الشيخ الصفار- الحوار الوطني والمكاشفات
نشرت صحيفة المدينة في ملحقها (الرسالة) ليوم الجمعة 26 ذو القعدة 1425 الموافق - 7 يناير 2005 – في عددها الصادر رقم( 15234) مقالة للكاتب الأستاذ/ فهد إبراهيم أبو العصاري، بعنوان الشيخ الصفار – الحوار الوطني والمكاشفات، وهذا نصها:نص المقال:
تستريح نفسك للجلوس معه ولو كنت تجالسه لأول مرة. فهو فنان في رفع التكاليف الغير ضرورية عن مُجالسه. بُشره وابتسامته وطيب حديثه يجعلك تحس أنك تعرفه منذ أعوام. يقفز فوراً إلى قلبك وسوف تتعجب من نفسك كيف أحببته بعد وقت قصير من لقائك معه.
إنه سماحة الشيخ الفاضل حسن موسى الصفار. التقيته مرتين قبل الحوار الوطني إحداهما في القطيف وتحديداً في مجلسه والثانية في المدينة لدى أحد أصدقائه. كان اللقاءان دافئين وفعلاً خرجت منهما وأنا أحس بأنني أعرف سماحته من سنوات.
في الحوار الوطني الأول والذي عقد في الرياض في الفترة من 15-18 /4/1424هـ التقيته في السكن المعد للمشاركين من أول ما وصلت وأذكر أنني كنت مسروراً للقائه وبادلني بدوره نفس الشعور.
وفي جلسات اللقاء كان واضحاً أنه يمثل الطائفة الشيعية في المملكة مع عدد آخر من المشاركين. إلاّ أنه كان مميزاً بلباسه الديني العمامة البيضاء وعباءة المشائخ. كان فارساً في ذلك الحوار بل نجماً من نجومه . كان يتحدث بلغة عربية فصحى يرتجلها ارتجالاً. وكان حديثه دائماً مرتباً ومتسلسلاً دون أن تكون أمامه ورقة يقرأ منها. تحس وأنت تستمع إليه أنك أمام عبقرية فذة وشخصية متميزة وعالم جليل يسعى دائماً للإصلاح. نبرة حديثه أخوية بعيدة عن الفئوية والطائفية رغم تمسكه بما يعتقده حقاً. فهو لا يغمط الآخرين حقوقهم ويكن لهم كل احترام وتقدير.
أما على هامش الجلسات فيبدُ لي أنه كان الأكثر نشاطاً من جميع المشاركين. فقد زار معظم إخوانه في غرفهم . استمع إلى أحاديثهم وأسمعهم مما لديه وكان حريصاً على زيارة المخالف – إن صح التعبير – قبل المؤالف هادفاً إلى كسر تلك الحواجز الجليدية التي فصلت طويلاً بين مُثقفي المجتمع مما انعكس على أفراد المجتمع ككل دون أن تكون هناك أسباب مقنعه للجفوة الموجودة بين الناس. إن نقاط الاتفاق بين المسلمين أكثر بكثير بل وأهم بدرجة عالية من نقاط الاختلاف. ونقاط الاختلاف على قلتها تثري العملية الثقافية ومن شأنها أن تشحذ الهمم وتساعد على نتاج فكري مستنير. والشيخ الصفار – حسب ما اعتقده – يؤمن بأهمية
الاستماع إلى الآخر والاستفادة من آرائه . وعليه فهو يوظف نقاط الاختلاف – إن وجدت – للتعلم والتعليم وكشف الأخطاء وإبراز وجهات النظر حولها وتبني الصائب منها واحترام الآراء الأخرى على كل حال.
فالرجل ينصف الآخرين من نفسه قبل أن يطلب منهم أن ينصفوه، ويحترمهم ولو علم أنهم لن يحترموه.وهذا لا شك يعكس استفادته من دراسته الشرعية والعقدية والأخلاقية لمذهب أهل البيت عليهم السلام. كما أنه واضح أنه استفاد من سيرتهم كثيراً. أذكر أنه في إحدى جلسات المؤتمر قال آخر متكلم في الجلسة أن الشيعة والسنة يكفرون الإسماعيليين، مما أثار حفيظة الأخوة الممثلين للمذهب الإسماعيلي في اللقاء. فلم يرضى الشيخ الصفار أن تقفل الجلسة بتكفير لأي مسلم فأوضح بجلاء وبأدب جم في نفس الوقت أن الشيعة الإمامية لا يكفرون الفرقة الإسماعيلية ولا غيرهم وطالب برد الاعتبار لمن وقع عليهم الأذى وأوضح أن مثل هذه الأفكار لا تساعد على وحدة الصف، فكان تدخله هذا محل إعجاب الجميع. وفي ختام اللقاء التقى المشاركون بسمو ولي العهد وكان شيخنا الصفار أحد المختارين للتحدث أمام سموه فارتجل كلمة رائعة وضافية أوضح فيها أهمية اللقاء وأجواءه ، وإثر ذلك لاحظت أن كثيراً من أصحاب السمو الأمراء كان يعانقه عناقاً حاراً ويشيد بدوره في المؤتمر.
أما في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري والذي عقد في مكة المكرمة في الفترة من 4-8/11/1424 والذي ضم نخبة طيبة من أطياف المجتمع المختلفة فقد برز الصفار كعادته في كل جلسات الحوار بمداخلاته وأفكاره النيرة مما جعله محط أنظار رجال الإعلام من صحافيين ومراسلي قنوات فضائية وغيرهم وواضح أن علاقاته الشخصية توطدت مع كثير من المشاركين في اللقاء وكان يمارس دور إصلاح ذات البين بين الأعضاء في حالة اختلافهم إلى درجة غير مرضية. وحيث أن الجميع كانوا يحترمونه كانوا في الغالب يستجيبون لآرائه فتهدأ العواصف ويعود الحب والانسجام إلى جميع الأفراد والذين يهدفون – والحق يقال – إلى الإصلاح وإن أخطأ بعضهم الطريقة والوسيلة إلى ذلك والشيخ الصفار لا شك رجل حوار من الطراز الأول يحاور بوضوح وشفافية تامة مالكاً لناصية الدليل على ما يعتقد ويقول ، وفي نفس الوقت فارضاً احترامه على الطرف المقابل لأنه شخصياً يحترم محاوريه ويهتم بآرائهم ويناقشها بأسلوب راقٍ وأدب جم بعيداً عن التجريح سواء في التصريح أو التلميح.
وقد استطاع بحنكته وخبرته أن يعقد الكثير من الحوارات حول كثير من القضايا سواء على هامش اللقاءات الوطنية للحوار الفكري أو بعدها. ولا شك أنه أثرى الساحة الأدبية والدينية بخطاباته ومحاضراته القيمة فأصبح له جمهوره الذي ينتظر منه كل جديد في كل وقت وفي كل مكان من أرجاء المعمورة سواء عبر الصحف أو عبر مؤلفاته ونشراته الدورية أو عبر الأشرطة المسجلة بصوته أو عن طريق الاسطوانات المدمجة أو عن طريق موقعه على الشبكة العالمية.
وقد كان لمكاشفاته عبر ملحق "الرسالة " في جريدة " المدينة المنورة " والتي حاوره فيها الصحفي البارع سعادة الأستاذ عبد العزيز قاسم ونشرت على مدى خمسة أسابيع أثر كبير على الساحة الصحفية.
وفي بعض الأماكن ربما نفذت صحيفة المدينة يوم الجمعة في زمن قياسي وذلك دلالة على أن أعداداً كبيرة من المواطنين ومن غيرهم أيضا يحرصون على متابعة تلك المكاشفات.
وفي نظري أن هذه المكاشفات لا تقل أهمية عن حوارات شيخنا الصفار بل ربما فاقتها أهمية لكون الحوار كان ضمن قاعة محدودة ومع أناس معدودين، بينما انطلقت المكاشفات إلى كل أرجاء الدنيا عبر صحيفة
" المدينة " الغراء وهي لا شك تفوق مداخلاته في الحوار من حيث الكم.
أما من حيث الكيف فيبقى " الشيخ الصفار " النموذج النادر وضوحاً وصراحة وأدباً وحرصاً على الوحدة الوطنية. كان يجيب على كل التساؤلات التي وجهت إليه بشفافية ووضوح ملتزماً خط الأدب العام الذي رسمه لنفسه. فهو يقول ما يعتقده حقاً دون تجريح للآخرين. فالإيمان بمبدأ ما لا يعني إلغاء حق الآخرين بالإيمان بمبادئ أخرى يرتضونها. واختلاف الناس لا يعني وجوب إقصاء بعضهم لبعض بل ولا استجابة.
نعم ليس من حقي أن ألزم الطرف المقابل بالأخذ بمبادئي التي اعتقدها صحيحة وفي نفس الوقت على الطرف المقابل أن يعرف أنه ليس من حقه ولا يجوز له إلزامي بما يعتقده صحيحاً. وفي هذه الحالة على الجميع الالتزام بمبدأ احترام الآخر والعيش في جو أخوي تظهر فيه روح المواطنة الصادقة.
إن الشيخ حسن الصفار اليوم يعد ضمن الصف الأول من رجالات الفكر الداعين للألفة والتماسك والمحافظة على الوحدة الوطنية فسدد الله على الخير خطاه وأكثر من أمثاله وجزاه على صنيعه لوطنه وأمته خير الجزاء وكتب ذلك في ميزان حسناته إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.