العائلة مدرسة الاحترام والإكرام
ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أنه قال: (وَ لَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ) [1] .
لا يُقصّر الإنسان عادة في الإنفاق من ماله وجهده على عياله، بل يعطيهم الأولوية في ذلك على كلّ أحد.
لكنّ البعض قد يعطي الأولوية للآخرين في حسن الخلق والتعامل، أما أفراد عائلته فلا يهتم كثيرًا بإبداء الاحترام والإكرام لهم؛ لأنّ له الميانة عليهم، ولأنّ علاقتهم به مضمونة، كما لا يخشى ردود فعل منهم.
لذلك لهم الأولوية في الإنفاق المالي والجانب الخدماتي، ولغيرهم الأولوية في إسباغ الاحترام والإكرام، وهذا تصور خطأ ونهج غير سليم.
التكليف الشرعي
وقد يتجاوز البعض الحدود، فيتعامل مع أفراد عائلته بأسلوب مسيء، كالإهانة والتعنيف، وهذا ما يدخل في دائرة المعصية لله تعالى، ومخالفة التعاليم الشرعية.
فكما أوجب الله تعالى الإنفاق على الأسرة، أوجب حسن المعاشرة لها، ونهى عن أيّ إساءة لأيّ فردٍ من أفرادها، زوجًا أو زوجةً، أو أولادًا.
حيث تؤكّد عدة آيات في القرآن الكريم التعامل بالمعروف في الحياة الزوجية، كقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[سورة النساء، الآية: 19]. وقوله تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[سورة البقرة، الآية: 231].
والمعاشرة بالمعروف تعني المعاملة بأسلوب لائق منسجم مع تعاليم الشرع، وأعراف المجتمع.
وقد ورد عن رسول الله أنه قال: (فاستوصوا بالنساء خيرًا) [2] .
وعنه أنه قال بعد دفن الصحابي الجليل سعد بن معاذ: (إنّ سعدًا قد أصابته ضمّة، ... إنه كان في خلقه مع أهله سوء) [3] .
وروي عنه أنه قال: (من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذيًا ظالمًا) [4] .
وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين قال: (وأما حقّ الزوجة فأن تعلم أن الله عزّ وجلّ جعلها لك سكنًا وأنسًا فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها) [5] .
وعن الإمام محمد الباقر (لا شفيع أنجح للمرأة عند ربها من رضا زوجها) [6] .
وعن الإمام الكاظم : (إنّ الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيءٍ كغضبه للنساء والصبيان) [7] .
كسب الأجر والثواب
إذا كان المسلم حريصًا على كسب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، بأداء العبادات وإعطاء الصدقات، وسائر أعمال الخير، فعليه أن يعلم أنّ حسن تعامله مع أفراد أسرته، وتقديم الاحترام والإكرام لهم، هو من أعظم موجبات رضا الله سبحانه، ونيل رحمته وثوابه، وهو مقياس صلاح الإنسان وخيريته، هذا ما تؤكّد عليه النصوص الدينية، كقوله : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) [] .
وعنه : (جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا) [9] .
وعن الإمام زين العابدين : (أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله) [10] .
وعن الإمام الباقر: (رحم الله عبدًا أحسن فيما بينه وبين زوجته) [11] .
وروى الإمام الصادق أنه: (جاء رجل إلى رسول الله فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهمومًا قالت: ما يهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همًّا، فقال رسول الله : بشِّرها بالجنة) [12] .
تعزيز الثقة وإشباع العواطف
ومن أهمّ آثار الاحترام المتبادل داخل العائلة، أنه يعزّز الثقة في نفوس أفرادها، ويحقّق لهم الإشباع العاطفي، فالولد المحترم ضمن أسرته، يعيش الثقة والاستقرار النفسي، بينما إذا تعرّض للإهانة والإذلال، تنكسر شخصيته وتهتزّ ثقته بذاته، وكذلك الحال فإنّ الفتاة التي يغمرها أهلها بعواطف المحبّة والتقدير، تكون قوية الشخصية، قويمة السلوك، بخلاف إذا كانت تعاني قسوة التعامل وجفاف العواطف ضمن عائلتها، فإنها قد تكون فريسة سهلة لمن يتلاعب بمشاعرها وعواطفها من خارج المنزل. وهذا ما تؤكّده التقارير التي تتحدث عن هروب الفتيات من أسرهنّ، أو وقوع بعض النساء المتزوجات في علاقات غير مشروعة، حيث تشير إلى أنّ الجوع العاطفي، وسوء التعامل، هو سبب رئيس لنسبة كبيرة من الحوادث المرصودة.
إنّ تبادل الاحترام والتقدير داخل العائلة، يرفع درجة التماسك والانتماء العائلي، وينعكس إيجابيًّا على نفوس أفراد العائلة وسلوكهم وإنتاجهم في مختلف المجالات.
ورد عن الإمام زين العابدين: (القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق وينسي في الأجل، ويحبّب إلى الأهل، ويدخل الجنة) [13] .
وعن الإمام الصادق : (من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره) [14] .
وقد أشارت النصوص الدينية إلى بعض مظاهر ومفردات الاحترام والاكرام بين أفراد العائلة، كالتوجيه إلى إلقاء التحية والسلام عند دخول المنزل، حيث ورد عنه أنه قال: (إذا دخل أحدكم بيته فليسلّم) [15] .
وكإبداء الرجل حبّه لزوجته، كما روي عنه أنه قال: (قول الرجل للمرأة: إني أحبّك، لا يذهب من قلبها أبدًا) [16] .
أمّا الاهتمام بمشاعر الأطفال وإكرامهم، فقد وردت فيه نصوص كثيرة، منها قوله : (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم) [17] .
وعنه : (من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة) [18] .
وعنه : (ويسمى بأحسن الأسماء ويكنّيه بأحسن الكنى) [19] .
وعن الإمام موسى الكاظم : (إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم) [20] .
التربية على الاحترام
حين يعيش الإنسان في عائلته أجواء الاحترام المتبادل، يحترمه أفراد العائلة، وهو يحترمهم، فإنّ ذلك يكرّس هذا السّلوك في تعامله مع الآخرين خارج العائلة، فيحترم الناس، ولا يرضى لنفسه الإهانة والتحقير من أحد.
وتثبت الملاحظة أنّ الأطفال الذين تجري على ألسنتهم ألفاظ بذيئة تجاه الآخرين، قد اكتسبوا هذا الأسلوب مما يسمعونه داخل عوائلهم. فما يتكرر على مسامع الزوج أو الزوجة، أو الأولاد في المنزل، يصبح مقبولًا في نفوسهم، ويعتادون على استخدامه في المنزل أولًا، ثم يتجرأون على ممارسته خارجه.
كما أنّ تلقي الفرد للإهانة والتحقير من القريبين منه، والفته لذلك، تنزع من نفسه التحسّس لتعامل الإهانة والإذلال من قبل البعيدين؛ لأنه أَلِفَ هذا الأسلوب وتعايش معه.
ولعلّ ما روي عن رسول الله أنه قال: (أذلّ الناس من أهان الناس) [21] ، يشير إلى هذه الحقيقة، فالذليل داخل نفسه، لا يرى قبحًا في توجيه الإهانة للآخرين.
كما يلمح الإمام الحسين إلى أنّ من عوامل رفضه لقبول المذلة، نشأته في أسرة طيّبة، غرست في نفسه العزّة والكرامة، حيث قال: (هيهات منا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)[22] .