العمل الصالح ثروة الآخرة
يهتم الناس بتوفير أبسط مقومات حياتهم في الدنيا، فيما يغفل الكثيرون عن الاهتمام بأمر حياتهم الأبدية في الآخرة. وفي حين يعتمد أغلب الناس على عنصر المال، الذي يلعب دوراً حيوياً في تسهيل أمورهم، يبقى أمر الآخرة شيئاً آخر مختلفاً تماماً، اذ ان مكانة المرء ووجاهته هناك تبقى أمراً مرهوناً بمقدار ما يملك من رصيد كاف من أعمال الخير والصلاح.
إن الانتقال من عالم الدنيا الى عالم الآخرة أمر حتمي في رحلة قسرية، تستحق الاستعداد لها جيدا. والسؤال هنا؛ كيف سيبني المرء مكانته ووجاهته حين ينتقل إلى الدار الآخرة؟ وكيف يسير أمور حياته ويعالج مشاكله هناك؟ هل بنفس العملة المالية التي يتداولها في هذه الحياة الدنيا؟ الجواب؛ كلا. فالانسان إنما يحتاج في ذلك العالم إلى عملة أخرى من نوع مختلف، اختصرها الإمام الهادي في كلمة واحدة حين قال: (الناس في الدنيا بالأموال وفي الآخرة بالأعمال)[1] . إذ مما لاشك فيه ان مكانة الانسان في الآخرة، وهي الحياة الخالدة، تتطلب نوعا من العملات يسير به حياته ويعالج بها مشاكله، ولكن ذلك لن يكون عبر الثروة المالية التي امتلكها وألفها في هذه الحياة الدنيا، فهذه لن تجدي بل لا وجود لها من حيث الأصل، وانما العملة المتداولة هناك هي "الأعمال".
ان رصيد كل إمرء في عالم الآخرة هي مجموع اعمال الخير والصلاح التي قام بها في الدنيا. فبمقدار ما يكون للانسان رصيد من أعمال الخير والصلاح تكون مكانته ووجاهته في الآخرة، وتسير أمور حياته وتحل مشاكله هناك. ولذا على الانسان أن يفكر في هذا الأمر بجد، أي أن يدخر له رصيدا كافيا يعينه في تلك الحياة. ان النصوص الدينية الشريفة توجه المؤمنين إلى أنهم كما يحتاجون إلى توفير السكن في حياتهم الدنيا عبر شراء الأرض ثم البناء وكل ذلك بالمال، كذلك الأمر تماما بالنسبة للآخرة، فالانسان سيكون في أمس الحاجة حينئذ لكل عمل من أعمال الخير حتى يجوز به أهوال القيامة، التي ليس أقلها الجواز على الصراط الذي تضطرم على ضفتيه نار جهنم، وسط مخاطر التعثر والسقوط، وفي السير على الصراط هناك من يجتاز كالبرق، تماما كمثل الذي يركب طائرة في هذه الدنيا، وآخر يركض وثالث يمشي وغيره بالكاد يزحف، وكل ذلك يعتمد على ما يملك الانسان من الأعمال.
من سبل النجاة
تزخر النصوص الدينية بذكر الكثير من الإعمال الصالحة التي تشكّل رصيداً وسبيلاً لنجاة المرء في حياته الأبدية يوم يقوم الناس لرب العالمين.
يروي أبو حمزة الثمالي عن الامام الباقر (أربع من كن فيه بنى الله له بيتا في الجنة؛ من آوى اليتيم ورحم الضعيف وأشفق على والديه ورفق بمملوكه) [2] . هذه هي العملة التي تمكن الإنسان من الحصول على بيت في الجنةـ، فالمرء الذي يريد بيتا في الدنيا ويكدح من أجل ذلك، وخاصة إذا كان يعيش في بلد كبلدنا السعودية فان امتلاك منزل يبقى قضية صعبة ويحتاج إلى جهد مضاعف مقارنة بالكثير من بلاد العالم، فأسعار الأراضي بلغت حدا خيالياً غير متصور، ولذلك تجد أكثر المواطنين لا يمتلكون سكنا في مختلف مناطق البلاد، وحسب بعض التقارير فإن 70 % من مواطني المملكة لا يمتلكون سكناً.
إذاً أنت تدرك صعوبة الحصول على بيت في الدنيا فلا تدفع نفسك لمواجهة تلك الصعوبة في الآخرة، فبإمكانك من الآن أن ترتب أمورك هناك. ان ايواء اليتيم والرحمة بالضعيف والأشفاق على الوالدين والرفق بالمستخدمين تعد جميعها عملة صالحة تمكن المرء من الحصول على بيت في الجنة.
وعلى غرار ذلك يحتاج الانسان كذلك إلى الطعام الذي يشتريه بالمال، لكن في الآخرة لن يتسنى لأحد الحصول على الطعام سوى بالعمل الصالح. فقد روي عن الامام زين العابدين القول ( من أطعم مؤمنا من جوع اطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا من ظماء سقاه الله من الرحيق المختوم ومن كسا مؤمنا كساه الله من الثياب الخضر) [3] . ويندرج هذا الأمر على جميع البشر ، بل جميع الخلائق، فكما ورد انه سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الضالة ترد الحوض هل له أجر إن أشبعها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (في كل كبد حر اجر ) [4] ، وخاصة في مثل مناطقنا شديدة الحرارة في ايام الصيف، فإنك ترى بعض العمال الأجانب يلهثون من شدة العطش، فأجدر بنا أن نبادر إلى سقيهم، وأذكر أني تحدثت لرب عمل بأن يسقي العمال الذين يشتغلون عنده الماء، فرد بالقول: البقالات موجودة ولهم أن يشتروا منها. مثل هذا الشخص يخسر نفسه الخير الكثير الذي سيكون هو نفسه أحوج ما يكون اليه يوم القيامة. وفي رواية عن الإمام الباقر (أول ما يبدء به في الآخرة صدقة الماء) [5] ، فهذا أول شيء يوزع ثوابه.
هناك روايات كثيرة حول ترتيب أوضاع الإنسان المعيشية في الاخرة ومنها ما ورد عن النبي أن: (أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله) [6] .
وقد ورد عن النبي أنه قال (من زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من الحور العين) [7] . فعلى غرار حاجة المرء للزواج في الحياة الدنيا، يحتاج الأمر ذاته في الحياة الآخرة، غير أن الفرق أن زواج الدنيا يحتاج إلى المال، سيما في هذا العصر الباهض التكاليف، بيد ان الأمر مختلف في الآخرة، فالزواج هناك ليس بالمال وإنما بالاعمال، كما بامكان المرء أيضا أن يختار هناك من بين الحور العين كما ورد عنه (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله تبارك وتعالى على رؤس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء) [8] .
وهكذا تتعدد الرويات والنصوص التي ترشدنا إلى الطريق الذي نسلكه لتهيئة أوضاعنا في الحياة الآخرة. من هنا، لنجعل هذه الكلمة هديتنا من ذكرى وفاة الإمام الهادي (الناس في الدنيا بالأموال وفي الآخرة بالأعمال).
قبس من حياة الإمام الهادي
ونحن نعيش ذكرى وفاة إمامنا الهادي ، لابد وأن نطل اطلالة سريعة على سيرته ونقتبس شيئا من سيرته وتوجيهاته.
ولد الإمام سنة 212هـ وفقد أباه الإمام الجواد سنة 220 وعمره ثمان سنوات، وحينما ارتحل للرفيق الأعلى سنة 254هـ كان عمره الشريف 42 سنة. وعاصر الإمام عددا من الخلفاء العباسيين كالمعتصم والواثق والمتوكل والمعتز، هؤلاء الخلفاء الذين عانت الأمة بشكل عام من سياساتهم الظالمة، وعانى أهل البيت بشكل خاص من قمعهم وقسوتهم، وأشدهم المتوكل العباسي، الذي استمرت سلطته 15 عاما. وكان هذا الخليفة شديدا على أهل البيت وشيعتهم، وهو الذي أمر بهدم قبر الامام الحسين والدور المحيطة به، ومنع الناس من زيارته.
وفي واحدة من أقسى المحطات التي مرت بحياة الإمام، أمر المتوكل بجلب الإمام الهادي من المدينة إلى سامراء حيث كان يقيم، وكان ذلك بعد سنتين من تولي المتوكل الحكم الذي صادف سنة 232هـ. ولقد كانت تلك الخطوة محطة مؤلمة في حياة الإمام، فقد أجبر على مفارقة حرم جده رسول الله ، والانفصال عن الأجواء التي يتواصل فيها مع جمهوره وتلامذته. ولا يخفى ان الهدف من ذلك الإجراء هو عزل الامام عن الناس وإبقاؤه تحت رقابة السلطة.
وهذا ما جرى بالفعل، فقد بقي تحت الاقامة الجبرية برفقه ولده الإمام الحسن العسكري ، فلا أحد يتواصل معهما إلا تحت رقابة السلطة، وبالرغم من بقاءه رهن الاقامة الجبرية، إلا أنه كان يؤخذ إلى السجن بين الفينة والأخرى. وقد حدث صقر بن ابي دلف الذي استطاع أن يصل إلى الامام في سجنه بحيلة عبر علاقته مع أحد مشرفي السجن، فدخل عليه يومًا فوجده في غرفة على حصير وبإزائه قبر محفور قد أمر المتوكل بحفره لإرهاب الإمام، فالتفت إليه الإمام بحنان ولطف وقال: يا صقر ما أتى بك؟ قال صقر: جئت لأتعرف على خبرك، وأجهش صقر بالبكاء. فقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء. فهدأ روعه وحمد الله على ذلك وسأل الإمام عن بعض المسائل فأجابه عنها وانصرف.
وضمن أشكال التعسف التي واجهها الإمام ما عانى منه من تسلق جنود الخليفة وبأمر شخصي منه لدار الإمام ليلا، والشروع في تفتيشه واقتياده للخليفة وهو على الوضعية التي يكون عليها، وقد اقتيد الإمام ذات ليلة إلى المتوكل وقد كان الأخير في مجلس شرب وسكر، وإذا به يعرض الكأس، بكل صفاقة، على الإمام، فقال الإمام (ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني) [9] .
هكذا عانى الامام الهادي في ظل السلطات الجائرة إلى عهد المعتمد العباسي الذي دس له السم وتوفي على أثر ذلك كما تشير احدى الروايات.
هذا الإمام ومع كل هذه الظروف الصعبة ظل يسعى باستمرار وبمختلف السبل للقيام بدوره في تربية العلماء والكوادر الرسالية، وبث التعاليم والمعارف من أجل أن تستفيد منها جماهير الأمة.
نسأل الله أن يوفقنا واياكم للأعمال الصالحة وأن يجعل حياتنا في الآخرة هانئة بجوار نبينا وآله صلوات الله عليهم أجمعين.
الأمة هي مصدر الشرعية والسيادة، ولا يستقيم الحكم والسلطة إلا برضا عامة الناس. ان من الطبيعي أن تكون مسالة الحكم والسلطة مسألة حساسة في المجتمعات الإنسانية، فهي الأمر الأكثر تأثيرا على كل مسارات حياة الناس، ولذلك فصلاح السلطة فيه صلاح كل الأمور، وفسادها ينعكس على مختلف شؤون الحياة، علاوة على أن موقع السلطة عادة ما يثير نزعة التطلع اليه، وبالتالي يكون محل خلاف. ان المجتمع الذي يعالج مسألة السلطة معالجة صحيحة سينعكس ذلك بطبيعة الحال على استقراره الاجتماعي والسياسي، أما إذا لم تعالج مسألة السلطة على نحو سليم، فهذا يعني أن حياة ذلك المجتمع تبقى رهن المشاكل والأزمات.
ان أهم عامل في مسألة السلطة والحكم هو أن تنبثق من رضا الناس. وذلك ما يعني أن تكون الأمة هي مصدر الشرعية والسيادة، وعليه لا سبيل للوصول إلى موقع الحكم إلا عن هذا الطريق، فهذا النهج هو الذي يجعل السلطة تسير في الطريق الصحيح. وقد ورد عن أمير المؤمنين نصوص كثيرة تؤكد على أن مسالة الحكم والسلطة ينبغي أن تتم برضا واختيار عامة الناس. فقد روى محمد بن الحنفية (كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدًا أحق بهذا الأمر منك، ولا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله . فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيرًا خير من أن أكون أميرًا، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفيًا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين) [10] . ومن كتاب له لأهل الكوفة قال (وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين)، وفي أول خطبة له بعد البيعة قال (إني قد كنت كارها لأمركم، فأبيتم إلا ان أكون عليكم، ألا وأنه ليس لي امر دونكم، إلا أن مفاتيح مالكم معي، ألا وأنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم) [11] .
كما ان ثمة نصوصاً كثيرة في هذا الاتجاه تشير إلى أن السلطة والحكم يجب أن تنبثق من رضا الناس. وينقل اخواننا أهل السنة في هذا السياق روايات عن الخلفاء والصحابة، فعن الخليفة عمر قال (من تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه) [12] ، وروى ابن أبي شيبة عن عمر أنه قال (لا خلافة إلا عن مشورة) [13] ، وروي عن أبي بكر في خطبته الثانية بعد توليه الخلافة (وهذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم) [14] . وأوردت مصادر مختلفة عن الخليفة عمر بن الخطاب حول تقويمه لبيعة أبي بكر ما يشير إلى أن الطريقة التي تمت بها البيعة لا ينبغي أن تكون منهجًا، وإنما ينبغي أن يكون اختيار الحاكم طبقا لاختيار ومشورة المسلمين حيث قال (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها)، وفي رواية أخرى (بلغني أن قائلاً منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين لبايعت فلانا فلا يغرن امرءًا منكم أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك، غير أن الله وقى شرها) [15] . وورد عنه أيضا (فمن عاد لمثلها فاقتلوه) [16] . ومعني مفردة (فلتة) أي فجأة، وفسر ذلك بأن القضية جرت على نحو مفاجئ، ولم يكن معلوما تبعات ونتائج ما حصلت حيث كان من المحتمل أن تقع فتنة ولكن الله وقى المسلمين ذلك. وخلاصة الأمر وفق هذا المنهج أنه لا ينبغي أن تكون السلطة إلا برضا الناس، فهذا ما تشير اليه مختلف النصوص الدينية الأولى وسيرة الخلفاء في العهد الاسلامي الأول، فالأمة هي مصدر الشرعية والسيادة، والحكم والسلطة لا يكون الا برضا الأمة.
لقد تسلطت على الأمة بعد الخلافة الراشدة حكومات جاءت بالقوة والغلبة والوراثة، فأحدثت في الأمة انحرافا كبيرا لاتزال آثاره قائمة اليوم. فقد استهل بنو أمية مسيرة الانحراف السياسي عن منهج العهد الراشدي بالملك العضوض، واستمرت هذه الحالة في حياة المسلمين مع مجيئ بني العباس وغيرهم، فأوصلت الأمة إلى ما تعاني منه الآن، من تخلف وحالة مزرية بسبب النهج السياسي الخاطئ، نهج الاستبداد والتغييب لارادة الأمة..
وظل الاستبداد القائم حريصاً على توفير الغطاء الشرعي والفكري كأحد دعائم السلطة. فقد سادت الآراء التي تبرر الاستبداد تحت حجج مختلفة منها تحصيل الشرعية عن طريق بيعة من عرفوا بأهل الحل والعقد، وهم الزعامات البارزة في المجتمع، فيكفي وفق هذا المنطق أن يتفق مجموعة على شرعية شخص معين وينتخبوه حاكما، وقد اختلفوا في عدد أفراد هذه المجموعة، كما نجد ذلك في الأحكام السلطانية للماوردي، أو الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي، فقال بعضهم أقله خمسة أشخاص يختارون شخصا للحكم، ومنهم من قال: أقله ثلاثة، ومنهم من قال واحد فقط يكفي!. ثم أعقب ذلك ظهور نظرية ولاية المتغلب، فاعتبروا ولايته شرعية لو وصل إلى الحكم بالسيف والقوة، فإن حكمه يصبح شرعيا وفق هذه النظرية الغريبة. ويروي أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية عن الإمام احمد، أنه روى عنه ما يدل على أن الخلافة تثبت بالغلبة والقهر ولا تفتقر إلى العقد، وقال في رواية عن عبدوس بن مالك العطار: ومن غلب بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه اماما برًا كان أو فاجرًا[17] . فهذه المسيرة بدأت بانحراف سياسي عملي ثم واكبها تنظير ورأي فقهي وفكري سيّر الأمة في هذا النهج الذي ينطوي على تغييب تام لسيادة الأمة.
أن ما يجري هذه الأيام من انتخابات في بعض بلداننا العربية والإسلامية أمر يدعو إلى التفاؤل. فأن يختار الناس حاكمهم ينطوي على عودة للنهج السليم، وكلنا تابع مجريات الانتخابات الرئاسية في مصر التي عاشت في ظل حكم مبارك أكثر من ثلاثين عاماً، حيث تولى الرئيس المخلوع حسني مبارك بعد اغتيال السادات 1981 واستمر إلى أن عزلته الثورة وخلعه الشعب. وكانت تجري انتخابات شكلية لا ينافس مبارك فيها أحد ومن يجرؤ على طرح نفسه منافسا كما فعل أيمن نور، فإن الامر ينتهي به إلى السجن. غير أن هذه الصفحة السوداء من حياة الشعب المصري طويت وعاد التفاؤل يرتسم على محيا الشعب المصري والشعوب العربية أجمالا.
لاشك بأن سيادة الأمة هي الطريق نحو استقرار المجتمعات. فحينما تكون السيادة للناس وهم الذين يختارون فهذا هو الذي يضع المجتمعات على طريق الاستقرار، من هنا يبقى الأمل في أن تكون تجربة انتقال السلطة في مصر ناجحة، وأن لا يشوبها التلاعب، سيما في ظل القلق الكبير من التدخلات الدولية والإقليمية، فإذا نجح الشعب المصري وقدم أنموذجا جيدا فهذا يعني أن تكون الشعوب العربية أمام بداية عهد جديد، سمته المشاركة السياسية والتعددية الحزبية، وهذا ما تعقد عليه الآمال في بزوغ حياة سياسية أكثر حرية وانفتاحا، فإذا صارت الأمة هي مصدر السيادة والشرعية، فأي حاكم سوف يحسب لها حينئذ حسابا، والدستور كفيل بتعديل الوضع لو أخطأت الأمة الاختيار، وهو ما يعني أن تسير العجلة السياسية بالشكل السليم في ظل استقرار يتمتع به الجميع.