قبس من حياة الإمام العسكري (ع) وتوجيهاته
ورد عن إمامنا الحسن العسكري أنه قال: (أعرف الناس بحقوق الأخوان وأشدهم قضاء لها، أعظمهم عند الله شأنًا).
ونحن على مشارف ذكرى شهادة الإمام الحسن بن علي العسكري نقتطف هذه الباقة من زهرات توجيهاته النافعة المفيدة.
عرف الإمام الحسن بن علي الهادي بالعسكري نسبة إلى المحلة التي أُسكن فيها في سامراء، وهي مكان تجمع الجيش والجند ولذا يقال له عسكر.
ولد سنة 232 هـ على اختلاف بين المؤرخين واختلف كذلك على شهر ولادته، ويومه أيضًا. ولد في المدينة المنورة لكنه لم يقم فيها إلا سنتين ثم انتقل مع أبيه الإمام علي الهادي حينما أُشخص من قبل المتوكل العباسي إلى سر من رأى (سامراء) حيث كانت عاصمة بني العباس وذلك عام 234هـ.
بقي طوال حياته في سامراء تحت الحصار والإقامة الجبرية، ولذلك تعتبر حياته قطعة من الآلام والمعاناة، ولعلّه كان أكثر معاناة من آبائه الطاهرين وقد ورد عنه قوله: (ما مُني أحد من آبائي بمثل ما منيت به). قضى بعض الأئمة من آبائه الكرام جزءً من أعمارهم في السجون أو الإقامة الجبرية، ولكن كانت لهم فترات أخرى يعيشون مطلوقي السراح، أما الإمام العسكري فكان طوال حياته تحت الإقامة الجبرية ناهيك عن الفترات التي قضاها في السجن. استمر هذا الحال معه طوال عمره القصير الذي لم يتجاوز 28 سنة.
تلك السنوات التي عاشها تحت الرقابة والحصار، منعته من لقاء الناس، كان يجبر على الخروج ليحضر قصر الحكم مرتين في الأسبوع، وحتى ضمن هذا الطريق كانت الحالة صعبة وحساسة ولذلك كتب لشيعته: (ألا لا يسلمن علي أحد ولا يشير إلي بيده فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم).
هكذا كانت ظروف حياته معاناة في الحصار، ومعانة أخرى في السجون. كان يُكلَّف به السجانون الأشرار. في زمن المهتدي العباسي سجن عند صالح بن وصيف وطلب منه التضييق على الإمام . يقول صالح بن وصيف: وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، ولكنهما بعد أيام بسيطة تحولا إلى عنصرين صالحين، والتزما بالعبادة والصلاة لأنهما رافقا هذا الإمام العظيم ورأيا حياته وسيرته. مرة أخرى سجن عند علي بن أوتامش وكان شديد العداوة والبغض لأهل البيت لكنه بعد فترة أصبح من أكثر الناس بصيرة، ومن أكثرهم مودة وقربًا إلى أهل البيت .
لذلك تجد المعلومات التي يسجلها التاريخ عن الإمام معلومات شحيحة قليلة، أولًا لقصر عمره الشريف، وثانيًا بسبب هذا الحصار والسجن، وبالتالي فقد حرمت الأمة كثيرًا من المعارف والعلوم التي كانت ستكسبها من الإمام . ومع ذلك فقد وصلت إلينا ثروة من توجيهاته ومعارفه.
الكلمة التي تبركنا بها من توجيهات الإمام العسكري : (أعرف الناس بحقوق الأخوان وأشدهم قضاء لها، أعظمهم عند الله شأنًا). إذا كنت تريد أن يكون شأنك عند الله عظيمًا ومكانتك كبيرة فعليك أن تهتم بحقوق إخوانك وأن تؤدي حقهم، والأخوان هنا أبناء مجتمعك الإيماني الذي تنتمي إليه. لاحظ أن الإسلام يرتقي بحسن العلاقة مع الآخرين من كونها أمرًا كماليًا إلى مصاف الحقوق. حينما تتعامل مع أخيك تعاملًا جيدًا هذا ليس إحسانًا وتفضلًا منك، وإنما هو واجب وحق عليك يجب أن تؤديه، كما لو كان عندك عامل وأعطيته أجرته، فهذا ليس تفضلًا منك بل واجب عليك.
إذا اهتم الناس بأن ينظروا إلى بعضهم بعضًا بهذا الشكل فسيكونون حريصين على تأدية حقوق بعضهم بعضًا. ورد عن الإمام الصادق : (من عظّم دين الله عظّم حق إخوانه ومن استخفّ بدينه استخف بإخوانه). حينما تحترم أبناء محيطك الاجتماعي فإنك تحترم دينك، ومجتمعك، والانتماء الذي تشترك معهم فيه. بينما إذا تهاونت بحقوقهم فإنك تتهاون بدينك وعقيدتك، حتى الناس القريبين منك لا تضيع حقهم لقربهم منك، أمير المؤمنين يقول: (لا تضيعن حق أخيك اتكالًا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه). الحقوق واجبة لكل أحد، وهي من أهم العبادات كما يقول الإمام الصادق : (ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن). وعنه عن آبائه عن رسول الله قال: (للمؤمن على المؤمن سبع حقوق ( في رواية أخرى سبعين حق) واجبة من الله عز وجل: الإجلال له في عينه، والود له في ماله، وأن يحرّم غيبته، وأن يعوده في مرضه، وأن يشيع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرًا). وورد عن الإمام الكاظم أنه وقف أمام الكعبة ثم قال: (ما أعظم حقك يا كعبة! ووالله إن حق المؤمن لأعظم من حقك). وقال : (إن من طاف بالبيت سبعة أشواط كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف وطواف حتى عد عشرًا).
هكذا الاسلام يربينا على أن نهتم ببعضنا بعضًا، وخاصة المجتمعات التي تعاني من الضغوط والتمييز ينبغي أن ينفسوا في داخلهم عن بعضهم بعضًا، وأن يحترم بعضهم بعضًا حتى لا تتكالب على بعضهم الضغوط الخارجية والداخلية هذه هي وصايا أئمة أهل البيت . فلماذا نحن غافلون عن مثل هذه الأمور، نتهاون في علاقاتنا مع بعضنا البعض، نجهل حقوق بعضنا، ونظن أن هذا أمر سهل وهين. نسأل الله أن يجعلنا من السائرين في طريقهم.
«قبس من حياة الإمام العسكري وتوجيهاته»