، التي تحرّكها ماكينة الإعلام في شقها السلبي والشهواني الفارغ، والخطير على مستقبل أجيالنا. 3/ التفكير في متطلبات الشباب، والقرب من آمالهم، وإبقاء جذوة الأمل مشتعلة في نفوسهم، وشعورهم بالاطمئنان لمستقبلهم وحياتهم، هي التي تجنبهم خطر الإحساس بالإحباط الذي يتمكّن منهم جراء قساوة الظروف وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، كما أن التهميش الذي لا يشعرون معه بكرامة الحياة يولد فيهم ردات فعل ربما لا نقرؤها واضحة الآن ولكنها تراكم نفسها وتتبلور. يمكننا الآن ضمان مسارها واتجاهاتها _ ردات الفعل _ إذا ما فكّرنا بروحيتهم كشباب وليس بعقليتنا التي اعتادت الفرض والزجر والتحريم والمنع.