استقلال الشخصية وتأثير الروابط الاجتماعية
عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال: «قال رسول الله: «رحم الله من أعان ولده على برّه. قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يُخرق به»[1] .
مع تأكيد الإسلام على عمق الروابط الاجتماعية بين الناس، وتوجيهه لاهتمام الانسان بتوثيق العلاقة بمن حوله من اسرة وأقرباء وجيران ومحيط اجتماعي، إلا أنه في ذات الوقت يحرص على حماية شخصية الإنسان كفرد له كيانه وقيمته واعتباره.
فليس المطلوب أن تلغى شخصيته الفردية، أو تذوب أو تسحق في غمرة استجابته وتفاعله مع تأثيرات علاقاته العائلية والاجتماعية. فذلك يخالف رؤية الاسلام في صناعة الشخصية الإنسانية المتقومة بحرية الإرادة والفكر، والمتصفة بروح المسؤولية ومشاعر الثقة والكرامة.
إن ذوبان وانسحاق شخصية الفرد في محيطه الاجتماعي يفقده الثقة بذاته، ويضعف إرادته وقدرته على الإبداع والإنجاز، وتحمّل المسؤوليات.
وإذا كان الإسلام يوصي بالتسامح والتنازل والإيثار على الذات في العلاقات الاجتماعية، فإنه يريد ذلك للإنسان من موقع الإرادة والاختيار، بعد الاعتراف بشخصيته وقيمته، وإقرار حقوقه واحترام خصوصياته.
الوالدان الرابطة الأعمق:
وهذا ما نلحظه مثلاً في توجيهات الإسلام وتشريعاته للعلاقة بين الإنسان ووالديه، وهي الرابطة الأعمق والأوثق، والتي تحظى بأكبر اهتمام من قبل الدين، حيث لا حق أوجب على الإنسان بعد حق الله تعالى من حق الوالدين، فالإحسان إليهما هو الفرض الإلهي التالي لعبادته سبحانه كما يقول تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾[سورة الإسراء، الآية: 23] والأمر بشكرهما يأتي مقترناً بالأمر بشكر الخالق، يقول تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[سورة لقمان ، الآية: 14].
لكن ذلك لا يعني اندكاك شخصية الولد في شخصيتي والديه، ولا إلغاء كيانه واستقلاليته أمامهما، حتى في مرحلة الصغر والطفولة، يوجه الإسلام إلى احترام شخصية الولد، وإشعاره بالقيمة والاعتبار، ليتربى على أساس الثقة بذاته، وتعزيز شخصيته وكيانه.
فقد ورد عن رسول الله انه قال: «يسمّى بأحسن الأسماء ويكنيه بأحسن الكنى»[2] .
وعنه: «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم»[3] .
وحين يعدُ الأب طفله بشيء فعليه أن يلتزم بوعده، ولا يستهين بشخصية الولد، حيث ورد عنه أنه قال: «أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئا ففوا لهم فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم»[4] .
ويوصي الإسلام بالتعامل مع الطفل كشخصية مهمة كبيرة، كما ورد عن رسول الله: «أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا»[5] ، وفي حديث آخر عنه: «الولد سيد سبع سنين»[6] .
فإذا ما بلغ الولد سنّ التكليف وامتلك رشده، انتهت ولاية الأب عليه، وأصبح شخصية اعتبارية مستقلة، فهو ملزم ببر والديه، وحرام عليه ممارسة أي عقوق تجاههما، ولو كان على مستوى ألفاظ التذمر والتضجر، يقول تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾[سورة الإسراء، الآية: 23].
وواجب عليه الانفاق عليهما إن كانا محتاجين وكان مقتدراً، ومطلوب منه إبداء أعلى درجات الاحترام والتقدير والرعاية لهما، عرفاناً بحقهما، ووفاءً لما بذلا من جهد وتحملا من عناء في وجود الولد وتربيته ورعايته. يقول تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[سورة لقمان، الآية: 14].
إن النصوص الدينية التي تؤكد على البر بالوالدين والتحذير من عقوقهما لا تضاهيها أية نصوص تتناول أي علاقة أخرى، من حيث كمية النصوص وعددها، ومن حيث لغة التأكيد والتشديد فيها.
لكن هذا الاهتمام البالغ بتأكيد حقوق الوالدين يوازيه إقرار تشريعي باستقلالية شخصية الولد، وحقه في إدارة حياته وشؤونه كما يقرر لنفسه، فليس للوالدين وصاية على الولد البالغ الراشد في مختلف مجالات حياته الفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
الاستقلال الفكري:
على الصعيد الفكري لا يحق للوالدين إكراه الولد على دين أو مذهب أو عقيدة، فلو أسلم الوالدان، لكن الولد لم يقتنع بالإسلام، لا يصح لهما إجباره على الدين.
أخرج أبن اسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له: الحصين كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً فقال للنبي: ألا استكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك[7] . أي ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.
وفي مقابل ذلك لو اختار الولد الاسلام، فمانعه أبواه، وضغطا عليه بالانصراف عن الدين الذي اقتنع به، فإن عليه التمسك بدينه، وعدم الاستجابة لرغبة والديه، مع التزامه ببرهما والإحسان إليهما، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾[سورة لقمان، الآية: 15].
وفي إطار الإسلام يرغب الوالدان أن يكون الولد ضمن المذهب الذي يعتنقانه حيث تتعدد المذاهب والمدارس، لكن الولد إذا اختار الانتماء لمذهب اسلامي آخر فهو حرّ في اختياره، ولا يحق لهما اجباره على التمسك بمذهبهما، كما لا يجوز له الانصراف عما اقتنع بأحقيته وصوابيته استجابة لضغوط والديه.
نعم يمكن للوالدين أن يبذلا الجهود لإقناعه بما يعتقدان، دون أن يحق لهما الفرض عليه. كما أن على الولد أن يلتزم بأعلى درجات الاحترام والبر بوالديه، وإن خالفهما في قناعته العقدية المذهبية.
وضمن المذهب لو تعددت المناهج والمرجعيات فإن الولد حرّ في اتباع المنهج والمرجعية التي يطمئن إليها، وإن خالف توجه أبويه.
النبي نوح كيف تعامل مع ولده؟
وما نلحظه من حدوث مشكلات وأزمات عائلية واجتماعية، إذا ما قرر شخص اختيار مذهب آخر غير مذهب اسرته، أو اتجاهاً ومرجعية ضمن المذهب تختلف عن اتجاه عائلته، هذه الحالات إنما تعكس انفعالًا عاطفياً يتجاوز الحدود والحقوق المشروعة، وقد تأخذ مظهر الحرص الديني، والاهتمام بصلاح الولد وتجنيبه الانحراف، لكن القهر والقسر وسيلة منحرفة غير مشروعة في مجال الهداية الدينية.
إن القرآن الكريم حيث يتحدث عن قصة نبي الله نوح مع ابنه في قضية الطوفان، إنما يريد من خلالها أن يبعث رسائل توجيه للآباء المؤمنين في التعامل مع أبنائهم في الحالات المشابهة، فهو نبي عظيم يحمل رسالة الله تعالى، ويحرص على هداية الناس وخاصة ابنه، وهو يمتلك قدرات الاقناع والتأثير، لكنه اصطدم برفض ابنه لدعوته حتى وهو يرى زحف الطوفان، فلا مشكلة في أن يعجز الإنسان عن اقناع ابنه بعقيدته، ولا ينبغي أن يتأزّم نفسياً، ولا أن يتعامل مع ابنه بتشنج وتوتر، فهذا نبي الله نوح يخاطب ابنه بكل شفقة ولطف، يقول تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴿٤٢﴾ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [سورة هود، الآيتان: 42-43].
ومع هذا الرفض والإصرار من قبل الابن، إلا أن الأب النبي لم يحقد عليه، ولم يدع عليه بالهلاك، بل رفع كف الضراعة إلى الله تعالى لانقاذ ابنه ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾
وأساساً فإن العلاقات الأسرية العائلية لا ينبغي أن تتأثر باختلاف الأفكار والمعتقدات، بما يتجاوز واجب الدعوة إلى الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب مقدور الإنسان، وضمن الضوابط والأساليب الشرعية.
عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يصرم ذوي قرابته ممن لا يعرف الحق، قال: «لا ينبغي له أن يصرمه»[8] .
وعن الجهم بن حميد قال قلت لأبي عبدالله جعفر الصادق: يكون لي القرابة على غير أمري ألهم علي حق؟ قال: «نعم، حق الرحم لا يقطعه شيء وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان: حق الرحم، وحق الإسلام»[9] .
يتضح من كل ما سبق أن حرية الرأي والمعتقد حق إنساني لا يمكن تجاوزه ومصادرته من قبل أي جهة، وان كانت اوثق الجهات بالإنسان وأعظمها حقاً عليه. فعلى الوالدين أن يعترفا بهذا الحق لأولادهم.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في سعي الآباء لفرض نمط معيشتهم وحياتهم على أبنائهم، مع تطور الزمن وتوجه الجيل الصاعد إلى أساليب جديدة في إدارة شؤون حياته، ولعل ذلك ما يشير إليه الإمام علي في قوله: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»[10] .
التدخل في شؤون حياة الولد:
ويبدو أن بعض الآباء يستصحبون حق الولاية على أولادهم من مرحلة الصغر والطفولة، ويريدون فرض آرائهم على أبنائهم حتى بعد تخطيهم لتلك المرحلة، استناداً إلى أعراف وتقاليد سائدة، أو بمبرر تأكيد الدين على حق الوالدين والنصوص الواردة في طاعتهما وبرّهما. لذلك قد يتدخل الوالدان في الشأن الخاص بحياة الولد كاختيار شريك الحياة، أو التخصص الدراسي، أو العمل الوظيفي والتصرفات المالية.
لقد حرم الإسلام عقوق الوالدين، وأوجب برهما والإحسان إليهما ومعاشرتهما بالمعروف، لكن ذلك لا يعني سلطتهما المطلقة على الولد، حيث له شخصيته المستقلة، ومن حقه تنظيم أمور حياته، وترتيب متطلبات معيشته.
يقول السيد أبو القاسم الخوئي (1317 – 1413ﻫ)
«لم ينهض دليل على وجوب إطاعة الوالدين على سبيل الإطلاق، على حدّ إطاعة العبد لسيِّده. نعم، تجب المعاشرة الحسنة، والمصاحبة بالمعروف، على ما نطقت به الآية المباركة، فلا يجوز العداء والإيذاء، وأمّا الوجوب والتحريم بمجرّد الأمر والنهي، فضلاً عن لزوم الاستئذان في كافّة الأفعال، وإن لم يترتّب على تركه الإيذاء، خصوصاً لو صدر من غير اطلاع منهما أصلاً، فهو عار عن الدليل .
أجل قد ورد في بعض النصوص أنه إن أمراك أن تخرج من اهلك ومالك فافعل، ولكن أحداً لا يستريب في أن هذا حكم أخلاقي، وليس بتكليف شرعي كما هو واضح جداً»[11] .
ويقول السيد الشيرازي:
«إن القدر المتيقن من الأدلة حرمة المخالفة التي تؤدي إلى أذيتهما فيما لا يتضرر به الولد، فالأذية مع تضرره أيضاً لا دليل على حرمتها»[12] .
قرار الزواج
ولا تزال مسألة زواج الشاب أو الفتاة تواجه تعقيدات كبيرة بسبب ممارسة الأهل لوصايتهم وسلطتهم على أبنائهم وبناتهم في كثير من الحالات.
إن بعض الشباب قد يرغب في الاقتران بفتاة يراها مناسبة له، لكنه يصطدم برفض أهله دون أن يستند الرفض لمبرر مقبول لديه، ويغلق أهله باب النقاش، ويخيّرونه بين الخضوع لهم، أو تخليهم عنه!! مما يسبب له اضطراباً عاطفياً وإرباكًا نفسيًا، قد يدخله في دوامة مشكلة تؤثر على مستقبله وحياته.
وهذا يمثل ابتزازاً يرفضه الدين، حيث لا ولاية للأهل على الولد البالغ الراشد في قرار الزواج، نعم لهم حق إبداء الرأي والنصيحة، وعليه أن يأخذ رأي أهله ونصيحتهم بعين الاعتبار، لكنه يبقى صاحب القرار وعليهم أن لا يغضبوا حين يمارس حقه المشروع.
عن ابن أبي يعفور قال: قلت لابي عبد الله جعفر الصادق: إني أريد أن اتزوج امرأة وأن أبويي أرادا أن يزوجاني غيرها؟ قال : «تزوج التي هويت ودع التي هوى أبواك»[13] .
وتأخذ هذه المشكلة منحى أشد خطورة بالنسبة للفتيات، لوجود رأي فقهي يقرر الولاية على البنت البكر في الزواج مهما تقدم بها السنّ، أو امتلكت النضج والرشد، يقابله رأي آخر يرفع هذه الولاية مع بلوغ الفتاة ورشدها، ويعطيها حق القرار في اختيار شريك حياتها.
ومع استناد كل من الرأيين لنصوص دينية، إلا أن الرأي الثاني هو الأقرب لأصول التشريع، وأكثر انسجاماً مع كرامة الإنسان وتطور الوعي الحقوقي والاجتماعي.
وحين تصل المسألة إلى مستوى عضل الفتاة وحرمانها من الزواج دون مبرر صحيح، تسقط تلك الولاية حتى عند الفقهاء القائلين بها.
إن كثيراً من الفتيات في مجتمعاتنا الإسلامية يواجهن مشكلات كبيرة في اتخاذ قرار الزواج وفق رغبتهن واختيارهن، فقد يفرض عليها القرار من أهلها بالزواج بمن لا ترغب، وقد تمنع من الزواج حين تتاح لها الفرصة التي تراها مناسبة، لاعتماد أهلها معايير طبقية وأعرافاً اجتماعية، مما يدفع بعض الفتيات للانتحار أو الهروب من بيت الأسرة، أو تعاني من العنوسة طوال حياتها، أو تخوض تجربة زواجية فاشلة، بسبب عدم رغبتها في من زوجت به، أو انشدادها عاطفياً لشخص آخر.
وقد تلجأ بعض الفتيات للمحاكم الشرعية في مقابل سوء ممارسة الولي لولايته عليها، وعضلها عن الزواج، لكنها في الغالب حالات محدودة، حيث تحجم أكثريتهن عن الإقدام على هذه الخطوة، خوفاً من نتائجها، وخضوعاً لسطوة التقاليد والأعراف.
ففي المملكة العربية السعودية شهدت المحاكم الشرعية خلال السنة الماضية 1436ﻫ (701) قضية عضل في شكاوى من فتيات ضد أولياء أمورهن بعد أن رفضوا تزويجهن من أشخاص تقدموا لهن دون وجود مانع شرعي في الرجل[14] .
وذكر تقرير صادر عن وزارة العدل السعودية: أن قضايا عضل الفتيات المنظورة في المحاكم السعودية سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في الربع الأول من العام الحالي 1437ﻫ بواقع فتاتين لكل يوم، وأشار التقرير إلى أن هناك قضايا عديدة لا تصل إلى المحاكم، نظراً للأعراف الاجتماعية المحافظة في السعودية[15] .
إن الفهم الخطأ لحق الوالدين، وانتشار ثقافة السلطة الأبوية المطلقة، ينتج مثل هذه الظواهر السيئة في المجتمع. وحيث تتبناها أوساط من المتدينين في مجتمعاتنا، وتبررها بعناوين ومقولات دينية، فإن ذلك يدفع الأجيال الشابة للنفور من الدين، والنظر إليه كمشرّع لانتهاك حقوق الأفراد ومصادرة حرياتهم وتطلعاتهم.
كما أن ممارسة الوالدين للضغط على الولد في شؤونه الخاصة، وعدم احترام خصوصيته ومصالحه، قد يدفع الولد لعقوق والديه، وهذا ما حذر منه رسول الله حين قال: «رحم الله من أعان ولده على برّه، قيل: كيف يعينه على بره؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به».
إننا مطالبون على مستوى الخطاب الديني بالتأكيد على استقلالية شخصية الفرد، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ليشعر كل فرد بحريته وكرامته في المحيط الاجتماعي، ولتكون العلاقات بين الناس سويّة متوازنة، تقوم على أساس الاحترام المتبادل للحقوق والخصوصيات.
ويجب الانتباه إلى أن الفرد الذي ينشأ مكبوتًا مقموعًا من قبل أسرته وعائلته، يكون مشروعاً لشخصية ضعيفة تفتقد الثقة بالذات، والتطلع للإبداع والإنجاز، وتقبل الخضوع والخنوع لأي سلطة وقوة نافذة.