حسن الاستقبال
تولي الآداب الإسلامية أهمية قصوى لمسألة التحية وحسن استقبال الآخرين. ذلك أنه حين يلتقي الإنسان أخاه الإنسان فهو لا يقابل كتلة صماء جامدة، وإنما هو يقابل إنسان ملؤه الأحاسيس والمشاعر التي تستوجب المراعاة وإبداء الاهتمام، بانشراح صدر وطلاقة وجه. وقد أشارت الكثير من النصوص الدينية إلى أن مشاعر الإنسان تنعكس حتما على قسمات وجهه، فإذا كان غاضباً بان ذلك في وجهه، وكذلك الأمر إن كان غير مبال بالطرف الآخر. ولذلك أكدت الكثير من تلك النصوص على لقاء المرء بالآخرين بوجه طلق فتلك صدقة ومعروف لا يقل عن التصدق بالمال.
وقد ورد التأكيد في الشريعة باستمرار على ابتداء التحية وإبراز الاهتمام عند لقاء أي إنسان كان. فقد ورد عن رسول الله أنه قال: (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه)[1] ، وقد كان رسول الله يسلم على الأطفال والفتيان، بل ينبغي للإنسان إذا دخل منزله أن يلقي التحية على أهله، كما يقول تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾، وقد ورد عن الإمام الباقر في تفسير هذه الآية (هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه، فهو سلامهم على أنفسكم).
إن التساهل في إبداء طلاقة الوجه والبشاشة أمام الآخرين قد يكون سببا لخسارة مكاسب كبير. وورد عن جرير بن عبدالله البجلي (ما حجبني النبي منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي)[2] . وورد أنه كان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه وإعجابا بما تحدثوا به، وذلك لشدة ما يبديه من اهتمام بحديثهم. وفي المأثور أيضا أن رسول الله خاطب ذات يوم أسرته بني عبد المطلب قائلاً: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه، وحسن البشر)[3] ، وورد عنه : (لا تحقرن من المعروف شيئاً ومن المعروف أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)[4] ، وعن الإمام الباقر قال: (أتى رسول الله رجلٌ فقال أوصني: فكان مما أوصاه: ألق أخاك بوجه منبسط)[5] ، وفي رواية عن أمير المؤمنين لفت فيها النظر إلى أن المرء عندما يلقى أخاه بوجه طلق فإنه يكسب دون أن يصرف شيئاً يقول : (البشر ابتداء صنيعة بغير مئونة)[6] ، أي كأنه بادر إلى صنع جميل على الطرف الآخر.
إن على المرء أن يعود نفسه ايلاء الاهتمام بالآخرين. ولعل هذا ما يضع علامة سلوكية فارقة بين الناس، فبعض الناس لديه هذه العادة الطيبة التي يُشعر من خلالها الآخرين باهتمامه الكبير بهم، فيما آخرون لا يستنكفون عن التعاطي مع الناس بفتور ودرجة أدنى من الاهتمام، أما الصنف الثالث فهم أولئك الذين لا يجدون حرجا في مواجهة الآخرين بوجه مكفهر مقطباً وعابساً. فطريقة التعاطي مع الناس وايلاء الاهتمام بهم إنما هي عادة يختارها المرء عن قصد.
ولعل هناك باعثين يدفعان المرء نحو حسن استقبال الآخرين يتمثلان في سلامة النفس وامتلاك الوعي. إذ تشير النصوص الدينية إلى أن سلامة نفس الإنسان تمثل أساساً صلباً لحسن علاقة المرء بنظرائه البشر، فالنفس الخالية من العقد عادة ما تبدي الاهتمام بالآخرين، وعلى النقيض من ذلك أولئك الذين امتلأت نفوسهم بالعقد، فإنهم غالباً ما ينظرون للآخرين باحتقار وترفع. يقول أمير المؤمنين في هذا الصدد: (الطلاقة شيمة الحر)[7] ، ويعني بالحر تلك النفس المتحررة من العقد، ويقول : (بشرك يدل على كرم نفسك)[8] .
أما الباعث الآخر فهو الوعي، وذلك بأن يعي المرء أهمية العلاقات الإنسانية، فمن يعي ذلك سيولي اهتماماً عظيماً بالآخرين، ويحرص على الظهور باستمرار بشوشاً، طلق الوجه في تعامله معهم. يقول الإمام علي : (من الدهاء حسن اللقاء)، ويعني الإمام بذلك بأن من ذكاء المرء أن يكون حسناً في لقائه مع الآخرين.
حينما يعوّد الإنسان نفسه على هذه العادة الحسنة فإنه سينجح في علاقته مع الآخرين، فهذا الأمر داخل في باب الاكتساب والتطبع، فعلى المرء أن يعوّد نفسه على كيفية التعامل الحسن مع الآخرين سواء كان كبيراً أو صغيراً، صديقاً أو خادمًا أو أياً كان، إذ لا ينبغي بأي حال أن يسلك سلوك الغاضب المتجبر، حتى في تعاطيه مع عائلته وأهل بيته، أو مع الضعفاء من خدمه والعاملين تحت يده. فسلامة النفس وامتلاك الوعي كفيلان بوضع الأسس الصلبة لعلاقة صحية مع الآخرين تبدأ من فن التعامل معهم.
ثمار الاستقبال الحسن
إن استقبال الآخرين على نحو حسن فيه الكثير من الفوائد الدينية والدنيوية:
أولا: كسب رضا الله
إن من أول فوائد حسن استقبال الآخرين هو كسب رضا الله واجتناب غضبه. فكما يتطلع المرء لاكتساب الأجر من الله حين يصلي ويصوم ويؤدي العبادات، فإن في التعامل الحسن مع الآخرين مكسباً يعادل ما تحصل عليه من أداء نوافل العبادات، ولربما فاق ذلك بأضعاف. ورد عن الإمام الصادق : (ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له بهن الجنة: الإنفاق من إقتار، البشر لجميع العالم، الإنصاف من نفسك)[9] .
ولعل السؤال هنا؛ إذا كانت البشاشة في وجوه الآخرين من موجبات الجنة، فماذا تخسر أيها الإنسان إذا لقيت الناس بوجه طلق؟. إن من المستغرب أن بعض الناس لا تكاد تجود نفسه بالبسمة في وجوه الناس، ويبخل بانفراج أساريره معهم كما لو كانت هذه البسمة باهظة الثمن ويصعب عليه أن يعطيها لأي شخص!. كان رسول الله يقول: (إن الله يبغض المعبس في وجه إخوانه)[10] ، وعن علي : (إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب)[11] . فاستقبال الآخرين على نحو حسن هو مدعاة لرضا الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: كسب القلوب
إن من النتائج المباشرة لحسن استقبال الآخرين، هو كسب قلوبهم، والتأسيس لعلاقة ناجحة معهم. يروي الإمام الصادق عن جده النبي أنه قال: (حسن البشر يذهب بالسخيمة)[12] . أي البغضاء، ويقول علي : (البشاشة فخ المودة)[13] ، فكما تنصب فخاخاً لاصطياد الطيور فإن البشاشة بمنزلة الفخاخ المخصصة للظفر بودّ الآخرين، وهذا يشمل جميع المحيطين بنا أيا كانوا، ابتداء من أفراد العائلة، وبحسب الرواية (لا يكن أهلك أشقى الناس بك)، وانتهاء بآخر من تتعاطى معهم من عامة الناس. فحسن الاستقبال والبشاشة والوجه الطلق مدعاة لكسب قلوب الناس على أي حال.
وتتأكد أهمية التحلي بالبشاشة وطلاقة الوجه حينما يكون المرء في موضع حاجة الآخرين. كأن يكون مسئولاً، أو موظفاً في أي مجال من المجالات الخدمية، التي تتطلب التواضع لخدمة المراجعين، فهناك يتجلى بوضوح سلوك الموظف الحر صاحب النفس المتحررة من العقد، الذي يستقبل المراجعين بترحاب واهتمام، فيما قد يكون هناك موظف آخر لا يكاد يرفع رأسه لاستقبال المراجعين، فلا يرد السلام ولا يبدي الاهتمام، وبالكاد يرد عليهم جوابًا. ويحضرني هنا ما كتبه إلي أحد الطلاب المبتعثين للدراسة في الولايات المتحدة، حين أشار إلى أن أهم ما لفت نظره في تلك البلاد، هو أن غالب من تعامل معهم أشعروه بالاهتمام البالغ، وحين راجع المستشفى شعر باهتمام الجميع به، بدءاً من موظفي الاستقبال مروراً بتعاطي جميع طاقم المستشفى، وصولاً لتعامل الطبيب المعالج. ولعل تعاملا حسنا من هذا القبيل، مفيد بالدرجة الأساس في تحقيق أول العلاج، بخلاف من يستقبلك بغضب وضيق صدر، فإنه قد يضاعف عليك المرض. وهكذا الحال في طريقة الاستقبال لدى جميع المرافق العامة، ومنها المطارات مثلا، فكثيرا ما يتحدث العائدون من السفر إلى بلادهم عن انطباعاتهم الايجابية أو السلبية إزاء استقبال موظفي الجوازات أ
و الجمارك لهم، فبعض هؤلاء الموظفين أحرار وعندهم درجة عالية من التربية والأخلاق، فتجدهم يرحبون بالقادمين، فيما يصر البعض الآخر على استقبال الناس بوجه مكفهر مغضب، فلنا أن نتساءل حينها عن ردة فعل هذا القادم وهو يرى أن أول من يستقبله في البلد بهذا الجفاء والجفاف، والأدهى من ذلك إذا كان القادم من غير مواطني البلاد، فلك أن تتخيل الانطباع الذي سيتركه هذا الموظف لدى هذا الزائر وأي صورة سيعكسها عن صورة البلد. إن على الإنسان أن يشعر الآخرين، أيا كانوا، باهتمامه بهم، تبعا للآية الكريمة (ولقد كرمنا بني آدم).
إن على الإنسان المسلم أن يدرب نفسه على حسن استقبال الناس في جميع الأحوال تأسيا بسيرة النبي . وحتى لو كان الشخص يعاني من مشكلة أو مرض يؤثر على مزاجه، فهذا ليس عذرا لسوء الخلق مع الآخرين، وكما في الحديث (المؤمن حزنه في قلبه وبشره في وجهه)[14] . فهذا علي بن أبي طالب يصف خلق رسول الله بالقول: (كان يعطي كلا من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه)[15] فكل شخص يشعر مع رسول الله أنه أهم شخص عنده ، بخلاف ما تراه عند البعض، فقد يسلم عليك ولكنه يبقى مشغولاً بأمر آخر كالعبث بهاتفه الجوال مثلاً، أو ما شابه، وهذا ليس من الخلق القويم، فكل من جالس الرسول صار جليسه حتى يكون الآخر هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، ومن يتحدث معه يترك له النبي العنان مهما طال حديثه فلا يقطع عليه حديثه، حتى أنه كان ذات مرة واقفا لصلاة العشاء فأتاه رجل وتحدث فأطال الحديث حتى نعس بعض المصلين ونادوا بالصلاة، فقال : (ما كنت لأقطع حديثه). وعن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه)[16] ، وفي ذلك درس للإمام و المأمومين بأن يتفقدوا من يحضر معهم الصلاة، ويسألوا عن من يتغيب عنهم ويبدوا له اهتمامهم، فإن كان غائبا دعوا له، وإن كان شاهدًا زاروه، وإن كان مريضا عادوه، وعن الامام الصادق : (كان رسول الله يقسم لحظاته بين أصحابه – أي كان يدير نظره على جميع من يجلس معه- فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية. وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله يده من يديه حتى يكون هو التارك، وكان لا يدعوه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك)[17] . هكذا ينبغي أن يتأسى المسلم بنبيه وهكذا ينبغي أن نأخذ بهذه الأخلاق فنلقى الآخرين بوجه طلق ففي ذلك خير الدنيا والآخرة.
حبا الله الإنسان بمخزون هائل من المواهب والكفاءات ودعاه لاكتشافها وتنميتها. فالإنسان مدعو لاكتشاف وتنمية المواهب المكنونة في نفسه، تماما على غرار استصلاح الإنسان للأرض من خلال زراعتها والاهتمام بها، كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك، ولا تضيعن نعمة من نعم الله عندك ولير عليك أثر ما أنعم الله به عليك)[18] ، ذلك إنما تضيع النعم بتجاهلها وعدم تنميتها.
مسئوليتنا تجاه المواهب
هناك ثمة واجبات إزاء ما منحنا الله من مواهب وكفاءات، ومنها:
الأول: تطوير الكفاءة
ينبغي على المرء أن يجهد في اكتشاف وتطوير الكفاءات والمواهب التي وهبه الله إياها في أي مجال من المجالات، أدبية في الشعر أو النثر أو الفن أو التصوير أو الإدارة أو الخطابة..، فإن عليه أن يكتشف هذه المواهب وينميها.
الثاني: إظهار المواهب
لم يمنح الله الإنسان مختلف المواهب ليخفيها عن الناس بل ليظهرها. ثمة نصوص دينية يمكن أن يستوحي منها البعض تشجيع الإنسان على البقاء مغموراً، بعيداً عن البروز والسعي للشهرة، ولتوضيح هذا الأمر، ينبغي أن نفهم هذه النصوص ضمن سياقها الطبيعي وهو رفض التوجه المذموم والسيئ لطلب الشهرة بطرق ملتوية، فالروايات التي تنتقد الغنى واكتساب المال، لا تعني بأي حال حث الإنسان على العيش فقيراً، بقدر ما هي ضد التوجه السلبي للمال، وضد الحالة السلبية في الغنى. في مقابل ذلك نجد النصوص تشجع الإنسان على إظهار كفاءته، فقد ورد عن الإمام الصادق : (إظهار النعمة أحب إلى الله من صيانتها)[19] ، وعنه : (إني لأكره للرجل أن يكون عليه نعمة من الله فلا يظهرها)[20] .
آثار إظهار النعم والمواهب
أولاً: الاستجابة لأمر الله، فإظهار النعم والمواهب يعني الاستجابة لأمر الله تعالى، فهو سبحانه كما أمرك بالصلاة والعبادات أمرك أن تظهر نعمه عليك ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
ثانياً: إفادة الناس، ذلك لأنه بقدر ما يظهر المرء من كفاءة فإنه يفسح بذلك المجال لكي يستفيد الناس من كفاءته.
ثالثاً: تبادل التجارب، فبقدر ما يبدي المرء من جهد وقدرات، كما يفعل نظراؤه في الطرف المقابل، فإن مؤدى ذلك أن يكون هناك تبادل للتجارب والخبرات والكفاءات، وهذا بطبيعة الحال مما يساهم في تطور المجتمع.
رابعاً: تشجيع التنافس الإيجابي.
خامسًا: بروز الكفاءات في أي مجتمع هو مكسب للهوية الاجتماعية. ذلك أن بروز صاحب الكفاءة المنتمي إلى أي مجتمع إنما يعزز بذلك موقعية مجتمعه على نحو أو آخر، فالناس حين تشيد بالأوطان والمجتمعات إنما تشيد بالكفاءات التي تزخر بها تلك المجتمعات. يذكر في هذا السياق قول الامام الباقر لتلميذه أبان بن تغلب: (اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك)[21] . ولعل هدف الإمام أن يرى الناس أن لهذه الجماعة وهذا المذهب كفاءات وقدرات يستفيد منها كل المجتمع المسلم. إن هذا الخطاب موجه في الحقيقة لكل مؤمن وفي كل عصر ومجتمع.
إن على ذوي الكفاءة أن ينخرطوا في التجمعات المناسبة لكفاءاتهم. فعالم اليوم يزخر بالمؤسسات التخصصية، والتجمعات النوعية، التي تشكل بطبيعة الحال ساحات تلتقي فيها المواهب والقدرات، ولذلك يتوجب على ذوي المواهب أن يبحثوا عن تلك الساحات وينتمون إليها، ليس على المستوى الوطني فحسب، وإنما التطلع للعالمية كذلك. فليفتش ذو الميول الأدبية عن المؤسسات والتجمعات الأدبية في منطقته وإقليمه وفي كل العالم وينتمي إليها، ولا ينبغي أن ينطوي في حدود قريته وأصحابه، وعلى غرار ذلك فليفعل من عنده كفاءة فنية، وذلك بالانتماء والحصول على العضويات أو الاشتراك في المسابقات وما شابه.
ينبغي أن نسجل حضورنا في كل مجال. تنتشر في بلدنا وفي كل مكان في العالم شتى أصناف الجمعيات التخصصية للمؤرخين والمهندسين والمحاسبين والأطباء والفنانين والأدباء وغيرها، فعلى من لديه موهبة وقدرة في أي مجال أن يسعى ليظهرها هناك، فالمكان الطبيعي لبروز الكفاءة هو في اطارها وساحتها التخصصية. لا ينبغي أن نكتفي بالمجال الوطني فهناك الآن مؤسسات عالمية في كل مجال من المجالات، ولذلك فالطاقات المحلية مدعوة للانفتاح على تلك المنظمات في الساحة العالمية. وخير مثال على ذلك حين انضمت أحدى الطاقات المحلية المتخصصة في مجال هندسة البترول إلى جمعية مهندسي البترول العالمية وهو الدكتور عبد الجليل الخليفة من الأحساء، وهي جمعية عالمية تضم 75 ألف عضو وخاض الانتخابات الرئاسية للجمعية فأصبح أول رئيس لتلك الجمعية من قارتي آسيا وأفريقيا. وهذا بلا شك اعزاز للوطن والانتماء الذي ينتمي إليه.
هناك للأسف حالة من الانكفاء والانطواء على الذات والمحيط الضيق تنتاب بعض ذوي الكفاءة. وذلك إما بسبب الكسل وعدم الرغبة، أو التهرب من تحمل المزيد من المسئوليات المترتبة على العضويات في تلك التجمعات التخصصية وغيرها. والأسوأ من ذلك هو ما ينتاب البعض من أوهام حول عدم قبول الآخرين به، وأنهم لن يفسحوا له المجال، إما بسبب تشكيكه في قدراته، أو لوجود حواجز اجتماعية، عرقية أو مذهبية، إن هذه الأعذار في معظمها ليست سوى أوهام لا حقيقة لوجودها، وحتى لو فرضنا أن الآخرين لا يرحبون بانضمام الكفاءات من هذا الدين والمذهب لسبب أو لآخر، فلابد من أن يفرض ذووا الكفاءة أنفسهم من خلال كفاءاتهم، وإصرارهم على انتزاع مواقعهم.
قبل أيام شارك بعض شباب المنطقة من جمعية الخط العربي في القطيف في مسابقة على المستوى الوطني، فكان نصيب أعضاء الجمعية من جوائز المسابقة إحدى عشرة جائزة من أصل أربعة عشر، وهذا أمر يسر القلب ويرفع المعنويات ويبرز القدرات التي يزخر بها المجتمع، كما أنه تنافس ايجابي، لذا ينبغي على أبناء المجتمع أن يهتموا بإظهار كفاءاتهم من أجل أن يخدموا الناس فزكاة العلم بذله.
ينبغي أن ننأى بأنفسنا عن حالة التردد في اقتحام ساحات التنافس في كل ساحة ومجال. ومما يؤسف له أن تجد في بعض الأحيان بعض المواهب الشابة من كتاب المقالات على الانترنت على سبيل المثال، تجدهم يهابون من نشر مقالاتهم في الصحف والمجلات المحلية والإقليمية والدولية، لا لشيء إلا لتردد أو خشية رفض النشر في هذه المطبوعة أو تلك. المطلوب من جميع الكفاءات أن يقتحموا بلا تردد مختلف الساحات، حتى نثبت حضورنا فيها. ولا ينبغي أن نجعل من الانشغال بمشكلة سياسية أو اجتماعية حاجزاً يمنعنا من إظهار مواهبنا في مكان آخر، فالحياة مسارات متنوعة ولابد أن نعمل في جميع المسارات. المطلوب أن يتجه المجتمع نحو التفكير باتجاه إبراز كفاءاته وطاقاته في كل مجال فذلك تكليف لكل أفراد المجتمع.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لإظهار نعمه والاستفادة منها والإفادة بها.
الخطبة الثانية: إظهار الكفاءات