العرب وسلوك الاتحاد
أدرك مبدئياً أن الكلام العام في أي شأن من الشئون أو قضية من القضايا لا يؤدي غرضه بشكل ناجح ودقيق، ذلك لأن لكل موضوع حيثياته وتفاصيله وخفاياه.
وأدرك أحياناً أن الكلمات المهلهلة دون الحديث المباشر قد تكون سيئة الوقع، أو هكذا يحدث لها حين تكون المقاربة لأمر يحتاج الوضوح والصراحة.
مع ذلك سأتحدث بشكل عام عن العرب وسلوك الاتحاد، لأنه حديث المجالس ومقال الصحف، والمتصدر في نشرات الأخبار، وحسبي في حديثي أن مقالاتي السابقة تكشف مرادي.
أحسست أن الناس ينشغلون بالسياسي، فيرونه يتطلع لكنه لا يستطيع الوصول، يخطط لأموره ثم لا يتمكن من تنفيذها، يعرض أطروحات تبدو للوهلة الأولى متقدمة، لكن حظه لا يسعفه في تنفيذها ومساعدتها على رؤية النور.
ربما نستخف بالسياسي، ونفرغ طاقتنا من التنكيت والضحك عليه لأنه أخفق ولم يستطع انجاز تطلعه، مع كل الخلاف المقبول حول هذا التطلع أو ذاك ودواعيه ودوافعه وغاياته إلى غير ذلك.
هذا الانشغال بالسياسي قد ينسينا حالنا كشعوب ومجتمعات، فنغفل أن الاتحاد والتعاون صعب وشاق حتى بيننا، ففي المجتمع الواحد وفي القرية الواحدة، نفتقد التعاون بين مساجدنا وبرامجنا ومناسباتنا، نفتقد التعاون والاتحاد بين علمائنا فيما بينهم، ونفتقده بينهم وبين مثقفينا.
مؤسسات المجتمع المدني هي الأخرى مصابة بهذا المرض، فأغلبها جماعات وأحزاب فرحة بما لديها ولا تشعر بقيمة الاتحاد إلا في الشعارات، أما الواقع فيؤذيه خلافها وانقسامها.
هذا السلوك لا يخصنا نحن كمجتمع، فكل المجتمعات العربية تعيش الفرقة والتمزق فيما بينها كسلوك مفضل، في ذات الوقت الذي تعشق الوحدة وترفع رايتها كشعار مفضل.
ربما يشغلنا السياسي لأنه صورة مكبرة لهذا المرض، لكن واقع الحال يقول ان كل مجتمع من مجتمعاتنا يعيش هذا الواقع ويرضع ثقافته، ويملأ رئتيه من استنشاق غباره.
نحن في الداخل الاجتماعي وعلى صعيد الشعوب نتفاعل مع الهواجس، فتولد لنا الخوف والتحسس والتقهقر. نريد أن نقدم خطوة لنتحد مع آخر يشاركنا الهم والبرنامج والهدف، ويشاطرنا الأمنيات والتطلعات، لكننا نحجم ونتوقف، لأن الهواجس تتغلب على كل الأهداف والأمنيات والبرامج.
تفرض الهواجس نفسها علينا فتفقدنا الثقة بأنفسنا والاحساس بقدرتنا، ثم تلزمنا بالعودة للوراء أو البقاء في مواقعنا دون تقدم نحو الاندماج والوحدة مع الآخرين، ولذلك نبقى حتى في قرانا نبذل جهوداً مكررة ومضنية في كل برامجنا ولا نندفع للاتحاد.
تسيطر علينا الأنا في أغلب برامجنا وأعمالنا، ولأننا نخاف عليها، فإننا نسأل أنفسنا كيف سنكون حين نتحد مع جماعة أخرى في منطقتنا أو قريتنا، كيف سيكون اسمي وموقعي ورمزيتي؟ ثم كيف ستكون جماعتي وتكتلي وحزبي؟
حينها نبحث عن منغصات وافتراضات وتصورات تحول بين قبول عقولنا للاتحاد ونفوسنا للتعاون، ثم نشافه أتباعنا بالمخاطر والصعاب والاحتمالات، لننتزع منهم قرار حماية «الأنا»، مهما كان شكلها وأياً كانت صورتها.
يغيب عنا الوعي بمصالحنا العامة والكبرى في أي عمل وحدوي، وتبرز المصالح الصغيرة، تطفح هذه المصالح الصغيرة، لأننا لم نشبع أنفسنا بالمصالح الكبيرة، ولم ننظر لأنفسنا من خلالها.
في كل فرصة نحاول بلورة المصالح الصغيرة وتجميلها وتحسينها في أعين أتباعنا، وحين نوضع بالخيار بين المصالح الكبيرة والصغيرة، تسبق المصالح الصغيرة غيرها لأنها الأنضج والأبرز والأوضح.
كم نحن بحاجة لسؤال أنفسنا في مناطقنا وقرانا: هل نستطيع الاتحاد؟