الحوزة العلمية والانفتاح على الآخر
الخطبة الأولى: الحوزة العلمية والانفتاح على الآخر
ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال: سئل أمير المؤمنين عن أعلم الناس، قال: من جمع علم الناس إلى علمه [1] .
إنّ اطّلاع المرء على ما عند الآخرين من علم، يمنحه فرصة التعرف عليهم وأخذ المفيد منهم. كما يتيح له فرصة المقارنة بين ما لديه وما لدى الآخرين، وهذا ما يمكن أن يزيد ثقته فيما لديه، أو يكشف له عن خلل وخطأ فيه. كما أنّ الاطّلاع على معارف الآخرين يجعل المرء أقدر على الحوار والتعاطي معهم، لعلمه بآرائهم وخلفيتهم الفكرية، من هنا تأتي أهمية الانفتاح العلمي المعرفي، في أيّ علمٍ من العلوم. وضمن هذا السّياق يمكن أن نفهم قول الإمام عليّ: «أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه».
إنّ أحدَ أعظم الأمراض التي يمكن أن تفتك بشخصية أيّ أحد، هو الاصابة بالعجب والغرور بما عنده. فلا يرى داعيًا للاطّلاع على ما عند الآخرين، وهذا خطأ محض. إذ لا بُدّ للمرء في أيّ حقلٍ من حقول العلم والمعرفة، أن يكون مطّلعًا على ما لدى الآخرين في ذات الحقل.
الوسط الديني بين الانفتاح الانغلاق
ينبغي أن نقول هنا: إنّ أيّ مستوى من الانفتاح المعرفي في أيّ مجالٍ من المجالات هو أمر مفيد. لكنه سيكون أكثر فائدة وضرورة في أروقة الحوزات والأوساط الدينية. ذلك أنّ من المظاهر التي تهيمن على الأوساط الدينية إجمالًا، هي حالة الانغلاق على الذات، والنأي عن الاطّلاع على ما لدى الآخرين من أفكار ومعتقدات. وهذه النزعة من الجمود تضرّ بأصحابها ضررًا بالغًا، إذ إنّ الانفتاح على الأديان والمذاهب الأخرى هو الأنفع.
إنّ من المعروف أن الأوساط العلمية كالجامعات والحوزات هي مركز صناعة القيادات في الأمة. كما أنها مركز إنتاج الفكر الديني، وإذا سادت هذه الحوزات والمراكز أجواء الانفتاح والفهم الموضوعي لآراء الآخرين، عندها سترفد الأمة بقيادات أكثر انفتاحًا وتسامحًا، وقابلية للحوار والتفاهم مع الآخر، كما أنها ستنتج فكرًا وثقافة تسامحية مرنة. وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت الحوزة العلمية تعيش حالة من الانكفاء والانغلاق، فمن الطبيعي أن تنعكس تلك الحالة على المتخرجين منها من علماء وخطباء ودعاة، وهؤلاء سيساهمون في نشر الانغلاق والتعصب والجمود.
وبالاطّلاع على سيرة النبي الأكرم والأئمة من آل البيت نلمح في سيرتهم أقصى حالات الانفتاح على الآخرين. وليس خفيًّا أن صاحب العقيدة الواثقة لا يخشى الاطّلاع على الثقافات والأديان الأخرى. في هذا السّياق تجدر الإشارة إلى حجم الانفتاح العلمي والمعرفي الذي لمسته في الحوزة العلمية بمدينة قم المقدسة، فأثناء زيارتي الأخيرة إلى هناك[2] ، وقفت على أجواء ومظاهر رائعة من الانفتاح العلمي المعرفي. هذه الحوزة العلمية التي تأسست في عام 1340 من الهجرة، وهي بهذا المعيار تُعَدّ حوزة ناشئة، أصبحت اليوم صاحبة الريادة باعتبارها أكبر حوزة علمية لمذهب أهل البيت في العالم، تضمّ بين جنباتها أكثر من 60 ألف طالب وطالبة، خصوصًا بعد أن تعرضت الحوزة العلمية في النجف الأشرف لمصاعب جمة في الحقبة الماضية، خلال فترة حكم نظام البعث البائد في العراق.
قم مدينة علمية متميزة
هنا أكاد أجزم، أنه لا توجد مدينة واحدة في العالم، تعيش نشاطًا مكثّفًا وفاعلية علمية يومية في مجال العلوم الدينية، بحجم ما تعيشه مدينة قم المقدسة. فالمدينة الصغيرة نسبيًّا تشكّل في مجملها مدينة علم وبحث ودراسة، ففيها أكثر من 60 جامعة ومدرسة، وتصدر فيها أكثر من 60 جريدة ومجلة يومية وشهرية وفصلية. كما أنّ بها نحو 40 دار نشر للكتب بمختلف اللغات، و15 مؤسسة للدراسات والتحقيق، علاوة على وجود 15 مكتبة عامة كبرى، تشهد نسب ارتياد مرتفعة. ولعلّ أكثر ما يلفت النظر في هذه المدينة هو انتشار المكتبات التخصصية في مجالات العلوم الدينية، التي لم أقف على ما يشببها في أيّ بلاد إسلامية أخرى، من حيث شموليتها. فهناك سبع مكتبات تخصصية في قم، أنشأها مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني، وبينها؛ مكتبة لعلوم القرآن الكريم، مكتبة لعلوم الحديث، مكتبة لعلوم الفقه والأصول والحقوق، مكتبة للأدب، مكتبة للفلسفة، مكتبة للتاريخ، ومكتبة للمصادر والفهرسة.
وقد سنحت لي الفرصة لزيارة المكتبة المتخصصة بعلوم الحديث، التي تضمّ أكثر من نصف مليون مجلد من الكتب التخصصية. وقد وجدت في هذه المكتبة كل كتب الحديث الخاصة بجميع المذاهب والطوائف الإسلامية، موزعة على نحو بالغ التنظيم، فهناك على سبيل المثال قسم مخصّص لمصنف صحيح البخاري بمفرده، بجميع طبعاته المتوفرة منذ طبعاته الأولى وصولًا لطبعاته الجديدة. إضافة إلى جميع شروحات الصحيح وترجماته إلى اللغات الأخرى. كما أنّ هناك في المكتبة زاوية أخرى مشابهة، مخصصة لصحيح مسلم، وثالثة لمسند أحمد بن حنبل. وعلى غرار ذلك يجري الأمر مع كل مصادرالحديث لدى أهل السنة، وكل مصادر الحديث لدى الشيعة، ومثلها مصادر الحديث لدى المذهب الزيدي والإباضي وغيرها.
جامعة الأديان والمذاهب
ولعلّ أكثر ما لفت نظري، هو أنّ من بين عشرات الجامعات والمدارس في قم المقدسة، هناك جامعة متخصصة بعلوم الأديان والمذاهب. هذه الجامعة تأسّست قبل نحو سبع سنوات، وتضم ثلاث كليات: كلية لدراسة الأديان الإبراهيمية، اليهودية والمسيحية، والإسلام، إلى جانب الأديان غير الإبراهيمية كالبوذية والهندوسية والسيخية والكنفوشوسية وغيرها. وكلية خاصة بدراسة المذاهب الإسلامية، الكلامية والفقهية، فيما الكلية الثالثة متخصصة بالمعارف الشيعية. والمثير للانتباه، أن تدريس الأديان في كلّ كلية يجري على يد هيئة تدريس من الديانات ذاتها، فمن يدّرس اليهودية هو باحث يهودي، ومدرس المسيحية مسيحي متخصّص، وهكذا الأمر مع بقية الديانات والمذاهب. والأهمّ في كلّ ذلك هو أن يكون لدى طلاب الحوزة العلمية في قم المقدسة فرصة الاطّلاع العلمي المباشر والوثيق على سائر الأديان والمذاهب، عوضًا عن اللجوء إلى الكتب الوسيطة أو المناوئة التي لا تتيح معرفة صحيحة وموضوعية.
ومع وجود مدرّسين أكفاء ومتخصصين في دراسة الأديان والمذاهب في هذه الجامعة، ووجود مكتبة تخصصية تحتوي أكثر من 100 ألف مجلّد في مجال علم الأديان والمذاهب، توفر هذه الجامعة سلسلة ثرية من الأبحاث والدراسات التخصصية في مجال الأديان والمذاهب، كما أنها توفر بيئة علمية للحوار والتعارف، واستقبال الزيارات والبعثات الدينية من مختلف بلاد العالم، وقد شهدت بنفسي استقبال مكتب المرجع السيستاني وفدًا مسيحيًّا جاء من أوكرانيا، تمّ إطلاعهم على المدارس والحوزات في المدينة إلى جانب عقد جلسات الحوار والنقاش والتعارف.
إنه لأمر جدير بالتأمّل حقًّا، أن تكون قم المقدسة، وهي العاصمة الدينية للمسلمين الشيعة التي تزخر بأعاظم العلماء والمراجع، أن تكون في الوقت عينه مكانًا لدراسة وتدريس عقائد وآراء مختلف الأديان والمذاهب، وعلى يد علماء ومتخصصين من تلك الأديان والمذاهب نفسها، دونما أدنى حرج.
من هنا نجد، كم أنّ المراكز الدينية في بلداننا أحوج ما تكون لتوفير بيئة علمية على غرار مدينة قم المقدسة. ما يجعلها أكثر انفتاحًا على الأديان الأخرى، فضلًا عن فكر وثقافة المذاهب الإسلامية نفسها. إنّ من المؤسف حقًّا، أن نجد البعض يتحدث عن إخوانه من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، كما لو أنه يتحدث عن أناس يعيشون في كوكب المريخ، فلا تكاد تلمس في كلامه أدنى معرفة بحقيقة معتقداتهم وأفكارهم وتوجّهاتهم، والسبب في ذلك، أن أمثال هؤلاء المتحدثين لا يستقون معلوماتهم من مصادرها على نحو مباشر. وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال لانتشار التعصب والتشدد الديني.
كما أننا بحاجة ماسّة إلى تشجيع طلاب العلوم الدينية الوافدين من مختلف المناطق على مدينة قم المقدسة، على الاستفادة من حالة الانفتاح الفكري والديني الموجودة هناك. ومن أسفٍ نقول، إنّه حتى مع وجود هذا الانفتاح العلمي والديني الهائل في هذه المدينة، إلّا أن بعض طلبة العلوم الدينية من أبنائنا الموجودين هناك، غير معنيين بذلك، موثرين العيش ضمن حالة اختيارية من الانغلاق على جماعة محدودة، ربما تكون من أهل بلدهم ومحلّتهم، مفوتين على أنفسهم فرص الاستفادة الكبيرة من الأجواء الفكرية المنفتحة هناك.
الخطبة الثانية: استنفار الأمة ضدّ الإرهاب
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾. [سورة البقرة، الآية: 84].
هناك أمران أساسان أخذ الله سبحانه وتعالى في شأنهما العهود المغلّظة على أتباع الشرائع السّماوية، هما حرمة الدماء وحقّ المواطنة. ووفقًا للتعبير القرآني ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ﴾. ذلك أنّ الله تعالى حين أنزل الشرائع على بني البشر وآمنوا بها، فقد شكلت كلّ شريعة في جوهرها، عهدًا بين هؤلاء المؤمنين وبين خالقهم، حيث يعتبر قبول الأمة بتلك الشريعة إمضاءً فعليًّا على ذلك العهد والميثاق مع ربّهم عزّ وجلّ. وقد ظهر جليًّا أنّ أكثر ما شدّد عليه هذا الميثاق الإلهي، هو حرمة الدماء، أي الحقّ في الحياة، والأمر الآخر هو حقّ المواطنة، الذي يعني حرية الإنسان في الإقامة في وطنه وعلى أرضه.
حرمة الدماء وحقّ المواطنة
إنّ تعمّد الإنسان قتل أخيه الإنسان يمثّل في المفهوم القرآني قتلًا للذات. فقد جاء في الآية الكريمة ﴿لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ مع أنّ الإنسان إجمالًا لا يسفك دمه، ولا يخرج نفسه من دياره. غير أنّ دقة التعبير القرآني جاءت للتوضيح بأن ارتكاب جرائم سفك الدماء بحقّ الآخرين، إنما هو بالدرجة الأساس اعتداءٌ فاضح من الفاعلين على ذواتهم وقتلًا لأنفسهم، لما في سفك الدماء من تشريع ضمني للتناحر الداخلي في المجتمع، علاوة على ما فيه من اعتداء على الناس عامة حسب الآية الكريمة ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾.
ويجري التشديد الرّباني ذاته على حقّ الجميع في التمتع بحقّ المواطنة والحماية من التهجير القسري. ومن المعلوم أنّ حالات النزوح أو التهجير القسري، إنما تنشأ عن الاضطهاد ومصادرة الحقوق، والتضييق على الأرزاق والتهديد بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، ما يقود لنزوح وهجرة الناس عن ديارهم طلبًا للأمن في مناطق أخرى. إنّ التعاليم الإلهية في هذا الصدد تؤكّد بشدة حقّ جميع أبناء الأمة في التمتع بالعيش في أوطانهم، وألّا يتعرّضوا للإخراج من ديارهم.
ولقد أكّدت الشريعة الإسلامية أيّما تأكيد حرمة سفك الدماء في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة. وذلك على ما يبدو ابتغاء إظهار الأمة باعتبارها الأكثر حرصًا والأشدّ حفاظًا على أرواح الناس. فقد جاء في الآية الكريمة ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾[سورة النساء، الآية:93]، وورد عن النبي الأكرم أنه قال: «مَنْ شَرِكَ فِي دَمٍ حَرَامٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» [3] ، وهذا ما يعني بوضوح أنّ أولئك الضالعين في فتاوى القتل وسفك الدماء، ونشر ثقافة التطرف والحضّ على الكراهية، التي تؤسّس الأرضية لسفك الدماء والاعتداء على الحرمات، هؤلاء المفتون جميعًا هم شركاء مباشرون مع القتلة الإرهابيين في سفك دماء المدنيين الأبرياء.
مسرح للقتل
إنّ أشدّ ما يؤسف عليه اليوم هو ما نراه من تحول السّاحة الإسلامية إلى مسرح لسفك الدماء. فقد أصبحت دماء المسلمين رخيصة على بعضهم بعضًا، وسادت بينهم ثقافة مباينة لثقافة القرآن الكريم، ففي حين يقول القرآن ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، يأتي في مقابل ذلك من الدّعاة من يبشرون من ينخدع بهم من الانتحاريين، أنهم فور تفجير أنفسهم سيفتحون أعينهم في أحضان الحور العين في الجنة، وسيتناولون الغذاء مع النبي!. وفي ذلك استغلال لجهل هؤلاء الانتحاريين المراهقين وحماسهم.
هذا ولا ينبغي أن نغفل عن الدور الاستخباري الدولي الذي نجح في التغلغل في المجموعات الإرهابية، وصار يوجّهها للعمل على نشر الفوضى في الأمة. وكان من نتيجة ذلك، ابتلاء الأمة بمجموعات انتحارية، ليس عندها أسهل من سفك الدماء، ونشر الرعب في بلاد المسلمين، حتى بلغ الحال بهم حدّ إدخال البعض في الإسلام من بوابة الإرهاب والتطرف والعنف. لذلك غدت بلاد المسلمين حمّامات دماء، لا يكاد يمرّ يوم إلا وتصمّ الأسماع أنباء الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية، التي تحصد أبناء الأمة في العراق ومصر ولبنان وسوريا وتونس وليبيا والصومال وباكستان وأفغانستان، حتى وصف أحد تقارير منظمة هيومن رايتس واتش العمليات الانتحارية في العراق بأنها عمل من أعمال الإبادة الجماعية.
إعلان حالة طوارئ
من هنا فالأمّة الإسلامية اليوم باتت في أمسّ الحاجة لإعلان حالة طوارئ واستنفار ضد العنف والإرهاب. إنّ من غير الصحيح أبدًا السكوت على ما يجري من فظائع يومية في بلداننا، وإلّا فإن استمر هذا السكوت فسوف يأتي يوم لن يبقى فيه بلد عربي أو مسلم واحد في منأى عن الإرهاب والعنف.
إنّ من أولى الواجبات في هذا المجال، أن يتحمّل علماء الأمة مسؤوليتهم، وأن يقولوا كلمتهم في تحريم الإرهاب والعمليات الانتحارية. في هذا السياق لا بُدّ للعلماء أن يفصحوا عن آرائهم في هذه المسألة، وأن يسمّوا الأشياء بأسمائها، على نحو صريح وواضح دون مداهنة أو مواربة. إنّ من غير الصحيح غضّ الطرف عن أفعال الإرهاب عندما تضرب جهة معينة أو طائفة من الناس، ذلك أنّ أيّ عمل إجرامي يطال أبناء الأمة في بلد، فإنّ تداعياته وآثاره ستطال الجميع.
والأمر الثاني الذي ينبغي الالتفات إليه، هو إشاعة ثقافة العمل السلمي وفتح قنوات الحراك السياسي. إذْ ليس هناك بلد في العالم يخلو من تيارات متنافسة وفئات متنوعة، تعتريها في أحيان كثيرة حالة من الصراع وتضارب المصالح، لكن الآخرين نجحوا في خلق السبل لإدارة صراعاتهم بالطرق السلمية، من خلال الأطُر والقنوات القانونية. وهكذا ينبغي أن يكون الحال في بلاد المسلمين.
أما ثالث الأولويات، فينبغي محاصرة التيارات المتطرفة والتحذير من خطورتها. ذلك أنّ أجيالًا من الشباب باتوا ينخدعون بهذه التيارات الإرهابية، ويقعون فريسة لتظليلاتها.
وأخيرًا، لا بُدّ من تعاون جادّ بين الحكومات على مواجهة الإرهاب. والأهمّ من ذلك الكفّ عن استخدام المجموعات الإرهابية كمخلب قطّ في الصراعات الإقليمية. إنّ توجّه أيّ حكومة إلى تشجيع الإرهاب في بلد آخر، لن يجعلها في منأى عن خطر هذا الإرهاب نفسه، ولن يكون بمقدورها منع امتداداته إلى أراضيها ومواطنيها. لا ينبغي بأيّ حالٍ أن تتورط الحكومات في دعم الجماعات الإرهابية مهما كانت المبررات، ومهما بلغت حدّة صراعها مع نظام البلد الآخر؛ لأنّ ارتدادات ذلك ستعود عليها غالبًا.