من دروس الحياة
تعجبني عناوين بعض الكتب التي تتحدث عن الثروة وزيادتها وتنميتها، وعن تسويق المشاريع وطرق عرضها، لأني في قراءة بعضها أيام عطلي وتنزهي مع الأولاد أشعر كأنها تتناول بعض شئوني، مع أني ولله الحمد لست تاجراً، لكني أستفيد منها في أبعاد حياتي الأخرى.
متابعة المصالح ورعايتها ليست خطأ ولا سيئة تنافي العقل والقيم والأخلاق، اتباع المصالح هو عين العقل، والنظر للمصلحة ومتابعتها قد يستوجب تعديلاً في الهدف أو تقليماً أو تطعيماً فيه، وكل ذلك ليس عيباً، العيب أن تكون مصلحتك في مكان وإصرارك وسعيك يتجه إلى مكان آخر.
حدثني زميل لي يملك محلاً لبيع الجوالات وبعض الأجهزة الخفيفة التي يستوردها من الخارج عن خسائره في هذا المحل، بينما هو يربح من عمل آخر يكلفه جهداً وتكلفة أقل، فسألته: لماذا لا تغلق هذا المحل وتوسع عملك الآخر الذي تربح منه وبمجهود قليل؟
أجابني بحزم: هذا يعني انهزاماً وانكساراً بمنطق السوق، ولا أريد أن أظهر منهزماً، ثم أخبرني أن الكثير ممن يعرفهم من التجار المتوسطين يخسرون في بعض أعمالهم، لكن موقعيتهم في السوق تمنعهم من التوقف، فيخسرون في عملهم هذا ويعوضون خسارتهم من أعمال أخرى يقومون بها، وزاد على ذلك بقوله: إن بعض التجار الصغار والمتوسطين يبقون في السوق وهم مكسورون ومديونون، وهم مع شعورهم بحرج وضعهم الاقتصادي يكابرون فيخرجون بخفي حنين.
التجارب تعلم الجديد، وفائدتها أن صاحبها يكبر بعقله وفهمه ووعيه بشكل مذهل، يكبر عشرات السنين ويستقبل دروس تلك السنين في وقت وجيز ومختزل ومضغوط، ربما لا تمكنه الظروف من استيعاب معطيات تجربته، لكن معطياتها طازجة جديدة، تناديه ليل نهار أن يقبل عليها ويستفيد منها، وقد قال علي (في التجارب علم مستحدث) التجارب تعطي علماً مستحدثاً غير مسبوق، وربما ليس موجوداً في بطون الكتب، بل إن التجربة كممارسة ميدانية تكون قادرة على إصدار الحكم على النظريات وعلى مسبقات الذهن، وعلى كل العناوين والكلمات والجمل التي تتربع بطون الكتب.
بعض الذين جرّبوا الأعمال التجارية وخسروا فيها ملأتهم تجربتهم رعباً من أي عمل تجاري، فتوقفت تجارتهم فلم ينفعوا أنفسهم، ولم يوفروا شيئاً لمن بعدهم، وبعض من خسروا في تجارتهم عادوا إلى نفس تجربتهم السابقة وما كانوا ليحصدوا سوى نفس النتائج.
القسم الثالث هم الذين تتعثر تجارتهم فيعيدون دراسة التجربة بتأنٍ وفحص ليتحاشوا سلبياتها ثم ينطلقون بايجابية، فيفيدون أنفسهم ويوفرون لمن حولهم الخير.
العقل سيد الحياة وقائدها، والعاطفة هي التي توازن قراراته، فلا يصبح المرء قاسياً ولا يبدو جافاً يابساً، فتتكامل إنسانيته وتتحرك حياته بسلاسة وسلامة وأمان.
ما أعتقده أن كل الناس يستخدمون عقولهم وعواطفهم في مختلف تجاراتهم وأعمالهم وقضاياهم، والفرق بينهم كما أظن أن بعضهم يجعل العقل سيداًَ، والعاطفة مكملة، والبعض الآخر تكون عاطفته هي السيد والقائد، وعقله هو المكمل لها، فيتحرك ويخطط في إطارها وضمن هيمنتها وسيطرتها. الذي لا أشك فيه ولا أظن أني جانبت الصواب فيه هو أن سيادة العقل ومؤازرة العاطفة هو ما ينجي الإنسان من أغلب العثرات والمصائب.