البحث عن مخارج ومعالجات
طبيعة العلاقات القائمة بين الناس توجد الكثير من الاحتكاكات والمشاكل والتراكمات والأزمات بينهم، نلحظ هذا في العلاقات الأسرية بين الزوج والزوجة وبين الوالد وأولاده، وبين الأقارب والأرحام.
علاقات العمل هي الأخرى ليست مفصولة عن هذا السياق، فتحصل المشاكل، وتنشأ الأزمات بين رب العمل والعمال وبين العمال مع بعضهم.
في كل العلاقات التي تقوم على الحقوق والواجبات بين طرفين أو عدة أطراف قد تحصل توترات أو تشنجات أو قطيعة وهذا أمر طبيعي.
لو أخذنا مثالاً عن علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى، فإننا سنجد أنها تخضع لنفس القاعدة، فقد يحصل فيها خلل وتقصير وخراب، لا شك أن سببه العبد، ومع ذلك تقتضي حكمة الرب أن لا يبقي هذا التوتر والتشنج والقطيعة، بل يعلمنا كيف نوجد مخارج لإزالة التشنج والتوتر لتعود العلاقة إلى وضعها الطبيعي.
لقد أمرنا ربنا بالاستغفار: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وجعله مخرجاً لنا من كل خلل يسود العلاقة بيننا وبينه، ولم يرضى لنا أن نصل إلى اليأس والقنوط مهما كان وضع العلاقة بيننا وبينه سيئاً، فاعتقادنا أن المخارج أغلقت علينا هذا أمر مرفوض عند الله سبحانه وتعالى ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
أشير هنا أيضاً إلى مخارج وضعها ربنا لمن فاته القطار في الدنيا ووافى ربه بعلاقة غير سوية، في وقت قد انتهى دور العمل فيه وبقي الحساب كما يقول الشاعر:
يا من بدنياه اشتغل قد غرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
فأوجد ربنا مخارج أخرى لترتيب وضع الإنسان حتى بعد موته، فقد ورد في الأثر: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». وقد أمرنا ربنا على لسان أوليائه بانتهاج تلك الطريقة الحميدة لتجاوز الأزمات، فقد روي عن زين العابدين «لا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب».
معرفة الحكمة الإلهية من كل ذلك وإدراكها، تجعلنا نقترب من بعض الممارسات الحسنة في حياتنا مع كل الأزمات والتوترات.
1/ في كل احتقان أسري أو عائلي أو اجتماعي أو غير ذلك لابد من التفكير الجاد في مخارج، قد لا تكون تلك المخارج هي الغاية لهذا الطرف أو ذاك، لكن المخارج هي التي تمنع من انزلاق الأمور ووصولها إلى طرق مغلقة، فالمخارج ليست حلولاً كاملة لكنها ضرورة في بعض الأحيان، وحاجة في أحايين أخرى.
2/ في العالم هناك ما يعرف اليوم بخلايا الأزمات، فبمجرد أن تنشب أو تنشأ أزمة يتحرك أشخاص ولجان من داخل الأزمة ومن خارجها، هدفهم إبراز الحلول والمقترحات والمعالجات المقنعة لمختلف الأطراف، كي تعود حياة الناس لطبيعتها وقد زال احتقانهم وعولجت ولو بعض مشاكلهم.
وقد أشار القرآن إلى مثل ذلك في العلاقة بين الزوجين حين نشوب الخلاف والتوتر ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾.
وفي الشأن العام يقول تعالى ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾.
3/ تبقى العيون دائماً مفتوحة ومتجهة في البحث عن انفراج الأزمات إلى الجهة القوية، التي تملك حل الأزمة وإنهائها، وتملك وضع النقطة على آخر السطر لوضع حد لتلك الأزمة، فيتجنب الجميع آثار استدامتها واستمرارها، فالأب هو الأقدر على المعالجة والزوج هو من يستطيع التسريع في استقرار وضع الأسرة، ورب العمل يتمكن بلمساته أن يوفق بين القضايا وهكذا.