مصالحة القاهرة اتفاق أم فرقعة؟
المسمى هو اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، أو بين سلطة الضفة ورام الله وبين سلطة غزة أو بين قيادة المقاومة وقيادة السلام مع دولة الاحتلال.
سنوات طوال مرت بمرارتها وآلامها وكل واحد من الطرفين يصرف وقته وجهده في إضعاف الآخر بالتشويه والتضييق وفض الأنصار، ثم العمل على التقاط من تساقط منهم بإغراءات مالية ووجاهية ومناصبية.
وفي كل تلك السنوات لم يُحرم أحدهما على نفسه أسلوبا، ولم يجرم سلوكا في المقاتلة الشرسة، فالتجسس والسلاح والسجون والدماء كلها ممكنة، ولكل منطلقاته وفنونه في تصوير السبب المسوغ لذلك.
كبقية العرب والمسلمين كنت أتألم لأوضاع الفلسطينين ولشتاتهم ولتحاربهم، ولخسرانهم المبين لقضاياهم المصيرية، وغفلتهم عن الحبل الذي يشتد خناقه على رقابهم، وكان ما يؤذيني هو أن تلك الصورة القاتمة والمظلمة موجودة في كل ساحاتنا العربية والإسلامية، ولكن صراعاتها تتخذ أشكالا لا عد لها ولا حصر، ولكنها تتفق في شيء واحد وهو النهايات المريرة.
التمزق هو السائد في كل الساحات، والفرقة والخلاف هما وتر التلاعب والتمرير لمختلف المخططات وفي كل الساحات أيضا، و كل المجتمعات الممزقة يفرح أهلها باجتماع الأطياف المتنازعة والمختلفة بمجرد انعقاد الجلسات واللقاءات بين أقطابها، مع أنها اجتماعات برتوكولية تمتاز بالتنظير والشعارات الجميلة وتفتقد لصناعة الواقع الفعلي للتصالح والانسجام.
لقد فرحت بتوجس وأنا أتابع وقائع جلسة المصالحة التي أبرمت في القاهرة وغطتها وسائل الإعلام، وتحدث فيها الطرفان عن جديتهما في المصالحة، وكانت كل فقرة في خطابهما تستحق التصفيق الحار، لكنني متوجس، وتوجسي هو ما أرجو أن تكشف الأيام خطأه وتسرعه.
الاتفاقات التي تفرضها ظروف سياسية لحظية وتضعها على الطاولة وتدفع إليها لا تثبت ولا تستمر، خصوصا في القضايا التي تحتاج إلى نفس طويل وجهد مديد، فنحن نعلم أن الظروف السياسية رمال متحركة لا يصمد ولا يستقر عليها شيء، وكلما مر الزمن طمست ما كان عليها.
كما أن الاتفاقات السريعة التي لا تسبقها أجواء مريحة تمهد لها، وتنشر ثقافة توافقية بين أطرافها عادة ما تكون مجرد جلسات وتوقيعات لا تلبث أن يمزقها الخلاف المتربع في القلوب، ويحولها إلى فرقعة إعلامية، وبين الفرح بها والحزن عليها وقت لا يطول.
المشكلة هي الأثر النفسي الذي تتركه هذه الاتفاقات في نفوس الناس إذا تبخرت وأصبحت هباء منثورا - لا سمح الله - لأنها تصيبهم بالإحباط وتدفعهم لردود فعل غير متزنة، وتسبب لهم الانفضاض من كل الأطراف، كما أنها تدفع عدوهم للتنمر والاستئساد عليهم.
كنت أتمنى لو سبقت اتفاقية المصالحة التي وقعت في القاهرة فترة من الهدوء بين الطرفين، تتخللها تصريحات إيجابية متبادلة، وفي أثنائها تتداول الأحاديث بين الأتباع عن ردم الفجوة، ومغادرة مواقع الخلاف السابقة.
وكنت أتأمل لو بحثت قضايا أساسية في الخلاف من قبيل البرامج والأعمال التي يقوم بها أحد الطرفين فتلقي بظلالها على الطرف الآخر، وسادت الصراحة في الاتفاق على كيفية التعامل معها.
كل ما أرجوه ألا تقف تلك المصالحة عند حدودها الاحتفالية والإعلامية فتحفر قبرها بيدها، وتصبح مجرد فرقعة إعلامية يترحم عليها المحبون.