الازدواجية والكيل بمكيالين
تقرأ في الخطبة الأولى:
ـ روح الأمل مفتاح نجاح الإنسان، وغيابها سبيل فشله.
ـ الله تعالى فتح باب الأمل والرجاء لجميع عباده.
ـ على الدعاة والمبلغين أن يتحدثوا بلغة الرحمة والأمل سيما للشباب.
وفي الثانية:
ـ ينبغي تقويم الآخرين والحكم عليهم بمعايير صحيحة واحدة.
ـ لا للازدواجية والانتقائية في تطبيق القيم الإنسانية.
ـ على الإنسان أن يقوّم المواقف والاراء بعيدًا عن الأهواء والحسابات.
الخطبة الأولى: إحياء روح الأمل والرجاء
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
حين تبقى جذوة الأمل متقدة في نفس الإنسان فإنه يشعر بقيمته في هذا الحياة, ويندفع للعمل والتحرك في خدمة ذاته وتحقيق مصالحه، أما إذا خبت جذوة الأمل من نفس الإنسان, وأصابه اليأس والقنوط, فإنه يحكم على نفسه بالانتهاء والإلغاء ، لأن طاقته تتجمد، وفاعليته تشل، وقد يدفعه اليأس للتوغل أكثر في الطريق الخطأ الذي سار عليه، لهذا يحتاج إلى روح الأمل في كل مجال من مجالات حياته، سواء الجانب الصحي أو الاقتصادي أو السياسي والاجتماعي، وكل ما له شأن مرتبط بحياته. فروح الأمل عند الإنسان على الصعيد الصحي تدفعه للبحث عما يلاقيه من اسقام، وبها يستطيع تجاوز الأمراض، وهذا أمر ثابت يؤكده العلماء والأطباء. وفي المجال العلمي فإن الطالب الذي يدرس ولديه أفق مفتوح ويعيش الأمل، ويجد ويثابر من أجل تحقيق آماله وتطلعاته، بخلاف الطالب الذي يشعر بنوع من اليأس والإحباط فإن الأفق أمامه يكون ضيقًا، وسرعان ما يستسلم للانهزام والفشل، والتقاعس في تحقيق النجاح. لذلك تجد هناك أعلامًا كان حالهم حال بقية الطلبة يدرسون نفس المناهج ولكن تميزوا بما عندهم من إصرار وروح الأمل للمثابرة وتحقيق النجاح، فاخترعوا واكتشفوا وطوروا النظريات التي درسوها.
كتب بعض الناجين من كوارث الغرق: كنت أصارع الأمواج وكان زميلي بجانبي فكنت أشجعه على مصارعة الأمواج، والتحلي بالشجاعة، والتطلع إلى النجاة، ولكنه كان يقول بأن الأمر قد انتهى ولا فرصة في النجاة. حاولت تشجيعه أكثر من مرة، لكنه كان مستسلمًا، فكان مصيره الغرق ومصيري النجاة.
شاهد آخر ما يحدث في فلسطين، عقود من الزمن والفلسطينيون يعانون الضيم والاحتلال، والعالم كله يتآمر ضدهم، ولكنهم لم ييأسوا بل ظلت جذوة الأمل متقدة في نفوسهم، واستمروا في مقاومتهم وصمودهم، وبالتالي بدأ العالم يعترف لهم بتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية.
في مجال علاقة الإنسان بربه عز وجل فإنه يحتاج إلى إبقاء جذوة الرجاء وقادة في نفسه. الإنسان كبشر قد يسير في طريق الخطأ، فيعصي ربه، وإذا ما رأى العبد أن باب التوبة موصد في وجهه، وأنه لا مجال للتراجع، فإنه سيزداد في غيه وطيشه، وسينتابه شعور بالضياع والإهمال، ولكن هذا العبد ما خُلق ليشقى. إن الله عز وجل رءوف رحيم، بل هو أرحم الراحمين، لم يخلق العباد ليأنس بشقائهم، بل خلقهم وبين لهم طريق الهدى، وإذا ما ساروا في طريق الخطأ فإن ذلك لا يعني النهاية، بل يمكنهم الرجوع، وطَرق باب التوبة، والأمر متاح لهم ما داموا على قيد الحياة، ولذلك يخاطب الله عباده: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) يخاطبهم بخطاب فيه رقة وشفقة ولين (يا عبادي) ولم يصفهم بالكفر والانحراف والمعصية. وتستمر لغة الشفقة هذه في تبيين السبب (الذين أسرفوا على أنفسهم) لم يحدثهم بالذنب والجرم والمعاصي، بل خاطبهم بالإسراف على أنفسهم، وفيه دلالة على الشفقة، ولم يقل أسأتم إلي بل إلى أنفسكم، لماذا أسأت إلى نفسك أيها العبد؟ عصيانك هذا يعود بالضرر عليك أنت، وليس على الله عز وجل، فلو أن كل العباد عصوا فإن ملك الله تعالى لن يتأثر بمقدار ذرّة، ومع ذلك يفتح لهم باب الأمل والرجاء: (لا تقنطوا من رحمة الله) تعالوا واستغفروا عن كل ذنب (إن الله يغفر الذنوب جميعًا) وذلك لأنه (غفور رحيم).
الآية الكريمة توجه خطابها للنبي الأكرم محمد (قل) يا محمد قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أن لا يقنطوا من رحمتي فإني غفار أغفر الذنوب جميعًا، ولكن هذا الخطاب ليس خاصًا برسول الله بل يتوجه لكل الدعاة والمبلغين الذين يحملون على عاتقهم واجب هداية الناس، وتبليغ أحكام الله تعالى، فان عليهم إيقاد جذوة الأمل في نفوس الناس، عليهم أن يتعاملوا مع الناس باللين واللطف، لا بالقسوة والشدة، عليهم أن يرغبوهم للتوبة والعمل الصالح لا أن ينفروهم ويرهبوهم. هذا ما تؤكد عليه الآية الكريمة وغيرها من الآيات. ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (الفقيه كل الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من رَوْح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله) الفقيه هو العارف بمفاهيم الدين والمتحمل تبليغها، وهذا عليه أن يكون في توازن في دعوته، فلا يبالغ في التحذير والتقريع حتى يسد أبواب الرجاء على من عصى جهلًا كان أو عمدًا. عليه أن يجعلها مفتوحة أمام الناس مهما كانت درجة السوء والخطأ في الطرف الآخر، ولذلك يؤخذ على بعض الجهات الدينية في تعاملها مع الشباب سيما في هذا العصر، الخطاب العنيف الجاف، والنظرة الشزراء، والشدة في التعامل، وهذا يعمق المشكلة ويكرسها في المجتمع، لأن الشباب والناس بشكل عام يحتاجون إلى حديث يستقطب مشاعرهم، ويعطيهم الأمل للفوز بجنات الآخرة، والسعادة في الدنيا. كان من وصايا أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن : (أي بني لا تؤيس مذنبًا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار نعوذ بالله منها) مهما كان هذا الإنسان مذنباً لا تشعره باليأس وكأنه الطريق الذي لا رجعة فيه، هناك من سار على هذا الدرب وختم له بخير، وكما ورد عن الإمام الباقر : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ).
لذلك على الإنسان أن يكون يقظًا دائمًا، وأن لا يتمادى في عصيانه ما دام باب التوبة مفتوحاً أمامه، فالله تعالى يباهي ملائكته بعبده التائب ويفرح به كما جاء عن رسول الله : (الله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضّال الواجد، ومن الظمآن الوارد) وذلك لأن الله يريد الخير والسعادة لعباده لا شقاءهم، وقد ورد عن الإمام الباقر : (إن الله تعالى أشدّ فرحًا بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشدّ فرحًا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها).
وعلى المبلغين أن يفتحوا أبواب الأمل في نفوس الناس، وعلى الناس أن لا يحكموا على غيرهم، فالله تعالى، (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ورد عن جندب الغفاري أن رسول الله قال: إن رجلًا قال يومًا: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي تألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عمل الثاني بقوله: لا يغفر الله لفلان).
وقد ورد أن نبي الله إبراهيم الخليل لم يكن ليأكل طعامه دون أن يشاركه ضيف، وفي يوم لم يأته ضيف، فوقف على الطريق فمر فارس أصر عليه، وعند الغذاء مدّ إبراهيم يده قائلا: بسم الله، ولكن الضيف لم يسم وبدأ الأكل.
فقال له: مالك لا تذكر اسم الله؟
فقال: أنا لا أعرف الله!
فأدرك أن ضيفه كافر، فقال له معتذرًا: أنا لا أحب أن يشترك معي كافر على مائدتي. قال: أنت دعوتني وإذا كنت غير راغب فأنا ذاهب، وامتطى جواده.
فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم معاتبًا: يا إبراهيم أربعون عامًا وهذا عبدي الكافر يأكل من رزقي ولم أحرمه يومًا ولم أشترط عليه بشيء، واليوم أصبح رزقه عليك حرمته وشرطت عليه!!
فركض خلف الرجل وتوسل إليه أن يعود فأبى بشدّة، وبعد إصرار أجابه بشرط أن يخبره ماذا حدث؟ فأخبره بتوبيخ الله له، فرجع الرجل مطرقًا متفكرًا وقال: أصحيح أن لي ربًا بهذه الرحمة والحب؟
حدثني عنه أكثر، ثم آمن بالله تعالى.
وقد وجدنا كثيرًا من الشباب حينما تتاح لهم الفرصة بمرشد يفتح لهم قلبه يتحولون من شباب مجرمين إلى قادة للشباب المؤمن التائب.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
حينما يريد الإنسان أن ينطلق في حكمه على شخص ما، أو جهة معينة، فعليه أن يعتمد معايير صحيحة ثابتة، وأن يطبقها في جميع مواردها دون استثناء، ولا يصح أن يعتمد الازدواجية في تطبيق المعايير. فإذا كان هناك موقفان متشابهان، فإن الحكم ينبغي أن يكون نفسه. بعض النظر عن مدى ارتباطه بهذا الموقف أو ذاك.
يفرض الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن يكون قوامًا بالقسط أي العدل، (كونوا قوامين بالقسط) وأن يكون عدلًا حتى إذا كان هو طرفًا في القضية، فلا يكابر بل عليه أن يعترف بخطئه (ولو على أنفسكم) لا ينبغي تغيير المعايير القيمية إذا كان الشخص طرفًا في القضية، أو والداه، أو أحد الأقربين، ولا فرق (إن يكن غنيًا أو فقيرًا) فلا يصح مناصرة الفقير تعاطفًا معه ضد الغني، ولا مناصرة الغني لجاهه ضد الفقير.
النصوص الدينية وكذلك العقل السليم، يدعوان الإنسان إلى أن يكون قيميًا وأن يستخدم المقاييس الصحيحة في كل مورد، ولكن مشكلة بني البشر هي إتباع الهوى وهذا ما يشير له القرآن الكريم: (ولا تتبعوا الهوى) فتتغير المقاييس حسب الهوى، وهذا ما يعاني منه المجتمع البشري، حيث تحكمه ازدواجية المعايير.
من يتابع ويسمع تصريحات ومواقف الدول الكبرى مما يجري في الشرق الأوسط لا يرى أنها على نسق واحد، وعلى معيار واحد، فهي مختلفة في الحكم مع تشابه ذات القضية! يُظلم شعب ويعتدى على حقوقه ومقدساته على مسمع ومرأى من دول العالم، فيسكتون أو يبررون أو يرفضون على خجل، بينما في مكان آخر يتحركون ويصرخون بقوة ويرسلون قواتهم، بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان، نحن مع هذا الشعار، ولكنا لسنا مع الكليل بمكيالين، لماذا يعمل هذا الشعار في بلد ولا يعمل في بلد آخر؟ لماذا هذا الموقف يكون تجاه شعب دون آخر؟ السبب واضح وهو وجود المصالح، اقرأ الواقع بعناية ستجد دور المصالح في تحديد المواقف، لو كان معيارهم بحق حماية المدنيين ورعاية حقوق الإنسان لتوحدت مواقفهم وردات فعلهم.
الأمر لا ينحصر في الجانب الدولي فقط، بل حتى على المستوى الديني. يفترض من كل عالم أن يعتمد القيم الدينية في حكمه على كل موقف، وأن يناصر المظلوم ويندد بالظلم مهما كانت جهته حتى لو كان الظالم شخصًا له علاقة به، ولكننا مع الأسف نرى بعض هؤلاء العلماء والمؤسسات تغض الطرف عن مظالم شعب هنا وتتحدث عن مظالم شعب آخر هناك! ترفض الظلم هنا وتقبله في مكان آخر! إذا كان الظلم مرفوضًا ومسؤولية العالم هو رفض الظلم فينبغي أن يكون هذا المعيار نافذًا في كل مكان، لماذا حينما يكون الظلم واقعًا على شعب ينتمون إلى مذهبي أناصرهم واعتبرهم ثوارًا شرفاء، وقتلاهم شهداء، وحينما يكون الشعب المظلوم لا ينتمي إلى مذهبي أرفض اعتبارهم ثورًا وشهداء، واتهمهم بالطائفية والفتنة؟
هذه مواقف وأحكام لا يصح أن تكون من عالم أو مؤسسة تدعي الإسلام، وقد رأينا هذه المواقف في كثير من الحالات، حديثًا وقديمًا، فحينما دخلت القوات الأجنبية إلى العراق ونحن نرفض التدخل الأجنبي، ولكن نتساءل: لماذا شنعوا حينها على العراقيين سيما الشيعة منهم لأنهم استعانوا بالغرب والكافر والمحتل، وقالوا بأن مراجعهم سكتوا، بينما نجد هذا المقياس اختلف في وضع الليبيين؟ نحن نشعر بما يعانيه الليبيون، ولكن لماذا تكون الازدواجية في المعايير؟ بعض علماء المسلمين، عابوا على شعب العراق مطالبتهم بتدخل الدول العظمى حينما ذاقوا أشد ألوان العذاب من بطش صدام وجنوده، وهم الآن يؤيدون مواقف الدول الغربية فيما فرضته من حضر جوي على ليبيا، والثائرون الليبيون يطالبون بتدخل بري من قبل القوات الأجنبية وذلك للخلاص من القذافي؟! نحن لسنا بصدد الحكم على صحة هذا العمل أو خطئه، ولكننا نريد أن نقول ولا للازدواجية في تطبيق المعايير والقيم.
وإذا نظرنا على المستوى الفردي نجد تورط كثير من الناس في هذا الأمر حتى في الأمور الاجتماعية، أتذكر أن أحد الآباء جاءني يشكو المطالب الكثيرة الباهظة التي تطلبها عائلة زوج ابنه، وكان يتحدث بتألم وأن هذا لا يجوز ولا يرضي الله تعالى. بعد فترة جاءتني عائلة تشكو من مطالب باهظة تطلبها منهم عائلة زوج ابنهم وكان والد البنت هو ذات الشخص الذي جاءني من قبل شاكيًا نفس الحال. فتعجبت وحدثته معاتبًا وقلت له بأنك كنت تعتب على من يقوم بهذا العمل، لأن فيه مشقة على الآخرين، الآن أنت تعمل نفس العمل؟ فكان تبريره أن البنت تريد أن تفرح بليلة عرسها، وهي ليلتها الوحيدة!
لماذا لم يكن هذا الحكم منطبقًا على زوجة ابنه؟ ألم تكن ليلتها الوحيدة هي الأخرى؟
ولا ينحصر هذا الأمر في تقييم المواقف، بل حتى في تقييم الأقوال، فإذا كان القائل شخصاً أحبه آنس بحديثه وأقبله على عواهنه، وإذا كان من شخص آخر لا يعجبني أرفضه حتى لو كان صحيحًا! ذات مرة نشر شخص مقالًا ونسبه إلى شخصية مرموقة فكانت التعليقات ايجابية للغاية، وبعد فترة وضع ذات المقال وقال أحببت أن أصحح لكم أنني أخطأت في المرة السابقة حيث نسبت المقال لفلان ولكن الصحيح أنه لفلان، فجاءت تعليقات سلبية على المقال!
هذا كيل بمكيالين، على الإنسان أن يقوّم المواقف والأقوال بعيدًا عن الأهواء، أنظر إلى ما قيل لا إلى من قال. في رواية جميلة تقول أن الحارث بن حوط جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قائلًا: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟
فقال : (يا حارث إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت، إنك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه).
على الإنسان أن يقوم الأشخاص بالحق، لا أن يقوم الحق بالأشخاص. يقول الإمام الصادق : (خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق، كونوا نقاد الكلام). إنسان منهجه باطل لكن قال كلمة صحيحة فخذها منه، وإنسان من أهل الحق قال كلمة خطأ، فاضرب بها عرض الحائط وقل له أخطأت (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه). في حديث جميل عن رسول الله يقول: (اقبل الحق ممن أتاك به صغيرًا أو كبيرًا، وان كان بغيضًا، واردد الباطل على من جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبًا).
في إحدى الحدائق العامة في نيويورك الأمريكية، وأمام مرأى من الناس هناك، هجم كلب على أحد الأطفال، وحاول افتراسه وسط دهشة الناس وعدم تحرك أي منهم للمساعدة، عندها اندفع شاب من بين المتفرجين وأبعد الكلب عن الطفل، ودخل في مصارعة شرسة معه حتى تمكن من خنقه حتى الموت.
أعجب الناس بما حدث وبدءوا يصفقون للشاب الشجاع الذي أنقذ حياة الطفل من موت أكيد. بعدها اقترب من الشاب مصور صحفي، وهنأه على شجاعته، وأخبره بأن جريدته ستنشر خبر هذه الحادثة في صفحتها الأولى تحت عنوان (شاب نيويوركي ينقذ طفلًا من موت أكيد). فرد عليه الشاب بدون تردد: (ولكني لست من نيويورك)! قال الصحفي: (إذن سأجعل العنوان (بطل أمريكي ينقذ طفلًا من الموت))، فاعترضه الشاب مرة أخرى ليقول: (ولكني لست أمريكيًا)! فسأله الصحفي بغضب عن أصله بعد أن نفذ صبره، فرد الشاب: أنا شاب مسلم من باكستان...!!
في اليوم التالي ظهرت الجريدة وهي تحمل عنوانًا رئيسًا على صفحتها الأولى "إسلامي متشدد من باكستان يخنق كلبًا حتى الموت في إحدى حدائق نيويورك..!!"
هذه ازدواجية في تقييم المواقف والأحكام، يرفضه الدين والعقل السليم.