الشيخ الصفار يستحضر مفاهيم قرآنية لتأسيس روح إيجابية في مواجهة المشاكل الاجتماعية
أعده: تركي العجياناستحضر سماحة الشيخ حسن الصفار مفاهيم قرآنية من الآيات الكريمة: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لتأسيس روح إيجابية في مواجهة المشاكل الاجتماعية. مؤكداً أن هذه الآيات منهج لكل إنسان، وخاصةً من يعمل في الشأن العام. مضيفاً أن المشاكل الاجتماعية حالة طبيعية ولا يستطيع أحد أن يتخلص منها، وحياة المصلحين والمخلصين خير شاهدٍ على ذلك، والمهم هو أسلوب التعامل معها. واستعرض أسلوبين في ذلك: الرد بالمثل، والتغاضي عن السيئة ومواجهتها بالحسنة. مؤكداً أن الثاني هو المنهج الذي يأمر الله به أولياءه في التعامل مع المشاكل الاجتماعية. جاء ذلك في الخطاب الأسبوعي الذي ألقاء الشيخ الصفار ظهر الجمعة 14 صفر 1426هـ (25 مارس 2005م).
وقال الشيخ الصفار في بداية حديثه: علاقات الإنسان في المجتمع وتعامله مع الناس وتعامل الناس معه يعتبر من أشد الامتحانات التي يواجهها الإنسان في حياته، سواءً على الصعيد الشخصي لمن كان يعيش حياةً شخصيةً متمحضة، أو كان على صعيد الدور الاجتماعي لمن كان يتبنى دوراً اجتماعياً.
وأكد أن حياة الإنسان وإن كان يعيش حياةً شخصيةً محضة لا تخلو حياته من وجود مشاكل بينه وبين المحيط الذي يعيش فيه.
أما إذا كان للإنسان دور اجتماعي فإن أبواب المشاكل تنفتح عليه أكثر من غيره.
وقال في سبب ذلك: لأنه يُلامس شأناً عاماً، فيواجه بذلك آخرين لهم آراء مختلفة، أو توجهاتٍ وأمزجة مغايرة. وأضاف: فلو كان من يعمل في الشأن العام يبقى لحال سبيله لما استحق الثواب والأجر العظيم من قبل الله تعالى.
وأكد الشيخ الصفار أن سبب المشاكل والأخطاء قد يكون بسبب أخطاء الإنسان نفسه، فهو ليس معصوماً حتى تُبرر ساحته بالكامل. كما أن للآخرين دوراً في وجود المشاكل، وإلا كيف نفهم المشاكل في حياة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وقد عصمهم الله تعالى؟
وأكد أن المشاكل الاجتماعية حالة طبيعية، وقد ورد في حديثٍ، مضمونه: «لو كان مؤمن على قمة جبل لبعث الله إليه من يؤذيه حتى يثيبه على ذلك». وجاء عن رسول الله : «إن المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضله».
واستحضر الشيخ الصفار من الآيات الكريمة: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (فصلت، 34 – 36) مفاهيم قرآنية لتأسيس روح إيجابية في مواجهة المشاكل الاجتماعية.
وقال: هذه الآيات تخاطب رسول الله ، وهي منهج لكل إنسان، وخاصةً من يعمل في الشأن العام.
وبما أن الإنسان يعيش ضمن مجتمع فقد يواجه سيئاتٍ من الآخرين، وهي حالة طبيعية ولا يستطيع أحد أن يتخلص من ذلك. وحياة المصلحين والمخلصين خير شاهدٍ على ذلك. والمهم هو أسلوب التعامل مع هذه الأخطاء والمشاكل.
وطرح تفسيرين لقوله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾:
الأول: أن الحسنة أفضل من السيئة، فينبغي التعامل بالحسنة لأنها لا تُقاس بالسيئة.
الثاني: أن الحسنة ليست في مستوىً واحد، وإنما هناك تفاضل في الأعمال الحسنة، فهناك الحسن والأحسن. وعلى الإنسان أن يسلك الطريق الأحسن دائماً، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وأضاف: إذا واجهتك سيئة من الآخرين، فأمامك منهجان:
الأول: الرد بالمثل، وهذا حقٌ مشروع: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (الشورى،41)، ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة، 194).
الثاني: التغاضي عن السيئة، ومواجهتها بالحسنة.
وقال الشيخ الصفار في الفرق بين المنهجين: إن الله تعالى يأمر أنبياءه وأولياءه والصالحين بأن يختاروا المنهج الثاني ولا يندفعوا باتجاه الانتقام، والسبب في ذلك:
أولاً- يفترض في العامل أنه ينطلق من القيم والمبادئ والأخلاق، وعليه أن يتمسك بها.
ثانياً- إذا استخدم العامل أسلوب الرد بالمثل، فإن ردود الفعل ستكون سلبية.
وأضاف: إن استخدام الأسلوب الثاني يجعل المحايدين في صف العاملين في الشأن العام، وأكثر من ذلك قد يتحول من هم في الضد إلى التأييد، ولذلك يقول تعالى: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، وأشار أن لفظة ﴿كَأَنَّهُ﴾ تؤكد أن المسالة ليست دائمة، وإنما في الغالب يضطر الطرف الآخر أن يتظاهر بالمودة والألفة، وإن لم يكن من أعماق قلبه، إلا أن الواقع الخارجي يفرض عليه ذلك.
وأكد الشيخ الصفار أن هذه المهمة ليست بسيطة، ولذلك: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾. والحظ العظيم من كل شيء: الوعي، الأخلاق، الفضائل.
وحول قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾، قال الشيخ الصفار: النـزغ بمعنى أي الخز، بمعنى: ملامسة الجسد مفاجئة بشكل حاد، وهذا ينطبق على وساوس الشيطان، أو حتى بعض تصرفات الآخرين. والتصرف السليم في مقابل هذه الحالة: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وختم الشيخ الصفار كلمته بالتأكيد على أن هذه الآيات الكريمة تؤسس للمنهج الذي يأمر الله به أولياءه في التعامل مع المشاكل الاجتماعية، وهكذا كانت سيرة الأنبياء والأئمة، وقد ضرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نموذجاً رائدا ًفي هذا الجانب، حيث واجه الكثير والعديد من المشاكل المتعمدة من قبل الأعداء المخالفين. وهكذا كان بقية الأئمة (عليهم السلام) وكذلك تلامذتهم المخلصون.