د. سميرة البيات لجريدة المدينة: من وحي الحوار والمكاشفات القاسمية الصفارية (2 - 2)
جريدة المدينة (ملحق الرسالة)، الجمعة 12 ذو القعدة 1425هـ (24 ديسمبر 2004م).توقفنا في الحلقة السابقة عند الجزء الرابع من ألسباب التي أراها جديرة بالمناقشة في هذه المكاشفات وتحديداً عند:
4- كثرة العوائق التي تحول دون التعايش تحت مظلة وطن واحد:
حقيقة أنا اختلف مع هذا السبب كثيراً لأن الواقع لا يقول ذلك ولا التاريخ ولا الجغرافيا, ولكن الكاتب يستشرف بهذا السبب من وجهة نظري الواقع الاجتماعي المتأصل من ممارساتنا مع بعضنا, ولعل في هذا فرصة سانحة لأذكر بعض العوامل التي تساهم في التعايش والانتماء, وقد فصلت ذلك في كتابي الهرم التربوي وتحديات العصر (تحت الطبع) وأشرت لذلك في كتابي موسم الحصاد الفائز بالجائزة الثانية في مهرجان أبها الثقافي, وذلك في الفصل الخاص بأسباب الإرهاب, ومن هذه العوامل التي تؤثر في الانتماء (وهو دافع للتعايش بين أبناء الأمة) لشيء ما بصفة عامة, وللدين والوطن بصفة خاصة ما يلي:
أ. العلم: بهذا الشيء علماً نافياً للجهالة به وبالطبع فالعلم بالدين الإسلامي هو من الأمور التي يجب على المسلم أن يتقنها, إذ كيف يعبد ربه بغير علم؟ ويشمل العلم هنا معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته, ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ومعرفة الدين الذي جاء به من حيث أوامره ونواهيه, ومعرفة الكتاب الذي أُنزل عليه, ومعرفة الرجال الذين حملوا هذا الدين إلينا) وحتى يكون العلم صحيحاً فلابد من تحري الدقة فيمن نأخذ عنه ديننا , غير متأثرين في ذلك بما ورثناه من ممارسات الآباء والأمهات حتى يثبت لنا أنهم كانوا يعبدون الله على علم.
ب. الحق في تعلم وتلقي الدين من المصادر التي يفضلها وبالطريقة التي يراها مناسبة دون أن يفرض عليه رأياً, أو مذهباً معيناً. وكذا نشر كتب العلم التي تساعده على التعلم دون تضييق عليه في ذلك لأي سبب من الأسباب, ولعلي هنا أشير إلى سعة الإسلام في التفاعل مع تنوع المذاهب الفقهية, فجميع المذاهب الإسلامية تتفق في أصول الدين, والاختلافات فقط في بعض الفروع, وهذه الاختلافات ليست فقط بين المذاهب بل تجدها داخل المذهب الواحد, وقد تنوع أصحاب الرسول من بعده في فتواهم في المسألة الواحدة بأكثر من رأي , ولم يعب أحدهم على الآخر , وهناك الكثير من الأبحاث المعنونة بأدب الخلاف , عرَّف فيها الباحثون الخلاف , وعددوا أنواعه , وأفاضوا في ذكر أمثلة من مسائل الخلاف بين الصحابة.
ج. الحرية: فحرية الإنسان في ممارسة شعائر دينه حسب الطريقة التي يراها صحيحة من وجهة نظره , وفي الأماكن والأوقات التي يفضلها ووفق ما يميل إليه من مصادر علم, مادام لا يضر بذلك أحداً.
د. الاحترام: من الآخرين عندما يمارس الإنسان شعائره الدينية فلا يتعرض له أو به أحد, وهذا الشعور لا يتأتى من طرف لطرف منّة منه عليه وإنما هو حق لكل إنسان, وقد أوجب الإسلام ذلك الحق لغير المسلمين فمراعاته للمسلمين أولى, وآي القرآن صادحة بالتزام المسلمين بذلك تجاه غيرهم ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم , كذلك زينا لكل أمة عملها﴾. ولنتذكر جميعنا أننا دعاة ولسنا قضاة
هـ. التعاون: فالمسلمون مأمورون بالتعاون على البر والتقوى, ونهوا عن التعاون بالإثم والعدوان, ولابد للمسلمين أن يتصفوا بالموضوعية في تعاملهم مع بعضهم ثم مع غيرهم, فأوجه الاتفاق بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أكثر من أن تحصى, وأوجه الاختلاف أقل من أن تعد, فلمَ نرغب عما اتفقنا عليه إلى ما يجب علينا أن يعذر بعضنا بعضاً فيه؟!.
و. العدل: في التعامل بين أبناء الدين الواحد وإن اختلفت مواردهم فالمشرب واحد, والله تعالى يقول (هو سمّاكم المسلمين من قبل), ألا تثير فينا هذه الآية الحنين إلى السمو في انتمائنا للإسلام ليرقى على المذهبية؟ الله تعالى أسمانا مسلمين وهو يعلم أننا سنتنوع في موارد تلقينا لعلوم الدين, فلم ننزع عن بعضنا لباس الإسلام وقد ألبسانا إياه ربنا؟ والمقصود بالعدل هنا, هو العدل في مستوى المعيشة, والتعليم, والعمل في الوظائف التي توفرها الدولة, وغير ذلك مما يتوجب العدل فيه من خدمات.
ز. الحكم: بما أنزل الله تعالى بين المنتمين لدين أو لوطن هو صمام الأمن والأمان, وقد منّ الله تعالى علينا بوجودنا في هذا الوطن الغالي الذي يطبق شرع الله تعالى, ويعين بعضه بعضاً على طاعة ربه فأعظم بها من نعمة أدامها الله علينا.
5- تفاجأ الكاتب بالوطنية الحقيقة لأبناء المنطقة ومعايشتهم لآمال الوطن وتطلعاته:
حقيقة أنا التي تفاجأت من مفاجأة الأخ الكريم بهذا الأمر فلا التاريخ ولا الواقع يقول بأن بيننا من يهمل في عمله أو يهرب من وطنه حين يجد الجد ومن يراجع سجلات الهيئات والمصالح الحكومية والخاصة إبان حرب الخليج يجد أن أبناء هذه المنطقة لم يتركوها ولم يتركوا أعمالهم في الحكومة أو القطاع الخاص, كما أن من بيننا رجال أعمال و أطباء ومهندسون ومعلمون وفنيون تقنيون وماهرون وبارعون في كل التخصصات يخدمون وطنهم بتفان وإخلاص, فهل هناك معيار للوطنية أعظم من ذلك؟.
ولا أريد إنهاء هذا الموضوع دون أن أطرح سؤالاً, لماذا لا نفعّل الاحتفال باليوم الوطني لبلادنا؟ ألم تتوحد فيه بلادنا بعد فرقة؟ لمَ لا يكون يوماً نتعرف فيه أكثر على بلادنا وتراثها وطموحاتها؟ لمَ لا نجعل منه يوماً يولد فيه وطننا في نفوسنا من جديد؟ لمَ لا نجعله يوماً خالصاً للوطن أقصد أن تعطل فيه المصالح ونُشعر فيه كل من يقيم على أرضنا أن لنا يوماً كأيامهم نزهوا ونفخر به, وحق لنا ذلك. فليكن هذا يوماً تتعرف فيه كل أسرة على المنطقة التي تعيش فيها والثقافات التي تنتشر في هذه المنطقة والمذاهب الفكرية والعقدية.
أختم مساهمتي هذه بالشكر والثناء الجميل لكلا المتحاورين أولاً لشخص الأستاذ الفاضل عبد العزيز محمد قاسم على شجاعته وخرقه لجدار الصمت بل والحصار الخانق المفروض من الإعلام في عصر المعلومات على طائفة من أبناء الأمة واقتحامه لمشاكلهم وتصديه لعرض أفكارهم وتوفيقه في اختيار أحد رموزهم ثم لسعة اطلاعه ووعيه بما يثار حولهم من افتراءات وأكاذيب وصدقه وأمانته في العرض ووقوفه عند حدود ما يعلم وعدم خوضه فيما لا يعلم وترك الأمر فيما يشكل عليه لأصحاب العلم وطلابه ويجمل ذلك كله بأمر عظيم هو بلاغته في العرض ومفرداته الراقية في الحوار مع سخونة ما عرض من قضايا وقوة ما طرح من فكر وهو أمر ليس غريب عليه فإذا أضفنا لذلك وعيه لسير الحوار ومعرفته لهدفه تشكل لدينا نموذج لما يجب أن يسود إعلامنا من قضايا ومناقشات تبني ولا تهدم تجمع ولا تفرق توضح الأمور والأفكار ولا تزيدها غموضاً.