الشيخ الصفار يعتبر تحدي العلاقات الداخلية أهم تحدي تواجهه الأمة في عصرنا الحاضر
اعتبر سماحة الشيخ حسن موسى الصفار أن أهم التحديات التي تواجهها الأمة في عصرنا الحاضر هو تحدي العلاقات الداخلية، محملاً الحكومات والشريحة الدينية مسؤولية تجاوز جميع رواسب التخلف لتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها سماحته في مأتم القصاب بمملكة البحرين بمناسبة الاحتفاء بذكر ميلاد السبط الأول لرسول الله وهو الإمام أبو محمد الحسن بن علي ، وذلك مساء الخميس 14 شهر رمضان 1425هـ (أكتوبر 2004).وقد أكد الشيخ الصفار في بداية كلمته على أن الإنسان إنما جاء لهذه الحياة من أجل الامتحان والابتلاء، وأن الله تعالى يختبر الإنسان أمام جملةٍ من الامتحانات ومنها: إغراء اللذات والشهوات، إغراء المال والثروة، وإغراء المنصب. وأضاف: (هناك لونٌ آخر من الامتحانات قلّ أن تُسلّط عليه الأضواء، وهو أشد الامتحانات، وهو فيما يرتبط بالعلاقة مع الآخرين).
وأكد أن هناك قسماً من الناس يعتبرون أنفسهم أحراراً في علاقتهم مع الآخرين، فمتى شاءوا العراك والصراع اتخذوه منهجاً، ومتى شاءوا المسالمة والصلح ساروا في طريقها. وأوضح أن هذه المنهجية خاطئة إذ من الضروري أن تؤثر المبادئ والتعاليم الشرعية على شكل العلاقة مع الآخرين.
وقسم الشيخ الصفار أشكال العلاقات إلى ثلاثة أشكال:
أولاً- العلاقة ضمن معادلة القوة والضعف، وفيها يفرض القوي سيطرته على الضعيف، بينما يعيش الضعيف حالة الاستكانة والمذلة أمام جبروت القوي.
وأكد أن العلاقة إذا كانت بهذا المستوى فهي تعني رسوباً وفشلاً في الامتحان الإلهي.
ثانياً- العلاقة ضمن منطق الانفعال والعاطفة، حيث ينطلق الإنسان في قراراته من خلال عواطفه وانفعالاته.
وأكد أن هذه العلاقة هي الأخرى تمثل رسوباً في الامتحان الإلهي.
ثالثاً- العلاقة ضمن منطق العقل والحكمة، وفيها يستخدم الإنسان عقله وفكره قبل أن يتخذ أي قرارٍ إيجابي أو سلبي تجاه الآخرين. وقد يتخذ الإنسان قراراً يتعارض من مصالحه الشخصية ولكن اتخاذه لذلك القرار إنما كان من منطلقٍ مبدئي. واستشهد بموقف الإمام علي من الخلافة حث قال : «والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين». وكذلك موقف الإمام الحسن المجتبى مع معاوية، حيث قرر الصلح مع معاوية رغم ما سيتحمله من ضغوطٍ عنيفة من أقرب المقربين له، ولكن الإمام وجد نفسه أمام أحد خيارين:
الأول: التفكير في مصلحة الأمة ككل، وهذا يدفع باتجاه الصلح، لأن الصراع والقتال لم تكن فيه مصلحة للأمة.
الثاني: الانطلاق من وحي الانفعال والعاطفة، وهذا يدفع باتجاه الصراع، إضافةً إلى أن الأجواء المحيطة بالإمام كانت تؤيد هذا الاتجاه.
ولكن الإمام قرر الصلح لأنه في مصلحة الأمة كلها، ودفع ثمناً لذلك تجرؤ كثير من أصحابه عليه، واتهام بعضهم له بأن مذل المؤمنين.
وبعد أن تم الصلح ونكث معاوية ببنوده أصبح الموقف أكثر تعقيداً، وأصبح بحاجة إلى إرادة مبدئية لتجاوز الانفعالات من جهةٍ وتتسامى على الإساءات من جهةٍ أخرى، وهذا ما قام به الإمام الحسن بن علي
وفي هذا الإطار أكد الشيخ الصفار أن أهم التحديات التي تواجهها الأمة في عصرنا الحاضر هو تحدي العلاقات الداخلية، مشيراً إلى القرار الأخير الذي اتخذته أمريكا والغرب بشأن الشرق الأوسط الكبير، ويتجلى ذلك واضحاً بدعم الولايات المتحدة الأمريكية الواضح والصارخ للعدوان الصهيوني.
وأضاف: إن الأمة تواجه هذا التحدي وهي تعيش تخلفاً كبيراً على مستوى الاستقرار السياسي والاجتماعي.
واستفهم الشيخ الصفار: متى ستخرج الأمة من مأزق التخلف؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
مؤكداً أن المسؤولية تقع على الجميع بنص الحديث الشريف: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته». مبيناً أن المسؤولية تتفاوت من جهةٍ لأخرى حسب الإمكانيات والموقعية التي تحتلها الجهة، وأبرزها ثلاثة:
أولاً- الحكومات، فهي معنيةٌ بأن تُساهم في استقرار الوضع الاجتماعي، والتجاوب مع تطلعات الشعوب: من تحقيق العدل والمساواة فيما بينهم، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية.
ثانياً- الشريحة الدينية، إذ ينبغي أن تكون هذه الشريحة مصدر توحيدٍ للأمة، ولا يصح أبداً أن تكون سبباً للنزعات. وعلى العلماء أن ينفتحوا على الجهات السياسية، وأن يتعاملوا معها بمرونة، ليكون لهم دور في معالجة قضايا الأمة، كما أن على الحكام أن يكونوا كذلك منفتحين على الشريحة الدينية.
ثالثاً- على كل المستويات الاجتماعية، وهي تمثل الخط الأكبر، فينبغي أن تسير العلاقات ضمن حدودها الطبيعية، ولا يصح أن يكون الغرب أفضل منا في تطبيقه لهذه المبادئ والتعاليم التي يأمرنا بها ديننا الحنيف.
وتساءل الشيخ الصفار: متى تصل الأمة إلى هذا المستوى المتقدم؟ بحث نتحاور، ونتعاون ونتحد على مصالحنا الكبيرة، أم أننا لا نملك مصالحاً عليا؟ يقول تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾، وقال الإمام علي : «إن الله لم يعط أحداً بفرقةٍ خيراً ممن مضى ولا ممن بقي».
واختتم الشيخ الصفار كلمته بالتأكيد على أن أهم درس نستلهمه في ذكرى ميلاد الإمام الحسن المجتبى هو أن نجعل المصلحة العليا نصب أعيننا، وأن تكون قضية الأمة والإسلام هي الحاكمة على جميع الأمور والقرارات التي نتخذها في شكل علاقتنا مع الآخرين.