المثلية وفتيات الثانوية
في برنامج اليوم السابع على قناة mbc والذي يقدمه محمود سعد، استضاف المقدم طبيباً نفسياً في حلقة مثيرة، كان موضوعها عن المثلية. «وكانت إحدى المداخلات في البرنامج من السعودية، حيث اتصلت إحدى السيدات التي عرّفت بنفسها بأنها سيدة متزوجة ولها أربعة أبناء، وتعمل مرشدة طلابية بإحدى المدارس الثانوية بالرياض، ومن ثم استطردت في عرض مشكلتها بأنها تعاني من رغبة شديدة في تأمل البنات الجميلات، طرح عليها المذيع سؤالاً قبل أن يناقش الطبيب مشكلتها قائلاً هل تشعرين باللذة وأنت تنظرين إليهن؟ فأجابت بنعم، ثم وجّه لها سؤالاً آخر هل جرّبت أن تلمسيهن فأجابت بنعم وقد أعطاها المذيع مساحة زمنية كافية لشرح مشكلتها التي أنهتها بطامة كبرى حين ذكرت بأن ما يمثل 99 في المئة من طالبات المرحلة الثانوية مثليات» (صحيفة «الرياض» السعودية 24/3/2008، الكاتبة حليمة جعولي)، مع ضرورة أن أوضح أنني تصرفت في ترك بعض الجمل التي لا تؤثر في المعنى، وللقارئ مراجعة الصحيفة.
الكاتبة جعولي اعتبرت المرأة كاذبة، ورفضت قبول النسبة، إلا أنها قالت: «إن حديثها دفعني إلى أن اتصل بعدد من المرشدات الطلابيات في المراحل المتوسطة والثانوية واللاتي أجمعن على وجود هذه الظاهرة بأعداد ليست بالقليلة ولكن لا تصل إلى تلك النسبة المريعة» (نفس المصدر).
هذه المشكلة كغيرها من المشاكل ليست محلية الصنع والإنتاج، ولا تأخذ امتياز الخصوصية السعودية، فهي مشكلة إنسانية عالمية وقديمة، عانت وستعاني منها كل المجتمعات البشرية، ولا سبيل أمام أي مجتمع سوى اليقظة والحذر على أجياله منها.
ويمكن القول بحسب المتصلة والكاتبة جعولي أن المشكلة ليست في إطار ضيق وفردي، كما أنها ليست نسبة قليلة، فحين تقول الكاتبة إن المرشدات الطلابيات أجمعن «على وجود هذه الظاهرة بأعداد ليست بالقليلة ولكن لا تصل إلى تلك النسبة المريعة» فهذا يعني أننا في نسبة عالية ومرتفعة حسب إيحاء كلمات الكاتبة.
لا أحب هنا أن ألقي الثقل على الخطاب الديني، وتشاغل التوجهات الدينية عن هذه الهموم والمشاكل الواقعية، لأنني أتصور أننا بحاجة إلى تجاوز الجهد الفردي، وتجاوز تحميل المسئولية إلى جهة واحدة في مقاومة هذا التحدي الذي تعاضده الكثير من العناصر، وتمنحه القدرة على الانتشار والتحول إلى ظاهرة اجتماعية لا سمح الله، وعلينا أن نتساءل كيف يساهم المجتمع كله في جعل (المراهق/ المراهقة) نبيهاً وواعياً إلى مخاطر مرحلته؟
لا ريب أن كل فتاة في بلادنا العربية والإسلامية تعلم أن المثلية حرام، فمشكلتنا ليست في الحلال والحرام، بل في الوعي الذي يشكله سلوكنا وخطابنا الذي يصنع ثقافة أبنائنا وبناتنا، ويُكوّن فهمهم وتقييمهم للأمور من حيث حسنها وسلامتها، بدءاً من المنزل ومروراً بالمدرسة التي لم تدرك بعد أهمية أن تكون المرشدة الطلابية وحتى المعلمات قد خضعن لدراسات ودورات تعنى بهذه المراحل العمرية وتوجيهها وطرق التأثير فيها، وصولاً إلى كل برامجنا الاجتماعية التي لا تصنع نضجاً ووعياً وفهماً سليماً للحياة.
لذلك يسهل خداع بعض فتياتنا، ويسهل التأثير عليهن بكلمة تخرج من فهم شاب فارغ هائم، ويسهل ابتزازهن عبر محادثات «النّت» التي لا يعرفن مَن وراءها، ويسهل تصيُّدهنّ عاطفياً من أيِّ أحد.
لقد أصبح تناول مثل هذه القضايا والصراحة في طرحها متروكاً للأفلام والمسلسلات التي قد تزيد الطين بلة، وتدفع نحو الفعل بدل أن تردع عنه وتعالجه، بسبب الكثير من اللقطات والمشاهد التي يحتاجها التشويق والترويج لهذا المسلسل أو ذاك.
للمشكلة أسباب كثيرة، لكني كلما تابعت صحفنا المحلية أدركتُ حاجتنا إلى خطاب النضج والوعي والفهم للحياة، وتيقّنتُ أن الجهل والبساطة والسذاجة التي عليها أغلب فتياتنا وشبابنا هي مصيبتنا الكبرى، الأمر الذي يستدعي أن نستيقظ كمجتمع ونتحرك ببصيرة من أجل بث الفهم والوعي، وأن لا نبقى أسرى لما اعتدناه من خطاب بائس؟