تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[سورة آل عمران، الآية: 195]
ظلّت النظرة الدونية للمرأة سائدة على مدى عهود طويلة، إلى أن جاء الإسلام ليحارب هذا السلوك العنصري تجاهها. فقد ظهر الإسلام في ذروة التمييز وتفشّي النظرة الدونية للمرأة، وهيمنة الثقافة القائمة على تفضيل الرجل عليها، واعتبارها في مرتبة أدنى من الرجل من حيث القيمة والاعتبار. وقد تكرّست هذه النظرة انطلاقًا من هيمنة الرجل واستمرار خضوع المرأة له؛ نظرًا لحاجتها لحمايته ورعايته. فجاء الإسلام لينسف هذه الثقافة البالية، ويزرع مكانها ثقافة المساواة والتكافؤ بين الجنسين لجهة القيمة والاعتبار.
إنّ تمايز دور المرأة عن دور الرجل في الحياة العائلية ينبغي ألّا يترتب عليه تمايز في القيمة والاعتبار. إذ من الصحيح أنّ هناك اختلافًا تكوينيًّا وبيلوجيًّا بين جسم الذكر وجسم الأنثى، ما يعني وجود تمايز في الوظيفة والدور لكلّ منهما، حيث يُحدّد التكوين الجسدي للمرأة دورها الحيوي في التناسل البشري، من خلال الحمل والرضاعة، ورعاية الطفل، خاصة في المراحل الأولى من حياته، غير أنّ جميع ذلك ينبغي ألّا يترتب عليه تمايز في القيمة والاعتبار، على نحوٍ يجعل من قيمة الرجل، بما هو رجل، أعلى مرتبة من قيمة المرأة، بما هي امرأة، ليكون حينئذٍ كلّ رجلٍ هو أفضل من كلّ امرأة.
جاء الإسلام ليقرّر على نحوٍ حاسم، بأنّ ليس هناك تفاضل بين الرجل والمرأة لجهة القيمة الإنسانية. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، وسعيًا نحو تركيز حقيقة المساواة والتكافؤ بين الجنسين أورد القرآن الكريم العديد من الآيات التي خاطبت الذكر والأنثى على قدم المساوة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾، وجاء في آية أخرى قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وورد في آية ثالثة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وعلى هذا النحو تكرّرت مخاطبة الذكر والأنثى على السّواء في العديد من الآيات القرآنية، كلّ ذلك في سبيل تعزيز المساواة بين الذكر والأنثى في مجتمع ظلّ طويلًا معتقدًا بتميز الرجل على المرأة، بل إنّ الواحد منهم كان يستأنف من أن يذكر إلى جانب المرأة. وقد استمرّت هذه الحالة إلى أوقات قريبة حين كان البعض يُردّد عبارة: "أجلّكم الله أو أكرمكم الله" كلما جاء على ذكر المرأة في حديثه، الأمر الذي يشير إلى الشعور الداخلي والتصور المسبق على اعتبار الرجل أفضل من المرأة، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
معايير التفاضل
إنّ القرآن يشير إلى أنّ الرجل والمرأة كفرسيِّ رهان في السباق نحو مكارم الأخلاق. فالأنوثة لا تعني الدونية بأيّ حالٍ من الأحوال، كما لا تعني الرجولة التميز والتفوق، وإنّما تتحدّد معايير التميز والتفوق في أمور ثلاثة؛ يأتي في طليعتها التحلّي بالتقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وبذلك لا يكون الرجل غير التقيّ أفضل من المرأة التقية، لمجرّد كونه رجلًا، ويأتي العلم باعتباره المعيار الآخر للتميز بين الناس رجالاً ونساءً، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، وجاء في آية أخرى قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وورد عن النبي أنه قال: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علمًا، وأقل الناس قيمة أقلهم علماً"[1] ، فإذا توفرت امرأة على العلم في أيّ مجالٍ من المجالات، وإلى جانبها رجل لا يمتلك علماً، فهل يستقيم القول بأنّ ذلك الرجل الجاهل، أفضل من تلك المرأة العالمة؟ كلّا.
أمّا المعيار الثالث للتميز فهو العمل الصالح، فمتى كان للمرأة رصيد وافر من العمل الصالح، قياسًا على رجل لا يملك مثل ذلك الرصيد، فليس من المعقول أن يكون أفضل منها لمجرّد كونه رجلًا، قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾، وجاء في آية أخرى قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾. وبذلك يكون المعوّل في التفاضل بين الرجل والمرأة قائمًا على هذه المعايير الثلاثة؛ التقوى، العلم، العمل الصالح، فمن كان أكثر التزامًا بها فهو الأفضل، سواء كان رجلًا أم امرأة.
أهلية المرأة للتفوق
لقد أثبت التطور البشري في هذه العصور أنّ حجر الزاوية في مسألة تفوق المرأة أو الرجل يعود إلى مدى الفرص المتاحة أمام كلٍّ منهما. وذلك بخلاف النظرة السائدة على مدى حقب طويلة، التي اعتمدت على القوة الجسدية باعتبارها المعيار الأساس للمفاضلة بين الرجل والمرأة. وبما أنّ كفّة القوة الجسدية تميل لصالح الرجل، وهو المتصدّي للمشاركة في الحروب والمعارك، فقد اعتبر ذلك سببًا كافيًا لبسط هيمنته على المرأة، وكانت له السيادة المطلقة عليها. ويعود السبب الأساس إلى فتح المجال واسعًا أمام الرجل حصرًا على حساب المرأة، ونيله نصيب الأسد من الفرص المتاحة، في مقابل انعدام الفرص أمام المرأة، ما جعل الرجل يبدو في وضع أكثر كفاءةً وتفوقًا عبر التاريخ.
ولعلّ حالة المرأة تشبه إلى حدٍّ كبير حالة المجتمعات والشعوب التي لا يحظى أبناؤها بفرص متساوية. فالمجتمعات التي تحظى بفرص أكبر، تزداد في أوساطها الكفاءات في مختلف المجالات، فيما تتضاءل الكفاءات طرديًّا في المجتمعات المضطهدة، حيث لا يحظى أبناؤها بفرص متكافئة مع غيرهم. وبذلك لا يعود سبب تضاؤل الكفاءات في المجتمعات المضّطهدة إلى ضعف القابلية عند أبنائها، بقدر ما يعود إلى انعدام مبدأ تكافؤ الفرص أمام الطرفين.
وكذلك الحال بين الرجل المرأة، فقد سادت عبر التاريخ البشري المعادلة التي تتيح للرجل الهيمنة، وتفتح أمامه كلّ الفرص، في مقابل انسداد الأفق أمام المرأة، لذلك لم يتسنَّ للمرأة إبراز قدراتها وكفاءاتها، فبدا أنّ الرجل أكثر قدرة وأكثر تأهيلًا، حتى اعتقد البعض أنّ عقل الرجل أكبر من عقل المرأة تكوينًا، وأنّ كفاءته الذهنية تفوق المرأة، وقدراته العامة في القيادة والإدارة تتجاوز قدرات المرأة.
غير أنّ جميع ذلك قد تغيّر مع التطورات البشرية والتقدم الهائل على كلّ الصُّعد، الذي أتاح للمرأة فرصًا متساوية مع الرجل، ليتبيّن أنّ كلّ تلك المقولات عن قصور المرأة العقلي والذهني والنفسي لا أساس لها، حيث باتت المرأة تنافس الرجل في المضمار العلمي على مستوى الأبحاث والاكتشافات وسائر المجالات، ما يعني أنّ المرأة لا ينقصها شيء لجهة النبوغ العلمي والقابلية المعرفية. وقد أثبتت الأبحاث العلمية في قياس الذكاء البشري عدم وجود قابلية متميزة لدى الرجل تفوق ما عند المرأة في مجال العلم والمعرفة. وغاية ما توصلت إليه الأبحاث أنّ الرجل قد يتفوق على المرأة في بعض الجوانب، لكنها في الوقت عينه قد تتفوق عليه في جوانب أخرى. وإجمالًا، ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأنّ قابلية المرأة أدنى من قابلية الرجل في تلقّي العلم والمعرفة، كما في سائر المجالات.
المرأة ومؤهّلات القيادة
وعلى هذا النحو، كان مجال القيادة والإدارة حكرًا على الرجل في أغلب فترات التاريخ، غير أنّ التطور البشري وتبلور الحسّ الإنساني في المجتمعات، دفع إلى فتح المجال أمام المرأة، ما جعلها تنافس الرجل في المواقع القيادية، فهناك اليوم تسع عشرة سيّدة يشغلن مناصب رئاسة الحكومة في العالم، ومن بينها دولة مهمّة، هي ألمانيا التي ترأس حكومتها المستشارة انغيلا ميركل، وكذلك الحال في الأرجنتين والبرازيل، وتقلّدت بعض النساء أعلى المناصب العسكرية في بلدانهنّ، سيّما وأنّ العمل في هذا المجال لم يعد مرتبطًا بالقوة العضلية، بقدر ما بات مرتبطًا بالقدرات العلمية والتكنولوجية، والكفاءة في التعامل مع الأجهزة والمعدات، ووسائل الاتصال والمعلومات، فبات هناك خمس نساء يتقلدن مناصب وزارة الدفاع في ألمانيا وإيطاليا والسويد والنرويج وهولندا.
علاوة على ذلك، هنالك اليوم امرأتان مرشّحتان لتولّي أعلى المناصب القيادية في العالم، فهناك هيلاري كلينتون المرشّحة لمنصب رئيس الدولة الأعظم في العالم؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك امرأة أخرى بلغارية مرشّحة لتولي منصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بعد انتهاء فترة رئاسة الأمين العام الحالي بان كي مون. وبذلك أثبتت المرأة أنّ قدراتها لا تقلّ عن الرجل متى ما أتيحت لها الفرصة كاملة، على خلاف ما كان سائدًا في الماضي.
وقد احتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي للمرأة، المصادف ليوم الثامن من شهر مارس من كلّ عام. الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 1977، ودرجت العادة أن يجري خلال الاحتفالات بهذا اليوم، التأكيد على أفكار المساواة، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، وإعادة الاعتبار لدور المرأة في المجتمعات التي ما تزال تنتقص من ذلك الدور.
حرمان المرأة باسم الدين
إنّ من العناصر التي يفتخر بها المسلمون أنّهم أتباع دين استطاع تغيير النظرة السلبية للمرأة، التي كانت سائدة على مدى حقب تاريخية طويلة. غير أنّ ما يدعو للأسف أنّ واقع المسلمين الراهن، حيال موضوع المرأة، لا يتناسب مع رؤية الإسلام في الكثير من البلدان والمجتمعات، إذ يقول الإسلام شيئًا، فيما الواقع على الأرض يحكي شيئًا آخر، حيث ما تزال تُنتقص حقوق المرأة في الكثير من البلدان الإسلامية، ويُنظر إليها نظرة دونية، ولا تتوفر لها الأجواء المناسبة، ولا الفرص المتكافئة، للمشاركة في تنمية المجتمع.
وتمثل المرأة نصف المجتمع، وحين يجري عليها الظلم يكون نصف المجتمع مظلومًا. وذلك ينعكس سلبًا على تنمية المجتمع وتطوره، وهذا أحد جوانب التخلّف في مجتمعاتنا. ولو تناولنا مسألة البطالة التي تؤرّق بلادنا باعتبارها مؤشّرًا، فسنجد الارتفاع الهائل في نسبة البطالة في صفوف النساء، سيّما في أوساط حاملات الشهادات الجامعية، فهناك عشرات الآلاف منهنّ يقبعن في البيوت؛ لعدم حصولهنّ على فرص العمل، بعد أن أفنين زهرة شبابهنّ في التحصيل الدراسي، والتغرّب خارج البلاد لسنوات كما في حال بعضهنّ. ولنا أن نتصور حجم الخسارة التنموية عندما يكون هناك الآلاف من الكفاءات المعطلة المهملة. ما يقود إلى السؤال عن السبب في حرمان المرأة من المشاركة والعطاء في خدمة وطنها وتنمية مجتمعها؟
والأسوأ في الأمر أنْ يجري التمييز والإساءة للمرأة تحت عنوان الدين، إذ كيف سينظر الناس إلى الإسلام إذا نسبت إليه شتّى أنماط الإساءة الواقعة على المرأة، من الظلم والتمييز، والنظرة الدونية، وغياب تكافؤ الفرص أمامها؟ أوليس في ذلك أعظم إساءة إلى الدين؟. وضمن هذا السياق أثار إعجابي كتاب وضعه أحد علماء الدين في المنطقة واختار له عنوانًا جميلًا هو "دفاعًا عن الإسلام لا عن المرأة"[] ، أي إنّنا عندما نثير مسألة حقوق المرأة، فإنّنا بذلك لا ندافع عن المرأة فقط، وإنّما نقوم بتبرئة ساحة الإسلام من الممارسات التي تنسب إلىه، وهي أبعد ما تكون عنه، وما هو إلّا الفهم السيئ، والتطبيق الخطأ، ما ينتهي إلى تشريعات منحازة ضدّ المرأة.
تيّار التشدّد ضدّ المرأة
إنّ بلادنا تعاني من وجود تيّار ديني متشدّد، يمعن في ظلم المرأة ويرفض انصافها، ويمانع في إتاحة الفرص أمامها. وقد برزت مبكرًا ممانعة هذا التيار المتشدّد لحقوق المرأة، فحين أقرّ التعليم الرسمي في البلاد، اقتصر على الذكور، ولم يجرِ إقرار تعليم البنات إلّا بعد سنوات طويلة؛ لأنّ هذا التيّار المتشدّد ظلّ يقف حجر عثرة أمام تعليم المرأة، استنادًا إلى مرويات غير ثابتة، وفهم ديني خطأ يقول بمنع المرأة من تعلم القراءة والكتابة. وقد احتاجت البلاد إلى جهودٍ كبيرة، حتّى جرى إقرار قيام مؤسسة حكومية خاصّة بتعليم البنات، على غرار تعليم الأولاد.
وقد برزت ذات الممانعة عند فتح باب العمل أمام المرأة، وكذلك الحال مع مشروعية مشاركة المرأة في إدارة الشؤون العامة، فقد تعنّت المتشدّدون طويلًا حيال السماح بدخول المرأة في شؤون الولاية العامة حسب مصطلحاتهم المتداولة، برفضهم لتبوئ المرأة أيّ منصب وزاري أو نيابي، بل إنّ بعضهم بالغ في القول إنّ الأفضل للمرأة ألّا تخرج من بيتها. إنّ هذا الفهم المتشدّد ساهم بقوة في تعطيل التنمية، وشوّه سمعة الإسلام، ليس أمام الآخرين وحسب، وإنّما أمام الأجيال الصاعدة من أبناء الأمة أيضًا.
وبالرغم مما سبق، فقد تحقّق بعض التقدّم على صعيد حقوق المرأة. حيث أُقرّ منذ زمن التعليم العام للجنسين، وأتيحت بعض الفرص لعمل المرأة، ودخلت المرأة عضوًا في مجلس الشورى، وشاركت في الانتخابات البلدية مرشّحة وناخبة، وعلى هذا النحو بدأت المرأة تنال بعضًا من حقوقها، وتشارك في تنمية مجتمعها، ونأمل استمرار هذه المسيرة، إلى أن تتبوأ المرأة مناصب وزارية ودبلوماسية، سيّما وأننا نرى على المستوى الإقليمي والإسلامي كثيرًا من النساء تبوأن مناصب عليا في بلادهنّ.
إنّ النمو الطبيعي لأيّ مجتمع ينبغي أن يصاحبه مشاركة أوسع للمرأة في تنمية مجتمعها ووطنها. إنّ من المؤسف أنّنا ما نزال نتحدّث عن حقّ المرأة في قيادة السيارة، في الوقت الذي باتت المرأة عبر العالم تقود الطائرات بل وتقود الأوطان.
والأنكى من ذلك ما يجري على المرأة من معاناة كبيرة جرّاء القوانين المعوقة لحركتها، والبعيدة عن إنصافها، على صعيد الزواج والطلاق، وحقّ حضانة الأولاد، وغير ذلك. ومع تفاوت الآراء الفقهية حيال قضايا الأسرة، بين آراء موغلة في التشدّد، وآراء يطبعها التسامح ومواكبة العصر، لا نجد مبرّرًا لفرض الآراء المتشدّدة، إنّما ينبغي الاستفادة من تعدّد الآراء في الفقه الإسلامي، وترك الآراء المتشدّدة التي باتت تؤثر سلبًا على أوضاع التنمية في مجتمعاتنا، ناهيك عن تشويهها لسمعة الإسلام أمام العالم، وأمام الجيل الصاعد من أبناء الأمة.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ندعو للجرأة في إقرار المزيد من حقوق المرأة. ونؤكّد في هذا السياق، على الجميع أن يتأمّلوا في سلوكهم، ويفحصوا أفكارهم، لينظروا ما إذا كانوا يؤمنون بحقوق المرأة فعليًّا، وأنّ لها حقوقًا مساوية للرجل، كما جاء في الحديث عنه : "إنّ النساء شقائق الرجال"[3] ، أم أنّهم ما يزالون يضمرون في نفوسهم بعضًا من الآثار الجاهلية التي تعتبر المرأة في مرتبة أدنى من الرجل؛ لأنّ من السهل أن يترنّم البعض ـ على المستوى النظري ـ بحقوق المرأة، ويتغنّى بالدفاع عن حريتها، لكنه فور عودته للمنزل يتعامل مع زوجته وبناته وفق الرؤية والهيمنة الذكورية، وهذا عين الازدواجية والتناقض الفكري. وحريٌّ بنا أن نتذكّر على الدوام الحديث الوارد عن رسول : "ما أكرم النساء إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم"[4] .