احترام الناس
ورد عن رسول الله أنه قال: (بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وَعِرْضُهُ)[1] .
لا شيء يُسعد الإنسان كشعوره باهتمام الآخرين به، فذلك ما يعزّز ثقته بنفسه، ورضاه عن ذاته، ويشدّه إلى الآخرين.
إنّ فرح الإنسان باحترام الآخرين له أكثر من فرحه بعطاياهم المادية، وما نراه من ارتياح الطفل حين تحتضنه أمّه، أو يقبّله أبوه، أو يضاحكه أحد، هو تعبير عن هذه الحاجة العاطفية التي تواكب الإنسان طوال حياته، وإن تغيّرت مظاهرها وصور متطلباتها.
ومن العادات الجديدة الحسنة حفلات التكريم للمبدعين والمتميزين، التي تترك أثرًا كبيرًا في نفوسهم، وتثري مشاعرهم وأحاسيسهم، وتحفّز الآخرين للإبداع والتفوق حتى يحظوا بتكريم مماثل.
وكذلك أعياد الميلاد العائلية التي تمنح الفرصة للعائلة لإبداء الحبّ والاهتمام بكلّ فردٍ من أفرادها بمناسبة عيد ميلاده.
ويؤكّد الإسلام أهمية احترام الآخرين، وإبداء التقدير لهم، وإظهار الاهتمام بهم، فكلّ فردٍ من البشر هو مخلوق لله، وهو محلّ تكريمه، حيث يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ ولا يحقّ لك أن تهين مَنْ كرّمه الله، وفي حديث عن النبي يعبّر فيه عن الناس بأنهم (عيال الله)، ومن الطبيعي ألّا يرضى الله بإهانة أحدٍ من عياله.
مظاهر الاحترام
وفد اهتمت التعاليم الدينية بالتأكيد على مفردات سلوكية لتبادل الاحترام بين الناس وفي طليعتها إلقاء التحية والسلام، حيث ينبغي للإنسان حين يقابل أحدًا أن يبدأه بالسلام، ويبادر بإلقاء التحية عليه، حتى وإن كان صغيرًا، فقد كان رسول الله ملتزمًا السلام على الصبيان، وقال : (خمس لا أدعهنّ حتى الممات: ... التسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي) [2] .
وعنه : (إنّ أبخل الناس من بخل بالسلام) [3] .
عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنّ أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام) [4] .
وإذا كان الابتداء بالسلام مستحبًّا فإنّ ردّ السلام والتحية واجب، ولا يجوز لك تجاهل من يلقي عليك السلام ويحييك، بل عليك أن تشكر له تحيته، وتردّ سلامه، بترحيب أفضل وأجمل، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾.
وعنه : (السلام تطوع والردّ فريضة) [5] .
وعن علي : (السلام سبعون حسنة تسع وستّون للمبتدئ وواحدة للرادّ) [6] .
بل لو كان الانسان منشغلًا بأداء الصلاة، فإنّ ذلك لا يعفيه من واجب ردّ السلام، فيجب ردّ السلام، بنفس الصيغة، ويأثم المصلي إذا لم يفعل ذلك.
البشاشة وحسن الاستقبال:
حين يستقبلك إنسان بوجه طلق منشرح، ويقابلك بالبشاشة والترحيب، فإنّ ذلك يبعث البهجة والسرور في نفسك، ويشجّعك على التفاعل معه، وطرح ما لديك من أمور عليه، أما إذا استقبلك بوجه منقبض مكفهر، فإنك لن ترتاح ولن تتفاءل بلقائه.
إنّ حسن الاستقبال هو مؤشّر الاحترام والتقدير، وهو ما يصنع أرضية العلاقة السلمية والتعامل الإيجابي بين الناس، بينما يوحي الفتور والجفاف بعدم الاهتمام بالطرف الآخر، وضعف الرغبة في التواصل معه. لذلك ركزت التعاليم الدينية على هذا الجانب، حيث ورد عن رسول الله أنه قال: (اِلق أخاك بوجهٍ منبسط) [7] .
وعنه: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر) [8] .
وجاء عن علي : (الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ) [9] .
وقال: (بِشْرُكَ يدلّ على كرم نفسك)[10] .
وتتأكّد أهمية حسن الاستقبال بالنسبة لمن هم في موقع التصدّي لحاجات الناس ومشاكلهم، فإنّ من يقصدهم يكون تحت ضغط حاجته ومشكلته، وحين يُستقبل بفتور ولا مبالاة، فإنّ ذلك يضاعف عليه الضغوط، ويملأ نفسه بالتشاؤم والانزعاج.
فالطبيب حين يستقبل مريضه، بصدر رحب، وطلاقة وجه، فإنّ ذلك يرفع معنويات المريض، ويجعله أكثر تجاوبًا مع برنامج العلاج، بعكس ما إذا كان الطبيب جافًّا فاترًا في استقباله للمريض.
وكذلك الموظف حين يستقبل المراجعين، فإنّ لطريقة استقباله أثرًا كبيرًا على نفوسهم، وينطبق ذات الأمر على علماء الدين الذين يجب أن يتحلّوا بأعلى قدرٍ من الأخلاق السامية في استقبال الناس، والتواضع لهم، ليجذبوا الناس إلى الدين بأخلاقهم، وليكونوا قدوة بسلوكهم.
ونشير أخيرًا إلى أهمية حسن الاستقبال للفقراء والمحتاجين، من قبل مسؤولي الجمعيات الخيرية، أو مكاتب العلماء، أو ذوي الخير من المحسنين، فإنّ الحاجة تُشعر صاحبها بالضعف، والسؤال فيه نوع من المذلّة، لكن حسن الاستقبال هو الذي يخفف الوطأة على الفقير والمحتاج، لذلك فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ أي لا تزجره ولا ترفع صوتك عليه.
إنّ مراعاة مشاعر الفقراء والمحتاجين عندما يعرضون حاجتهم، أهمّ من إعطائهم المساعدة والدعم، وإذا رافق العطاء لهم شيء من الاهانة أو الجرح للمشاعر، فلا قيمة لذلك العطاء عند الله تعالى.
يقول تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ فالاعتذار للفقير عن المسااعدة بكلمة طيبة توحي بالاحترام والتقدير، خير من مساعدة يرافقها جرح لمشاعر الفقير وامتهان كرامته.
إظهار الاهتمام
حين يدخل المجلس شخص، فإنّ على الجالسين أن يظهروا الاهتمام به، فيفسحوا له في المكان، ويبدوا له التقدير، ولو بأقلّ حركة للاحتفاء به.
قال الصحابي الجليل سلمان الفارسي: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متكئ على وسادة فألقاها إليَّ، ثم قال: يا سلمان! ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكرامًا له إلّا غفر الله له) [11] .
وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته[12] .
وكان إذا جلس إليه أحد تزحزح له شيئًا، وذات مرة قال له رجل: يا رسول الله، في المكان سعة، فقال: «نعم، لكن من حقّ المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس أن يتزحزح له»[13] .
هكذا يربينا الإسلام ويعلمنا على إبداء الاحترام والإكرام لكلّ الناس، وبذلك ننال رضا الله سبحانه، وننعم بعلاقات طيبة في محيطنا الاجتماعي.