التبذير والاسراف مرفوض
﴿وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورًا﴾.
صحيح أن خيرات الكون وثرواته خلقت من أجل الإنسان وهي مسخرة له، لكنه لا يصح للإنسان أن يتصرف فيها تصرفًا عبثيًا. هذه الخيرات والثروات الكونية هي لجميع البشر، فلا يصح لأحد أن يتصرف في شيء لا يستفيد منه، ويحرم غيره من الانتفاع به، وهذا لا يجري على الممتلكات العامة فقط، بل حتى في الممتلكات الخاصة فلا يصح للإنسان أن يبذر إمكاناته في غير مكانها الصحيح، ولهذا ينهى الله عز وجل عن التبذير بشتى أنواعه، ويقول بأن من يفعل ذلك فإنه في عداد الشياطين ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورًا﴾، وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين﴾.
آيات القرآن الكريم والنصوص الإسلامية الواردة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين تحذر بشدة من الإسراف والتبذير، ولا يكون التبذير في المال والمأكل والمشرب فقط، بل في جميع ما تحت تصرف الإنسان من إمكانات خاصة أو عامة.
كل وقت وزمن يعيش فيه الإنسان هو نعمة من الله تعالى بل هو من أفضل النعم، ولذا ينبغي أن يستثمر ويصرف بالشكل الصحيح، ولا يحق هدره فيما لا ينفع، وبما أننا على مقربة من العطلة الصيفية نريد التأكيد على أهمية الاستفادة من أيامها، ولا ينبغي أن تعتبر وقتًا زائدًا عن الحاجة، ونضيعه في غير منفعة، فهذا من الإسراف. ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: (ما أنقصت ساعة من دهرك إلا بقطعة من عمرك)[1] . وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
إنا لنفرح بالأيام | نقطعهاوكل يوم مضى جزء من العمر |
ينبغي للإنسان أن يكون حساسًا تجاه ما عنده من إمكانات توفر له سبل العيش في هذه الدنيا، فلا يصح أن يتلاعب بها مهما كانت وفرتها. إن ما يقوم به بعض الناس عند الوضوء أو الغسل من هدر للمياه بحجة إحراز الطهارة أمر لا يجوز وهو وسواس شيطاني. كما أن عاداتنا السيئة في استخدام الماء فيها نوع من الجور على هذه الثروة العظيمة، وكأننا نعتبرها سلعة رخيصة لا تنفد أبدًا. الماء الصالح للشرب والاستخدام يعد اليوم من أعظم الثروات، فهناك دول تعاني من شح المياه، وتصرف الدول مبالغ كبيرة في سبيل توفير مياه صالحة للاستخدام. لذا من الواجب علينا ترشيد استهلاك المياه، وعلينا أن نربي أبناءنا على ذلك. البعض يرى في منزله تسربًا للمياه بسبب بعض مشاكل التسليك فيتجاهلها ما دامت لا تسبب له ضررًا، ولا يدري بأن كل قطرة ماء تنزل في كل ثانية يعني أنه يصرف ثمانية آلاف لترًا من الماء سنويًا. والتهاون في إجراء الصيانة لا يصح. لننظر كيف كان رسول الله يوجه أصحابه. مرّ ذات يوم ورأى الصحابي سعد يتوضأ فقال له: (ما هذا السرف؟) فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال : (نعم وإن كنت على نهر جار)[2] .
ورد عن الإمام الصادق : (إن القصد أمر يحبه الله عز وجل، وإن السرف يبغضه الله، حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء وحتى صبك فاضل شرابك)[3] . يضرب الإمام مثلًا بنواة الرطب فلا ترمها كأنها زائدة لا نفع منها بل يمكن أن تزرعها وتنبت منها نخلة جديدة، ويمكن أن تستفيد منها في شيء آخر. وكذلك فاضل الماء الذي تشربه فيمكنك أن تسقي به نبتة صغيرة أو تسقي به حيوانًا أو طيرًا. نحن نرى أن البعض لا يبالي بهذا الجانب سيما في المحافل فإنه يأخذ قارورة الماء ويشرب بعضها ويترك باقيها، لترمى في القمامة!
في بعض المناسبات يصنع بوفيه للطعام وهي عادة طيبة لكي يتم المحافظة على الطعام المتبقي، لكننا مع الأسف لم نحسن التعامل مع هذه الطريقة التي من شأنها أن تحد من الإسراف، فترى من يملأ صحنه بشتى الأصناف وفوق حاجته ثم يترك الباقي ويرمى في القمامة لاحقًا. بعض المجتمعات ينظرون بتقزز للشخص الذي يأخذ طعامًا فوق حاجته ويترك باقيه. على الإنسان المسلم أن يتذكر بأن هذا إسراف وهو من عمل الشياطين، ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾.
عن بشر بن مروان قال دخلنا على أبي عبدالله جعفر الصادق فدعى برطب، فأقبل بعضهم يرمي بالنوى، قال: وأمسك أبو عبدالله يده، فقال: (لا تفعل إن هذا من التبذير والله لا يحب الفساد)[4] . وورد أنه نظر إلى فاكهة قد رميت من داره لم يستقصَ أكلها، فغضب وقال ما هذا؟ إن كنتم شبعتم فإن كثيرًا من الناس لم يشبعوا فأطعموه من يحتاج إليه[5] . ويروي ياسر الخادم أنه ذات يوم أكل الغلمان فاكهة ولم يستقصوا أكلها ورموا بها: فقال لهم أبو الحسن الرضا : (سبحان الله إن كنتم استغنيتم فإن أناساً لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه)[6] .
في البلدان الأخرى يشتري الإنسان بمقدار حاجته، فيأخذ التفاح أو البرتقال بالعدد وجزءًا من البطيخ بمقدار ما يحتاجه، ولكننا نشعر بالعيب إذا تعاملنا بهذه الطريقة, فلا نشتري إلا بالكميات الكبيرة، وبعد ذلك فإن قسمًا وافراً منها يرمى، وإذا قارنت كمية النفايات في بيوتنا وبيوتات البلدان الأخرى، تجد أنهم يخصصون يومًا واحدًا في الأسبوع لجمع النفايات من المنازل، بينما نحن في كل يوم نملأ أكياساً من النفايات!
البعض يبني المنزل أكثر من حاجته، بحجة الراحة والتوسع، ولا شك أن الدار الوسيعة من سعادة المرء، ولكن ذلك مرتبط بمدى استخدام الإنسان، أما أن يكلف نفسه أعباء وديوناً في البناء ثم يتحمل أعباء الصيانة والخدمة لمساحة واسعة لا يستفيد منها. فهذا خلاف التدبير ووقوع في التبذير. ورد عن رسول الله أنه قال: (من بنى بناء أكثر مما يحتاج إليه كان عليه وبالًا يوم القيامة)[7] . وعنه : (إذا أراد الله بعبد هوانًا أنفق ماله في البنيان)[8] ، والمقصود طبعًا من يبني فوق حاجته.
زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية مشكلة تعاني منها كثير من البلدان، و في بعضها تجد انقطاعًا متكررًا للتيار الكهربائي، بل إن الاستخدام المفرط للكهرباء يؤثر على البيئة وهي من العوامل التي تسبب الاحتباس الحراري، المشكلة التي أصبحت تؤخذ بعين الاعتبار وتعد لها البحوث والدراسات لتلافيها أو تقليل مخاطرها. ولذا علينا أن نراعي هذا الجانب وأن نستخدم الطاقة بقدر حاجتنا، ليس فقط لتقليل قيمة الفاتورة الشهرية، بل حفاظًا على النظام البيئي، والتزامًا بأمر الله تعالى لأن عدم ترشيد الاستهلاك تبذير وإسراف. نجد مثلًا بعض المساجد الكبيرة في فترة الصيف يتم تشغيل أجهزة التكييف كلها لساعات طويلة، مع أن المصلين يستخدمون جزءًا معينًا من المسجد، كما أنه لا ينبغي التساهل في إغلاق المكيفات سواء في الأماكن العامة أو الخاصة عند الخروج منها. كثير من الأبناء عند خروجهم للمدرسة أو العمل يتركون جهاز التكييف يعمل حتى تلتفت له الأم أو الخادمة في المنزل! علينا أن نعود أنفسنا ونربي عوائلنا على ترشيد الاستهلاك للطاقة، في البلدان الأخرى يستخدمون وسائل وتقنيات مختلفة لتوفير الماء والطاقة وترشيد استهلاكهما.