إشهار عمل الخير
ثمة طرق عديدة وأساليب متنوعة للقيام بأعمال الخير، يجمع بينها المنطلق القيّمي في أداء العمل. فحين تتنوع أساليب العمل ستتعدد بطبيعة الحال طرق أدائه وانجازه. والسؤال هنا؛ كيف يختار الإنسان طريقة على أخرى، وكيف يفضل أسلوب عمل على آخر؟
للإجابة على هذا التساؤل نجد في التوجيهات الإسلامية تركيزا كبيرا على أهمية أن يكون المنطلق في اختيار الأسلوب قيميا وبعيدا عن النزعة المزاجية.
فمثلاً تؤكد التوجيهات الشرعية على العمل الجمعي حتى لو حصل الثواب في أداء العمل فرديا. ولو ضربنا مثلاً بعمل الخير، عبادياً كان أو خدمياً، فقد يكون بإمكانك أن تؤديه بشكل فردي، كما بإمكانك أن تقوم به ضمن عمل جمعي، فكيف تختار أحد الأسلوبين؟
التوجيهات الشرعية تحثنا على العمل الجمعي، حتى لو حصل الثواب في العمل الفردي، فإن ثواب أداء الخير ضمن عمل جمعي سيكون أكبر وأعظم. وكمثال على ذلك صلاة الجماعة، فبإمكان المرء أن يؤدي فرائض الصلاة اليومية بمفرده لكن أداء الصلاة في الجماعة يكون فيها ثواب الصلاة أكبر وأعظم، فقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة)[1] ، وعن أنس بن مالك عن رسول الله (صلاة الرجل في جماعة خير من صلاته في بيته أربعين سنة. قيل يا رسول الله صلاة يوم؟ فقال صلاة واحدة)[2] . إذا بإمكانك أن تؤدي الصلاة جماعة وبإمكانك أداءها منفرداً، وبكلا الطريقين تكون قد أديت الفرض الواجب مع فارق الثواب. ولذلك فالأفضل أن يختار المرء أسلوب الأداء الجمعي.
وجريا على ما سبق، تعتمد مسألة الإسراع في القيام بعمل الخير، أو التمهل في أداءه، على الظروف الآنية المحيطة. فقد تستطيع أداء نفس العمل في خمس دقائق، وقد تختار القيام به في عشر دقائق، ومثال ذلك في الصلاة، فبإمكان المرء أن يطيل صلاته، وفي ذلك ثواب كبير دون شك، كما بإمكانه أن يؤديها مقتصراً على الواجبات فقط، فسيكون قد أدى الواجب بكلا الطريقتين. واذا كان هناك من ضابطة لتحديد أي الطريقتين أفضل، أي أن يطيل الإنسان في صلاته أو يختصرها، فذلك يختلف باختلاف الأحوال، فلو كان الشخص يصلي بمفرده فسيكون من الأفضل له أن يطيل، أما إذا كان يصلي إماماً للجماعة، فيستحب له أن لا يطيل في الصلاة، بل يكره له ذلك. قال الإمام علي في عهده لمالك الأشتر (وإذا أقمت صلاتك في الناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس من به العلة وله الحاجة فإني سألت رسول الله حين وجهني إلى اليمن قلت: كيف أصلي بهم؟ قال: صلي بهم صلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما)[3] . من هنا فالإطالة في أداء عمل الخير أو الاختصار فيه يختلف باختلاف الظروف شريطة أن يبقى المنطلق في الأداء قيمياً دائماً.
كما تفرض الظروف الآنية نفسها في تحديد أفضلية اعلان عمل الخير أو سرية القيام به. وإنما تتحدد وفقاً للمعيار القيمي لا النزعة المزاجية. يقول تعالى ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ﴾، فالآية الكريمة تتحدث عن أفضلية الانفاق والتصدق، وما اذا كان ذلك بالخفاء أم بمرأى ومسمع من الناس.
هناك أمران يجب مراعاتهما في هذه المسألة:
الأول: احراز الاخلاص لله تعالى. بأن ينطلق الإنسان في عمله مخلصا لله، وفي الرواية عن أمير المؤمنين علي : (طوبى لمن أخلص لله تعالى عمله)[4] .
الثاني: مراعاة مشاعر الآخرين. فإذا كان في اعلانك العطاء للمحتاجين والفقراء جرحا لمشاعرهم، فعندها يكون اخفاء العطاء أفضل، فالإخفاء هنا يساعد الإنسان على الاخلاص في العمل لله، كما ان فيه حماية لمشاعر الآخرين.
لكننا نجد في مقابل ذلك حالات أخرى يكون فيها اظهار العمل نوعا من التشجيع، واشاعة عمل الخير في المجتمع، فالإعلان هنا سيخلق حالة التنافس في عمل الخير، وفي مثل هذه الحالة سيكون الاظهار والاعلان أمرا ايجابيا، شريطة اخلاص النية، وأن لا يكون الاعلان ورضا الناس بحد ذاته هو الهدف.
وهناك ثمة مسألة دقيقة تكمن في عدم منافاة الاخلاص لله تعالى بالاستئناس برضى واعجاب الآخرين. فلا ضير أن يستأنس المرء الفاعل للخيرات قربة لله تعالى برضا وإعجاب الآخرين بعمله، فالإنسان بطبيعته البشرية يأنس برضى واعجاب الآخرين به، وبما يعمل. وهذا لا ينافي الإخلاص، كما ورد في الآية الكريمة ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ﴾، فإبداء الصدقة ليس عيبًا في حد ذاته. وفي رواية عن زرارة قال (سألت أبا جعفر الباقر عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك، قال لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك)[5] .
تعيش مجتمعاتنا اليوم عصرا جديدا ينبغي أن يكون عماده العمل الجمعي المتسم بالشفافية. فالعمل الجمعي الذي يرفع شعار العلنية والشفافية سيكون الناس أكثر قبولا به واقبالا عليه، من هنا تأتي أهمية اعلان المؤسسات الاجتماعية عن نشاطاتها وانجازاتها، ذلك لأنه يأخذ عنوان تشجيع الغير على فعل الخير. ولذلك ينبغي على مختلف المؤسسات أن تعلن عن نشاطاتها، فكثير من الناس لا يعرفون عن هذه الأنشطة الخيرية التي بإعلانها يتشجعون على المشاركة فيها، فذلك أحد معاني الشفافية وهو أبعد ما يكون عن المفهوم الخاطئ للرياء والغرور وطلب السمعة.
هكذا تلفتنا التوجيهات الدينية إلى أن اظهار عمل الخير في كثير من الموارد، ما لم يكن منافياً للإخلاص، فإن ذلك أمر محمود وينبغي أن يتوجه الناس إليه.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لعمل الخير والتشجيع عليه.
تقوم المعادلة الطبيعية في هذه الحياة على التنافس الايجابي فمن يعمل أكثر ينال الأكثر. فالحياة تتسع لكل بني البشر، وخيراتها مبذولة للجميع، المؤمنين بالله تعالى وغير المؤمنين، فلم يختص الله تعالى عباده المؤمنين بثروات الحياة، بل جعلها لكل بني البشر، ذلك لتكون الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان للجميع.
وقد أشارت لهذه الحقيقة جملة من الآيات الكريمة، ومنها قوله تعالى ﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾، والآية الكريمة تتحدث عن هذه الحقيقة بعد آيتين سابقتين لها، تحدثتا عن فئتي البشر من المؤمنين وغيرهم، وجاء فيها قوله تعالى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن هناك فئتين من البشر، فئة تتمحور حول المادة والدنيا، وأخرى تتطلع إلى الآخرة، ثم يقول تعالى ﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾، أي أن الله تعالى يمد هذه الفئة وتلك، والإمداد المشار اليه في الآية يعني النعم المستمرة، وهي لا تقتصر على فئة دون أخرى، فخير الحياة للجميع، وبحسب التعبير القرآني ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ أي لجميع الناس دون استثناء. فالمعادلة في هذه الحياة قائمة على التنافس الإيجابي، ولذلك لا يحق للمؤمنين أن يمنعوا
غير المؤمنين من الاستفادة من خيرات الكون، فمن يعمل في هذا الحياة أكثر ينال من نصيبها أكثر، مؤمنا كان أو غير ذلك.
كما لا يحق لفئة مهما كانت أن تعيق طريق الفئة الأخرى في هذه الحياة. فلو كان هناك بلد فيه أناس مؤمنون وآخرون غير مؤمنين، وكان المؤمنون لا يرغبون باستصلاح الأرض وعمارتها، فلا يحق لهم أن يمنعوا غير المؤمنين من ذلك، فذلك لا يجوز بأي حال من الأحوال، لأن خيرات الحياة مبذولة للجميع والحياة قائمة على التنافس، قال تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾، وفي آية أخرى ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾، ويقول تعالى في آية ثالثة: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، كما تؤكد آيات كثيرة أخرى في القرآن الكريم على حقيقة أن الحياة للجميع، ويجب أن تتاح الفرصة فيها للجميع، مهما اختلفت أعراقهم وأديانهم وتوجهاتهم. من هنا ينبغي أن يكون مجال التنافس مفتوحا، فلا يحق لفئة أن تعيق أخرى.
إنه لأمر مشروع تعزيز أي فئة دينية أو عرقية أو قومية لوجودها وموقعيتها في أي مجتمع. فالتوجه لتعزيز المكانة هدف سليم، ولا يحق لأحد أن يمنع أحدا منه. وإن كان هناك ثمة ما يشار إليه فهو وجوب تحري الوسائل المشروعة في تعزيز ذلك الوجود وتلك الموقعية، فبعض الفئات تريد أن تكون هي الأقوى من خلال اضعاف الفئات الأخرى، والعمل على تعويق سعيهم لمصادر القوة، وهذا منهج خطأ، وفيه عدوان على حقوق الإنسان، ومخالفة للنظام الإلهي الذي جعله الله تعالى في هذه الحياة، كما يؤدي حتما إلى النزاع والصراع.
أما المنهج الصحيح فهو أن تسعى الفئة التي تريد أن تكون أقوى نحو العمل أكثر، وتفجر طاقاتها، وهذا حق مشروع ولا ريب. تماما كما يجري في سباقات الجري، فلا يحق لمتسابق أن يعرقل المتسابق الآخر، حتى يوقعه ويتقدم هو عليه، بل عليه أن يجد في الركض حتى يصل هو أولا، كذلك لا يجوز أن يُمنع أحد من ممارسة قوته ونشاطه المشروع.
إنه لمن الوهم أن تعتقد فئة من الفئات بأنها أولى بخيرات الوطن لمجرد اعتبارات عرقية أو قومية أو مذهبية. حدث مثل هذا ابان الحقبة الاستعمارية في العالم حيث روّج البيض الاوربيون فكرة عنصرية، مفادها أحقية العرق الاوروبي الأبيض في استعمار العالم على حساب السود والملونين، وعليه جرى حرمان الشعوب المستعمرة من خيرات أوطانهم. كما قد تعتقد فئة أخرى بحقها المطلق في مقدرات الأرض لاعتبارات قومية محضة، ومن طريف ما ذكر في هذا السياق، ما رود في تحقيق نشرته مجلة العربي الكويتية في عددها رقم 479 لشهر أكتوبر 1998م تناول قبيلة الماساي في أفريقيا، فهذه القبيلة التي تعيش في شمال تنزانيا يعتقد أبناؤها أن الله تعالى خلق جميع الأبقار في العالم لأجلهم هم فقط، فجميعها تخضع لملكيتهم، وانما يقوم بقية البشر بتربية البقر نيابة عنهم، فإذا ما رأى أحد من أفراد هذه القبيلة بقرة فيمكنه أخذها، بل ويستغرب الواحد من هؤلاء إذا قدم عليه أحد بلاغا لدى الشرطة لأخذه بقرة من آخرين، ذلك لأنه يعتبر تصرفه تصرفاً طبيعياً، وأن هذا الحق للقبيلة وقد رجع إليها!.
وربما تعتقد فئة ثالثة تؤمن بمذهب ديني معين في بلد من البلدان أنها الأولى بثروات البلد وامكاناته، وما يتركونه للآخرين يعتبرونه منة منهم على أولئك. إن خيرات الحياة جعلها الله سبحانه وتعالى لكل البشر، وفي كل وطن هي لجميع المواطنين، وإن تجاوز هذه الحقيقة عدوان على حقوق الآخرين، ويشكل أرضية للخصومات والنزاعات القائمة على أوهام وأفكار باطلة.
لقد توصلت المجتمعات البشرية المتقدمة إلى ضرورة وضع قانون يحمي الجميع، ويساوي بينهم. فالحل السليم لادارة المجتمعات هو حماية التنافس الإيجابي، والاحتكام لقانون يضمن تكافؤ الفرص، وكل يعمل بمقدار طاقته وجهده. إن وجود قانون يسري على الجميع سيكون عنصرا مساعدا على تقدم الأوطان؛ لأن الكفاءة هي من تتحرك وتفرض نفسها، كما يساهم في اشاعة أجواء السلم والاستقرار في البلد، وهذا ما تعيشه الدول المتقدمة، حتى أنك ترى أفواج المهاجرين تأتي بلدا من تلك البلاد، وإذا هم يتحولون بعد برهة إلى مواطنين لهم حقوق السكان الأصليين، لمجرد حصولهم على جنسية ذلك البلد، بغض النظر عن أصولهم العرقية، أو توجهاتهم السياسية، أو الدينية. لقد جذبت تلك الدول بقوانينها العادلة المزيد من الطاقات والعقول الجبارة.
إن غياب الاستقرار والانسجام في بعض المجتمعات، إنما هو انعكاس لغياب القانون والأنظمة العادلة. فإلى جانب أهمية وجود النظام العادل، هناك أهمية قصوى لاشاعة ثقافة التنافس الإيجابي، التي تدفع الناس باتجاه التحرك لأخذ مواقعهم استنادا لكفاءاتهم، وذلك هو سر تطور الأوطان، ورسوخ الاستقرار والأمن والسلم فيها.
وعلى النقيض من ذلك نجد البلدان المتخلفة، فهذه البلدان لا تعاني من العجز في اجتذاب الكفاءات من الخارج فحسب، وإنما تجهض وتعوق نمو الكفاءات الوطنية لاعتبارات الهوية العرقية او الدينية او القبلية الضيقة!، وهذا خلاف ما أكدت عليه مبادئ القرآن الكريم، والأسوأ من ذلك ما نجده من شياع ثقافة التحريض والتخويف وإثارة القلق عند كل فئة تجاه الفئة الأخرى، فإذا كان المجتمع مكونا من عدة قوميات أو طوائف فمن السهل أن تجد ثقافة التخويف طريقها في المجتمعات المتخلفة.
لايزال عالمنا الإسلامي يواجه بين الفينة والأخرى تصاعد الحالة الطائفية، وبروز ثقافة التخويف، خاصة بين المسلمين الشيعة والسنة. فإلى جانب غياب المساواة بين المواطنين في بلادنا بسبب انتماءاتهم وهوياتهم الفرعية، نجد كذلك انتشارا هائلا لثقافة التخويف من الآخر، فهناك من يصور السُنة وكأنهم خطر على الشيعة، والشيعة كأنهم خطر على السنة.
هذه الثقافة تشكل أرضية للنزاعات والصراعات، وتشغل الناس ببعضهم بعضا، على حساب مصالحهم.
في واقع الأمر لا السنة خطر على الشيعة ولا الشيعة خطر على السنة، وإنما الخطر المشترك على الطرفين هو الاستبداد والهيمنة الأجنبية.
إن التخلف الداخلي وتفشي الفقر والبطالة وتخلف التعليم والخدمات، خطر على الجميع. ولا يشكل الشيعة والسنة أي خطر على بعضهما البعض لولا أن هناك من يبث هذه الثقافة التحريضية بين المسلمين، وإلا ماذا يعني أن تنعقد الشهر المنصرم بتاريخ 23/3/1433 بمركز سعود البابطين في مدينة الرياض وعلى مدى ثلاثة أيام ندوة باسم الندوة العلمية! وعنوانها: حقيقة المعتقد الرافضي وخطره على المجتمعات السنية، ولنا أن نتساءل في المقابل؛ ماذا لو انطلق متعصبون من الشيعة، وتحدثوا هم أيضا عن خطر المعتقد السلفي على الشيعة فإلى أين ستنتهي الأمور؟
كنا نظن أن الزمن قد تجاوز هذه اللغة التحريضية والثقافة الجاهلية، سيما ونحن نعيش الربيع العربي!. الا ان الغريب أنه مع تقدم العالم وتطور العقل البشري، لازال بيننا من يبعث ثقافة التخويف بين فترة وأخرى، كما تأتي أمثال هذه الفعاليات بعنوان ندوة علمية!، وليت شعري أي علم في مثل هذه الندوات؟
خذ مثلا على المشاركات المطروحة فيها؛ محاضرة حول الأصل المجوسي للشيعة، ماذا يعني ذلك؟ فالشيعة الأوائل هم من العرب، وإذا كان المقصود هم الإيرانيون وأن آباءهم كانوا مجوسًا فهم لا ينكرون ذلك، والسؤال ماذا كان آباؤكم أنتم ايها العرب؟ لقد كانوا مشركين وثنيين يعبدون الأصنام، أليس من السخف أن نتراشق بيننا حول أصول الآباء والأجداد وأحداث الزمن الماضي؟. والسؤال ماذا لو جاء شخص أحمق من الشيعة وأعلن ندوة علمية أيضا! حول الأصل الوثني لأهل السنة، ثم ماذا؟.
وفي مشاركة أخرى ضمن الندوة جاءت بعنوان جرائم الرافضة عبر التاريخ! لنا أن نتساءل، ماذا لو أتى احد الشيعة وتناول جرائم السنة عبر التاريخ وما فعلته بنو أمية ومن بعدهم؟ حقيقة الأمر هذا كلام مضحك، وأسلوب سخيف، سواء صدر عن هذا الطرف أو ذاك، اذ لا تعدو المسألة عن وجود ظلم واستبداد سياسي من هذه الحكومة أو ذاك الطرف، سواء كان من هذا المذهب أو ذاك. والظالم لا يمثل السنة ولا الشيعة وإنما يمثل في ظلمه الشيطان.
إن أسوأ نتائج ثقافة التخويف من الآخر بين فئات الأمة أنها تشغل الجميع عن المطالبة بالعدالة والحرية والتقدم. تشغل الناس عن التوجه إلى قضاياها الأساسية، فعوضا عن أن يطالب الناس بحل المشاكل التي يعانون منها في حياتهم وأوطانهم، نتركهم يتربصون ببعضهم البعض، والمستفيد الأول والأخير هو الاستبداد الداخلي والعدو الخارجي، إلى جانب ترسيخ حالة التخلف التي تعيشها أوطاننا. لذلك ندين هذه الثقافة، وننصح أنفسنا، ونذكر كل الواعين بأن لا يردوا على هذا المنهج بمثله، فإن ذلك هو ما يخدم هذه المخططات التي تريد اشغال الأمة واشعال الفتنة الطائفية بين أطيافها.
نأمل أن تعيش كل المجتمعات الإسلامية في ظل نظام عادل يساوي بين الناس في الحقوق والواجبات وتكافئ الفرص، وأن يكون هناك تجريم لأي تحريض وإثارة للكراهية، لنتجنب المشاكل والخصومات، ونعيش كما تعيش المجتمعات المتقدمة حالة من السلم المجتمعي والاستقرار السياسي.
نسأل الله أن يصلح حال الأمة الإسلامية.