تقديم كتاب (العلم والعقل ومرادفاتهما في القران الكريم) للأستاذ وضاح علي حسين اليوسف

الكتاب:  العلم والعقل ومرادفاتهما في القرآن الكريم

المؤلف: وضاح علي اليوسف

الطبعة: الأولى 1436

الناشر: مركز آفاق للدراسات والبحوث

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بالعقل ميّز الله تعالى الانسان عن سائر مخلوقاته، وباستخدام العقل يتمايز الناس فيما بينهم، فمن اتجه لعقله أكثر، واستفاد من طاقته العظيمة، كان قدره أرفع، وحياته أثرى.

ولأن الإنسان قد يغفل عن هذه الهبة الالهية الكبرى، حيث تصرفه عنها بعض نزعات تكوينه العاطفي، وتأثيرات محيطه الاجتماعي، وقد لا يدرك المنهجية الفضلى للتفكير والاستفادة من نور العقل، لذلك بعث الله أنبياءه برسالاته، لتوجيه الانسان إلى عقله، وتعزيز ثقته به، ولتحصين الانسان من الخضوع للعوامل السلبية الصارفة له عن الاهتداء بعقله، أو المشوشّة على تفكيره.

وواضح من آيات القران الكريم التأكيد على محورية العقل ومرجعيته في حياة الانسان، وان رسالة الدين هدفها تحفيز العقل واثارة الفكر، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[سورة يوسف، الآية:2]. ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[سورة الروم، الآية: 28]. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل، الآية:44].

ويؤكد النبي محمد على أن الانسان لا يدرك خيراً ولا يناله في هذه الحياة إلا بنور العقل، يقول فيما روي عنه: (إنما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له).

ويقرر الامام علي أن من الأهداف الرئيسة لبعث الرسل والانبياء اثارة دفائن العقول، أي ما تختزنه العقول من طاقة وقدرة جبارة، لكنها محجوبة ومغطاة بركام الغفلة والجهل وضعف الثقة، وغلبة العواطف والأهواء، فيأتي الانبياء ليوجهوا الناس لاستكشاف عقولهم، ولانهاضها.

وهذا يقتضي أن يكون أتباع الشرائع الالهية، هم اكثر الناس استنارة بعقولهم، واستفادة من طاقاتها الجبارة الهائلة.

لكن الواقع الخارجي يحكي حالة مباينة لهذا الافتراض، حيث ينشأ في اوساط المتدينين فهم خطأ للدين، يشكل أرضية لتجاهل العقل، والتشكيك في قدرته على ادراك الحقائق، ومعرفة سنن الكون والحياة، وأن ذلك كله من الغيب الذي لا يدرك إلا من خلال ما يقوله الدين، ومن ثم تُختلق مقولات دينية، أو تفسّر بعض نصوص الدين، بما يؤدي إلى تجميد دور العقل، وتعويق حركته في حياة الانسان.

هذا ما حصل في أوساط اليهود والنصارى في القرون السابقة، والذين سادتهم الخرافات والأوهام، والتصورات الخطأ حول طبيعة الكون، وأنظمة الحياة، واصبحت مسلمات مقدسة يعاقب من ناقش فيها أو خالفها بأشد العقوبات وأسوأ ألوان التنكيل.

لكنهم تجاوزوا ذلك في العصر الحديث، حين تمرد مفكروهم على هذا التدين المزعوم، وثاروا على تلك الأفكار البالية، فانطلقوا في رحاب العلم والمعرفة، واستفادوا من عقولهم في تطوير الحياة، وصناعة النهضة العلمية والتقدم التكنولوجي في مختلف المجالات.

ولم تكن أمتنا الاسلامية في مأمن من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، بل أصابها ما أصاب أمم الشرائع الالهية السابقة، وتعطّل في معظم ارجائها دور العقل، وتضخّم دور النقل، ليغطي كل مساحات الحياة، بما يشوب هذا النقل من وضع وتحريف وتزوير وسوء فهم.

ومن يتأمل واقع الأمة الاسلامية اليوم يصاب بالدهشة والذهول، حيث تدار مختلف شؤون الأمة السياسية والاجتماعية، بواسطة الاعراف والتقاليد البالية، بعيداً عن منطق العقل ومعطيات التجربة.

وأشد ما تحتاج إليه الأمة اليوم، هو ما أكدّ عليه القران الكريم، من محورية العقل ومرجعيته، والعودة اليه لاكتشاف سنن الكون، واستخراج كنوزه وطاقاته، ولتنظيم الحياة وتطويرها في مختلف المجالات.

وبين يدي القارئ الكريم بحث علمي قيّم، يُعنى بهذا الموضوع الخطير، بذل فيه مؤلفه الكريم الأستاذ وضاح علي حسين اليوسف جهداً مشكوراً، لتسليط الضوء على مكانة العلم والعقل في كتاب الله المجيد. وهو رسالة لنيل درجة ماجستير الفلسفة من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن.

وقد قرأت البحث بشغف وشوق، مستمتعاً بوضوح لغته، وحسن منهجيته، مقدراً للباحث اختياره الموفق لهذا الموضوع المهم، وحرصه على تحديد المصطلحات بدقة علمية، واستقراء جميع الآيات القرآنية الكريمة الواردة حول العلم والعقل ومرادفاتهما.

إن هذا البحث القيّم الجميل يكشف عن شخصية مؤلفه الواعدة، فهو مشروع باحث ومفكر جادّ، نتوقع له مستقبلاً مشرقاً بالرقي العلمي، والعطاء الثقافي. وفقه الله للمزيد من الانتاج والعطاء، خدمة للدين والمجتمع.

والحمد لله رب العالمين.

حسن موسى الصفار

24 ربيع الأول 1435هـ الموافق 25 يناير 2014م

الطبعة الأولى 1436هـ ـ 2015م ـ مركز آفاق للدراسات والبحوث _ سلسلة راسائل جامعية (9)