المجلة الثقافية تنشر مقالاً للدبيسي عن الشيخ الصفار
نشرت المجلة الثقافية الأسبوعية التي تصدر عن صحيفة الجزيرة السعودية كل يوم اثنين مقالاً عن سماحة الشيخ حسن الصفار للأستاذ / محمد الدبيسي في عددها الصادر رقم 99 بتاريخ 18 صفر 1426هـ الموافق 28 مارس 2005م بعنوان: حسن الصفار ..؟وفيما يلي نص المقال:
... ويندلق الحديث من (الشيخ) بلزمة
لفظية ذات سمت دقيق.. في إشباع للحرف المنطوق وإخراج للحروف من مخارجها الصوتية..
بدقة أزعم أنها باتت سمة في حديثه..
كما هي دقته في إبراز مفاهيم ثقافته
(الإسلامية).. التي توالت عبر كتبه ومقالاته وأطروحاته الفكرية.. في بُعدها العام..
** وفي الكاريزما الشخصية.. ما يطرح إشارة إلى تنوُّع ما..
فالشيخ (المُعمم).. بضم الميم وفتح العين..
يرتدي عباءة شفافة.. لينم ما تحت العمامة والعباءة.. عن انفتاح فكر وشفافية روح.. وليقضي لسانه بكل تبعات رمزية الرداء.. ودلالاته.. على الالتزام بالموقف.. والانطلاق منه.. استيجاداً لصيغة التقارب.. وفواصل الالتقاء..!
في (مكاشفاته) الشهيرة.. كان الشيخ..
لبقاً.. عمومياً.. وصادقاً في عرض ما نتفق عليه.. مكرساً لصيغة التقارب ذاتها.. ملمحاً على اشتراكنا في دائرة الوطن .. (دائرة).. لا يكسر طوقها المتين.. ولُحمة انشدادنا إليها.. بعض ما نختلف فيه من تفريعات..
وبعض ما لا يلزم أن نكون فيه (سواءً)..!
كما لا يضيرنا (الاختلاف) في الاتجاه الذهبي..؟
** حتى وإن استوى في وجه من وجوهه.. علامة للقطيعة..؟
في وقت بات ملحاً بدوره على ضرورة
البحث عما يعزز علاقة المواطنة
والتآلف.. والاختلاف.. في إطار (الائتلاف)
(اختلاف).. حاول الشيخ الالتزام
بحيويته ومنهجيته نشداناً لمكاشفة..
تزيل الالتباس.. ولا تنطوي على
توفيقية مفتعلة.. أو مراعاة لعواطف انفعالية آنية..!
ولا يضيره.. أن تكون مرجعيته
في إسناداتها النظرية.. ملزمة.. (بذكر الأسماء)
التي لا تزال تثير شهية المتربصين بالإيقاعات..
والمناوئين للاختلاف والنازعين
إلى الخصومة والعداء.. والتعاطي الإلغائي..!
** (فالمكاسب) لمرتضى الأنصاري..
و(شرائع الإسلام) للحلي.. ومفردات البرنامج
التعليمي لحوزة النجف الأشرف..
لا تلزم موقف (الشيخ) بمنطوقها المعياري أو مرجعياتها
الفكرية.. أو هكذا أراد أن يسوق رؤاه حولها.. دون أن يتقوقع في ظلال دلالتها..؟
ولكن بفهمه لها.. واختياره منها.. لأنه
يقدم في إحدى أطروحاته منهجاً
للتلقي والقراءة والاجتهاد مفاده:
** (أن الخطاب الديني قابل للنقد والتقويم، لأنه كسب بشري
ونتاج إنساني.. والخطاب الديني
هو ما يستنبطه الفقيه والعالم والمفكر من النص الديني، أو من مصادر الاجتهاد والاستنباط المعتمدة
ويتمثَّل الخطاب الديني، في فتاوى
الفقهاء، وكتابات العلماء..
وأحاديث الخطباء وإثراء ومواقف
القيادات والجهات الدينية، وهنا
لا قداسة ولا عصمة في الاجتهاد..
قد يصيب وقد يخطئ والمجتهد يعبِّر عن مقدار فهمه وإدراكه، كما وقد يتأثر بمختلف
العوامل النفسية والاجتماعية
التي تنعكس على آرائه وتصوراته..)
** برؤية كهذه.. يعنوِّن الشيخ (حسن الصفار) طرحه ب(البحث عن الإنسانية
بين النصّ والخطاب الديني).. وينشره في مطبوعة وطنية رؤية أزعم أنها تتلمَّس أدبيات معرفية في المعالجة.. وسمو فهم
للمُشكِل المختلف حوله.. في ضبط معطيات الاختلاف
ومصطلحاته وترتيب مصادر التلقي.. ونزوعه إلى مد المشهد الذي يلمنا جميعاً بأواصر تقوي من فعالية الجدال
وقبول المخالفين.. وتعدد زوايا النظر.. واحتواء الرأي الآخر..!
وتخليص الخطاب من زاوية الجدوى الشخصية.. إلى دائرة النفع العام..
وفي الرمزية الاعتبارية للشيخ الفاضل ما يعزز مكانته.. ويمنحه تمثُّل دور المعادل الحواري بيننا منافذ الحوار بيننا.. اعتصاماً بالمشترك الأسمى الذي يجمعنا (الدين) والعصب الأقوى الذي يوحِّدنا (الوطن)..
** والشيخ.. بذلك الفهم الراقي لمنهجية الحوار وأدبياته..
إنما يقرب حقيقته موقفه.. النابع من وعي
بمفهوم مشتركنا العظيم (الوطن)..
وأكرر التأكيد على هذا المشترك. لأنه ومهما حاولنا.. استباق.. نتائج (الحوار).. أو الالتفاف على عناصر للتقارب والاستيعاب
** فنحن أمام تركة ثقيلة للقطيعة والخلاف..؟
تحتاج جهداً ووقتاً لتفكيك (مفاصلها) المتجذِّرة في الذهن والوجدان..!
على أن الأولوية تفترض ووفقاً للرؤية الموضوعية.. أن يكون القاسم.. الأبرز في اتفاقنا.. هو (الوطن) الذي لن يفرق المكائد ساعة وقوعها بيننا في إطاره..
عندما تمس جلالة الرفيع.. ولن يفرق (الضالون) بين سحناتنا
وعقائدنا.. عندما يحاولون جرح وقاره في قلوبنا.. (حسن الصفار).. بات ضرورياً يا سيدي أن نراكم تسديد مناطق التمائنا.. وأن توالي تكريس احترامنا الأخلاقي للمواقف والمفاهيم.. شرط ألا نناوئ بعضنا ذات المنطق
في التعبئة الضدية.. المتخمة بحججها الإحراجية..؟؟
** أتصوّر أن أطروحات سماحة
السيدين (محمد باقر الصدر)، و(محمد حسين فضل الله).. و(جواد مغنية).. تنوس
مرتكزات إنسانيتنا.. وتؤصِّل معنى
الفهم الواعي المنهجي.. والواضح المقنع
في إدراك بُعد الاختلاف بين مواقفنا.. فيما لا يضيرنا الاختلاف فيه.. وهي تنسج رؤى الاجتهاد.. والمعالجات (الفكرية الإسلامية) من نبعها الصافي.. ونبراسها
الوهّاج.. بما يعزز فضيلة التقارب
والتّلاقي والوحدة.. والائتلاف..
وأنت خير من يعي ويدرك محركات
ذلك الوعي.. الذي جسّده أولئك..
في البُعد عن المناطق الجارحة في جسد فهمنا .. ومشاعرنا.. إلى المناطق الفكرية.. التي لا ترفض جيناتنا مكوناتها.. وتتشرَّب إفراز خلاياها..، سعة في الأفق..
ونبلاً في الاختلاف.. إذا ما قررنا بدءاً...
أننا إخوة في الإسلام.. وشركاء في الوطن..!