الأولاد ضحايا خلافات الوالدين
﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده﴾.
يحتاج الأولاد إلى كثير من الرعاية والاهتمام من قبل أبويهم لينشئوا نشأة صالحة، ولا يغني احد الوالدين عن الآخر، فالأب لا يغني عن الأم، والأم لا تغني عن الأب، فدور كل منهما هام وضروري من أجل تنشئة الأولاد تنشئة صالحة، وتربيتهم في أجواء سليمة، ذلك لأن حاجات الأولاد لا تقتصر على الطعام والشراب واللباس فقط، وإنما يحتاجون في ذات الوقت إلى دفقهم بالحنان، وغمرهم بالعاطفة، إلى جانب رفدهم بالتوجيه والتعليم والإرشاد، وتقديم الخبرات والتجارب حتى يشقوا طريقهم في هذه الحياة، من هنا نشأت الحاجة إلى تعاون الأبوين في رعاية الأبناء. ان تعاون الوالدين في أمر التربية أمر مطلوب، لأن أي اختلاف بينهما في هذا الصدد سينعكس سلباً على تنشئة الأبناء سيما الصغار منهم. ولهذا لم يغفل القرآن الكريم هذه الحقيقة، فالله تعالى جعل قرار فصال الطفل أي فطمه عن حليب أمه، منوطا بتوافق الوالدين لا أحدهما بقوله عز وجل ﴿فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما﴾.
لا شك بأن حياة الأبناء وسط علاقة مضطربة بين الأبوين سيلقي بظلاله السلبية عليهم، بل سيكون حتما على حساب تنشئتهم التنشئة النموذجية الصالحة. ان الاختلافات الصارخة بين الوالدين داخل أجواء العائلة وأمام مرأى الأبناء سيكون له انعكاسات سلبية على نفوسهم، ولذلك ينبغي على الوالدين الواعيين أن يجنبا أبنائهم أي مظاهر لاختلاف قد ينشأ بينهما، لأن ذلك سيخلق تمزقاً عاطفياً في نفوس الأولاد، وسيخلف جروحا عميقة في مشاعرهم وأحاسيسهم كما سينعكس على سلوكهم. في مقابل ذلك ستكون نفسية وسلوك الأبناء اقرب للاستقامة متى ما عاشوا في ظل علاقة هادئة وانسجام عائلي بين أبويهما.
ومن أسف نقول إن بعض العائلات لا تدرك مدى انعكاس البيئة العائلية الهادئة على السلامة النفسية للأولاد، وقد تجهل أو تتجاهل في المقابل الآثار السلبية التي تنعكس على نفوس أبناءهم جراء العلاقات المتوترة بين الآباء. ان من الواجب على كلا الأبوين أن يدفعا الأولاد لاحترامهما، حتى يكون الأولاد بارين بهما، فيجب على الأم ان تشجع الابن على احترام أبيه, وكذلك يشجع الأب ابنه على احترام أمه والبر بها. أما إذا عاش الأبناء في ظل صراع بين الوالدين ورأوا أباهم يهين أمهم, أو أمهم تنال من شخصية أبيهم، فلنا أن نتصور ما ستكون عليه نفسياتهم وكيف ستكون نظرتهم إلى أبويهم وما تأثير هذه الحالة على سلوكهم.
ولعل أسوأ الحالات المؤثرة على الأبناء هي وقوع الطلاق بين الأبوين، فقرار الانفصال في هذه الحال لا يقتصر تأثيره على الزوجين وحدهما. بل سيؤثر حتما على الأبناء خاصة إذا كانوا في مرحلة الطفولة, وفي أمس الحاجة للتنشئة والتربية. من هنا حث القرآن الكريم الآباء على التضحية وتقديم التنازل لأزواجهم متى ما برزت هناك مشاكل جدية قبل التفكير بالطلاق، يقول تعالى: ﴿فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا﴾، فالله تعالى يحث الزوج على ابقاء زوجته من اجل ان ينشأ اولاده نشأة صحيحة ولا تتضرر نفسياتهم، ولعل هذا مصداق من مصاديق قوله تعالى ﴿ويجعل الله فيه خيراً كثيرا﴾.
كما نجد على المستوى الشرعي أن الحضانة تكون من نصيب الأم في السنتين الأوليتين متى ما حصل الانفصال بين الأبوين، ولا يحق للأب عندها فصل الطفل عن أمه في هذه المرحلة ما لم تتزوج، بل يجب عليه علاوة على ذلك توفير احتياجات الأم في هذه الفترة حسب المتعارف وحسب قدرته، يقول تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها﴾. هنا تجدر الإشارة إلى أن حضانة الأولاد بعد السنتين الأوليين من حياتهم هي مورد اختلاف بين الفقهاء، فالمشهور بين فقهاء الشيعة أن الأب أولى بإبنه الذكر بعد هاتين السنتين والأم أولى بالبنت إلى سبع سنوات ثم تؤول إلى أبيها، فيما رأى بعض الفقهاء ومن ضمنهم السيد السيستاني أن لا فرق بين الولد والبنت، حيث تؤول حضانتهما إلى الأب بعد السنتين، والأولى حسب رأي السيد السيستاني عدم فصل الولد عن أمه قبل سبع سنين ذكراً كان أو أنثى.ويرى فقهاء المذهب الحنبلي أن الحضانة تكون من حق الأم خلال السنوات السبع الأولى للذكر والأنثى على حد سواء، ثم يخير الذكر بين أبيه وأمه, أما الأنثى فتؤول رعايتها للأب بعد سن السابعة.
أما على المستوى التربوي والاجتماعي، فالمسألة اكثر تعقيداً وتحتاج الى الكثير من الاهتمام، فالوالدين يجب ان يعطوا الاولويه لمصلحة الولد ولا يصح ان يكون الولد أداة ضغط يستخدمها الوالدان ضد بعضهما، يقول تعالى: ﴿لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده﴾، فلا يصح للأم ان تضغط على الأب من خلال ابنه، كما لا يصح للأب أن يفصل الطفل عن أمه لمجرد الانتقام منها, وهو الأمر الأكثر شيوعاً في الآونة الأخيرة. ان هذا السلوك شديد التأثير سلبا على نفوس الأبناء، اذ انه إلى جانب عدم قدرة الأب على إشباع حاجة الأولاد عاطفيا كالأم، حيث لا يستطيع أي كان أن يقوم مقام الأم.
ان مجتمعاتنا الإسلامية وانطلاقا من قيمها الدينية والأخلاقية أحوج ما تكون لإنشاء مؤسسات رعاية ولجانا استشارية تعاضدها قوانين صارمة تتعلق بمستقبل الأولاد, خصوصا ضحايا قضايا الطلاق والأزواج المنفصلين. ان مثل هذه المؤسسات والقوانين سبقتنا إليها المجتمعات المتقدمة في أمريكا وأوروبا, حيث أنشأت مؤسسات توفر الاستشارة لكلا الزوجين المنفصلين إزاء كيفية التعامل مع أبنائهما, كما سنت قوانين رادعة لحماية الأطفال.
ان مما يدعو للأسف انتشار حالة الأنانية وحب الذات, وروح الانتقام بين الأزواج المطلقين في مجتمعاتنا، حتى بدأنا نسمع عن الكثير من الحوادث المرعبة على غرار ما حدث أخيراً في مدينة الطائف غرب المملكة مع مقتل الطفل ذي الأربعة أعوام أحمد الغامدي على يد زوجة أبيه، حيث كان يعيش بعيدا عن أمه المطلقة منذ كان في شهره الثالث. لقد قتل هذا الطفل على يد زوجة أبيه بعدما انهالت عليه بالضرب حتى الموت, ثم وضعته في كيس قمامة وألقت به في بناء مهجور، إلى أن أفشت أمرها خادمتها الأجنبية بعد تسعة أيام من الإنكار والتكتم حول مصيره. هذه حادثة واحدة من حوادث العنف الأسري وقد سبقتها حوادث مأساوية مشابهة تناولها الإعلام في حينه، عدا عن حوادث أخرى لم يبلّغ عنها.
ان تكرر حوادث العنف الأسري يلزمنا بالتحرك على ثلاث مستويات: أولها المستوى الشخصي، وثانيها المستوى القانوني وآخرها المستوى الاجتماعي. فعلى المستوى الشخصي نحن مدعوون في حالات الخلاف الأسري إلى أن نتقي الله، وأن نفكر في مستقبل الأبناء قبل الإقدام على قرارات بالغة التأثير في حياتهم. أما على المستوى القانوني فلابد من تشريع قانون رادع يحفظ سلامة الأطفال ويحمي مستقبلهم عند نشوب الخلافات الأسرية الحادة. كما ان من المهم جدا على المستوى الاجتماعي تأسيس لجان ومؤسسات متخصصة في هذا المجال، فكما ان لدينا لجانا لإصلاح ذات البين تعنى بالصلح بين الأزواج المختلفين, وتوقي وقوع الطلاق بينهم، كذلك تبرز الحاجة الماسة لإنشاء لجان تعنى بحماية أبناء الأزواج المنفصلين, وتقديم الاستشارة للمطلقين, لغرض تجنيب الأبناء الآثار السلبية للانفصال، وحتى لا يحدث هذا الطلاق خدشاً في نفوسهم, والأهم أن لا يصبح هؤلاء الأبناء ضحايا للانتقام والانتقام المضاد بين الأبوين، ان مساعي من هذا القبيل تنسجم إلى حد بعيد مع تعاليم الدين الحنيف، وهي كذلك أمور جوهرية تلامس القيم والأخلاق الإنسانية والدينية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا ويجنب ابناء المجتمع كل مكروه, وأن يجعل الانسجام والوئام سائداً في عوائلنا وبين أبنائنا.
ورد في الحديث الشريف أن النبي ، كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة، وكان يأمر من رأى شيئاً يكرهه ويتطير منه، أن يقول: اللهم لا يؤت الخير إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.
جاء الإسلام في مجتمع جاهلي تسوده الخرافات والأوهام، وكان من جملة تلك الخرافات والأوهام الطيرة أو التشاؤم، فإذا خرج الواحد منهم من منزله، فإنه يتفاءل أو يتشاءم بأول شيء تقع عينه عليه، وخاصة الطير، فإذا كان يريد السفر أو بصدد انجاز أمر مهم ورأى أثناء خروجه من منزله طيراً معيناً كالغراب, أو حيواناً مشوهاً فإنه يتشاءم حيال الأمر الذي يريد فعله، أما إذا رأى طيراً آخر كالحمام مثلا فإنه يتفاءل بما هو مقبل عليه، كما ينطبق ذات الأمر إزاء موقفهم من بعض الأزمنة أو الحوادث, فكثيرا ما يكونون عرضة للتشاؤم أو التفاؤل بسببها.
لقد جاء الإسلام وأزال تلك الأوهام والخرافات الجاهلية, ودعا للعقلانية في الممارسات والتصرفات، والارتباط والتوكل في مقابل ذلك على الله سبحانه وتعالى، وحث المسلمين على الايجابية في التعامل مع شتى أمور الحياة، انطلاقاً من اليقين بأن إدارة الكون بيد الله تعالى.
وقد ورد في الشريعة الكثير من الأحاديث والنصوص التي تحذر من التطير والتشاؤم، ففي رواية عن الحسن بن مسعود قال: دخلت على أبي الحسن الإمام علي الهادي وقد نكبت إصبعي، وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة فخرقوا علي ثيابي، فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما اشأمك، فقال لي الإمام : يا حسن هذا وانت تغشانا؟ ترمي بذنبك من لا ذنب له، يا حسن ما ذنب الأيام حتى تتشأمون بها إذا جزيتم بأعمالكم فيها؟ فقلت: أنا استغفر الله أبداً وهي توبتي يا ابن رسول الله، فقال لي الإمام: والله ما ينفعكم، ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلا، قلت: بلى يا مولاي، فقال : لا تعد ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله.
ان مما يدعو للأسف رسوخ بعض الأفكار والمفاهيم التي لا أصل ولا حكم شرعي لها، لكنها مع ذلك أصبحت أشبه ما تكون بالآراء والأفكار المقدسة. فمن الأفكار الخاطئة التي كانت سائدة في مجتمعنا قديما القول بأن "شهر شوال لا عرس فيه ولا حوال" حيث لم يكن الناس يقيمون أعراسهم ولا ينتقلون لمساكن جديدة في ذلك الشهر، ويبدو اليوم ان هذه الخرافة أخذت بالاندثار. إلا أننا نلاحظ في مقابل ذلك أن الناس في مجتمعنا لازالوا يتمسكون ببعض العادات من قبيل مراعاة الليالي الجيدة وغير الجيدة لإقامة حفل الزفاف، وهي ما تعرف محليا بالليالي "الكوامل" هنا من المهم أن نعلم جيدا أنه لا يوجد في الشريعة ما يعرف بأيام جيدة أو أيام سيئة لحفل الزفاف، ولعل الوارد في هذا الصدد يرتبط بإجراء العقد وليس الزفاف, وهو لا يزيد عن رواية ضعيفة السند، تنصح بتجنب إجراء عقد الزواج إذا كان القمر في برج العقرب. كما توجد أيضاً روايات ضعيفة أخرى حول كراهية إجراء عقد الزواج في الليالي الأخيرة من الشهر، وذلك عندما يكون القمر في المحاق، أي في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين من الشهر. أما ما يعرف بالليالي "الكوامل" وهي سبع ليال من الشهر تصادف اليوم الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون، فلا توجد أي رواية حول كراهية إجراء عقد الزواج أو ترتيب حفل الزفاف فيها، وإنما يعود تجنب الناس لترتيب حفل الزفاف فيها لاعتقاد قديم بأنها أيام نحسة. والملفت في الأمر أن السيد رضي الدين ابن طاووس الذي أورد روايات حول الأيام النحسة في كتابه الدروع الواقية، يقول: دلت الأخبار على التحذير من العمل فيها – أي الأيام السبعة الكوامل - بأي عمل كان ولزوم الإنسان بيته، وعدم الحركة لشدة نحوستها.
غير أن غالبية الفقهاء لا يأخذون بهذه الروايات لضعفها، وعلى اعتبار أن هذا الاعتقاد ليس له أصل عقلي ولا حديث ثابت. ولعل بعض الناس يستدل على نحو خاطئ بآيات القرآن الكريم ومنها ما يشير إلى وجود أيام نحسة كقوله تعالى: ﴿وأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات﴾، وقد ورد في الرواية أن هذه الريح استمرت في الهبوب من يوم الأربعاء إلى الأربعاء التالي، وتبعا لذلك الفهم الخاطئ ستكون جميع أيام الأسبوع هي أيام نحس!، والصحيح أن هذه الآية الكريمة تشير أن الأيام النحسات كانت على أولئك القوم الذين نزل بهم العذاب لأن الله عذبهم فيها، وليست أيام نحس على كل البشر وعلى مدى الزمن. في مقابل ذلك تواترت الروايات الشريفة حول النهي عن التطير، والحث على التفاؤل والإيجابية وتجنب الأوهام والآراء الاعتقادات الخاطئة.
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: أما اتصاف اليوم أو أي قطعة من الزمان بصفة الميمنة أو المشئمة، واختصاصه بخواص تكوينية عن علل وأسباب طبيعية تكوينية فلا، وما كان من الأخبار ظاهراً في خلاف ذلك فإما محمول على التقية أو لا اعتماد عليه.
ونحن كأتباع لمدرسة أهل البيت علينا أن نأخذ بتوجيهاتهم، وأن نبتعد عما ليس له أصل من الشرع أو من العقل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للالتزام بتعاليم الدين والحمد لله رب العالمين.