الإسلام والحضارات الأخرى قطيعة أم تفاعل
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [سورة المائدة، الآية: 48]
كان الناس يعيشون خلال فترات ما قبل التاريخ ضمن جماعات صغيرة. دأبهم التّنقل من مكان إلى آخر بحثًا عن الطعام، فكانوا يصطادون الحيوانات والأسماك، ويجمعون النباتات البرية. ولم تكن هذه الحياة البسيطة القائمة على الروابط العائلية المحدودة، تحتاج إلى وجود تنظيم اجتماعي معقّد.
ومع اكتشاف الإنسان طرق الزراعة، اتّجهت هذه الجماعات إلى الاستقرار، ونشأت تجمّعات إنسانية مستقرّة في أماكن محدّدة، الأمر الذي أبرز حاجة هذه المجتمعات إلى التنظيم، لتنشأ عند هذه النقطة بداية النظم الاجتماعية. وقد ارتبط تقدم هذه النظم وتكاملها على مختلف الصُّعد، بتقدّم المجتمع اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وصولًا إلى بلوغ مرحلة الحضارة، وانتقال المجتمعات البشرية إلى حقبة قيام الحضارات.
توارث الحضارات
ويقدّر المؤرخون نشأة أقدم الحضارات البشرية بثلاثة آلاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد. حين بدأت المجتمعات تدير شؤون حياتها، ضمن تنظيمات معقّدة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، وقد انبثقت أولى الحضارات في الشرق، فكانت حضارة وادي الفرات في العراق، وحضارة وادي النيل الممتدة في المنطقة التي تشمل مصر والسودان، وثالثة في وادي السند فيما يعرف اليوم بباكستان، ورابعة في منطقة هيان تشي في الصين، وشكّلت بمجموعها الحضارات القديمة، التي استمرّت كلّ منها حقبة زمنية معينة إلى أن شاخت، وتوقّفت عن العطاء.
ويُشبّه علماء التاريخ سيرورة الحضارات بالكائن الحيّ، حيث تمرّ أيّ حضارة بمرحلة الطفولة والشباب ثم الشيخوخة، وصولًا إلى مرحلة الانهيار. وكما يقول مؤرّخ الحضارات آرنولد توينبي، إنّ الحضارات تنهار حينما يفقد الناس قدرتهم على الابتكار. وما يجري في واقع الحال أنّ أفول أيّ حضارة غالبًا ما يعقبه قيام حضارة أخرى، مستلهمة من تجربتها، وبانية على ميراثها، فالعلاقة بين الحضارات البشرية هي علاقة توارث وتدوير للتجارب، وتبادل لها، على طريقة تناقل الشعلة الأولمبية بين الأفراد وفقًا لتشبيه أحد العلماء، فالحضارات الإنسانية في الغالب لم تكن تبدأ من الصفر؛ لأنّ أيّ تقدّم يحصل في أيّ مجتمع إنساني، فإنّه ينتقل بصورة أو أخرى لسائر المجتمعات الأخرى، سوى أنّ الفارق هو بطء عملية الانتقال في الماضي التي كانت تستغرق وقتًا أطول، نتيجة بطء عملية التواصل، قياسًا بتقدمها في الحاضر، مما زاد سرعة التفاعل بين الحضارات والأمم.
وقد تزامنت بعثة النبي محمّد في القرن السادس الميلادي، مع بلوغ حضارتين عريقتين مراحلهما الأخيرة. حيث كانت الحضارة الفارسية والرومانية قد اعترتهما حالة الشيخوخة والتآكل الداخلي، بعد سنوات طويلة على تسيّدهما الساحة العالمية، حيث فقدت مجتمعاتهما حيويتها، وكانتا في طريقهما نحو التفكّك والانهيار.
وكان العرب في الجزيرة العربية آنئذٍ يعيشون على هامش الحضارة، وكانت النظم والعادات والأعراف الاجتماعية المهيمنة على حياتهم في منتهى البساطة والتخلّف. ووسط هذه الأجواء المحلية والعالمية بعث الله نبينا محمّدًا ، فجاء لإنقاذ مجتمعه المحلي أوّلًا، والتوجّه من خلاله لإنقاذ المجتمعات الأخرى على مستوى العالم، وبذلك جاء الإسلام كمشروع حضاري لإنقاذ البشرية.
من هنا يأتي السؤال، بشأن ما إذا كانت بداية الإسلام كمشروع حضاري انطلقت من نقطة الصفر، بمعزل عن الحضارات السابقة عليه، أم أنّ الإسلام شأنه شأن الحضارات الأخرى، خاضع لسنة توارث الحضارات كما مرّ آنفًا؟ وتنطلق أهمية السؤال لما فيه من تأسيس لفكرة مهمّة، بشأن نمط العلاقة المفترضة بين المسلمين في العصر الراهن والحضارات الأخرى، وما إذا كان ينبغي أن تتّسم هذه العلاقة بالقطيعة، أم يمكن لها أن تكون علاقة قائمة على التواصل والحوار والاستفادة من التجارب؟
ولا يخفى أنّ هناك فريقًا من المسلمين لا يرون ضرورة لوجود علاقة بين الإسلام كدين وحضارة، وبين الحضارات الأخرى القائمة، ويميل هؤلاء إلى انغلاق المسلمين على أنفسهم، واكتفائهم بالحفر في تراثهم، على نحو ينحتون به حضارة منطلقة من عمق تراثهم الديني وحده، بمعزل تامٍّ عن الحضارات الأخرى.
الإسلام وتجارب الحضارات
حقيقة الأمر، إنّ بزوغ الإسلام كدين وحضارة لم يبدأ من الصفر، ولم يأتِ بمعزل عن منجزات الحضارات الأخرى، وإنّما استفاد منها، وبنى عليها، وأخذ من تجاربها. وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم، الذي قدّم الإسلام باعتباره امتدادًا للرسالات السماوية السابقة، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾، ومن الواضح أنّ الآية الكريمة تشير بجلاء إلى أنّ الإسلام هو امتداد لما سبقه من الرسالات والأديان السماوية، وعلى غرار ذلك هناك ثماني عشرة آية في القرآن الكريم تشير إلى ذات المضمون، وتصرّح بأنّ القرآن الكريم جاء ﴿مُصَدِّقًا﴾ للرسالات والكتب السماوية التي سبقته، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، فالقرآن الكريم جاء مصدّقًا لما سبقه من الكتب، ومهيمنًا عليها، أي مستوعبًا لها، ومكملًا لأهدافها وأغراضها.
ربما يقول البعض إنّ الإسلام نسخ ما تقدّم من رسالات سماوية. إنّ الإسلام لم ينسخ تلك الرسالات نسخًا تامًّا، على نحو يلغي جميع ما جاءت به الشرائع السابقة، وإنّما نسخ بعضًا منها، وطوّر البعض الآخر. وصحيح أنّ القرآن الكريم تحدّث عن التحريف الذي طرأ على التوراة والإنجيل، لكنه لم يقل أبدًا بأنّ جميع ما في الكتابين باطل محض، وهذا ما تشير إليه آيات كثيرة في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم﴾، فالقرآن الكريم يدعو اليهود والنصارى لاتّباع الإسلام، موعزًا إليهم بأنّ الدين الجديد ليس نقيضًا تامًّا لما بين أيديهم من الكتب المقدسة ولا لاغيًا لها، وإنّما مصدّق لما فيها، مع تطوير لتعاليمها بما يتناسب وتطور الحياة.
إقرار العادات العربية الطيبة
وانسحب ذلك أيضًا على مستوى مجتمع الجزيرة العربية، حيث لم يُلْغِ الإسلام كلّ الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة قبل بزوغ الرسالة. فبالرغم من سوء الحالة العامة في المجتمع، حيث الجهل والتخلّف والفساد والانحراف، لكن المجتمع العربي مع ذلك لم يكن يخلو من الصفات الطيبة، والعادات الحسنة. لذلك لم يأتِ الإسلام لاستئصال كلّ ما كان في ذلك المجتمع من عادات وتقاليد عن بكرة أبيها، وإنّما عمد إلى الإبقاء على الجوانب الإيجابية، من العادات والأعراف التي كانت سائدة في المجتمع.
إنّ من المعلوم أنّ المجتمعات البشرية على وجه العموم تتوارث الحالات الإيجابية فيما بينها، ولربما كانت منابعها الأولى تعود إلى الأنبياء، إلى جانب الفطرة الإنسانية السليمة. وفيما روي عن النبي أنّه قال: "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[1] ، وجليٌّ أنّ النبي استخدم مفرد "أُتمم" في إشارة إلى أنّه لم يدّع أنّه جاء لتأسيس مسار الأخلاق من نقطة الصفر، وإنّما جاء لإتمام ما كان موجودًا من مكارم الأخلاق.
وهناك العديد من النصوص الدينية التي تشير إلى أنّ الإسلام قد أقرّ بعض السنن والعادات الموجودة في المجتمع العربي السابقة على ظهوره. فقد ورد عن الإمام عليّ عن رسول الله أنّه قال له: "يا عليّ، إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجازها الله له في الإسلام؛ حرّم نساء الآباء على الأبناء، ووجد كنزًا فأخرج منه الخمس وتصدّق به، ولما حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج، وسنّ في القتل مئة من الإبل، ولم يكن للطواف عدد عند قريش، فسنّ فيهم الطواف لسبعة أشواط"[2] .
وثمّة أعراف أخرى أجازها الإسلام كذلك، ومنها حدود منطقة الحرم في مكة، التي يفترض عدم التعرّض ضمن نطاقها لأيٍّ كان حتى لو كان مطلوبًا بدم. والحال نفسه مع إقرار عدة الأشهر الحرم التي كانت سائدة في مجتمع الجاهلية. وامتدّ ذلك أيضًا إلى الكثير من العادات الحسنة، ومن ذلك إقرار الإسلام عادة إكرام الضيف التي كان يتفاخر بها العرب، حيث ورد عن النبي أنّه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"[3] . وكذلك الحال مع إقرار حالة الجوار وحفظ حقّ المستجير، فإنْ أجار أحد مستجيرًا، فلا يحقّ لأحدٍ أن يخفر ذمّته وينتهك جواره، حتى لو كان المستجير من جهة معادية، وكان النبي نفسه قد استفاد من هذا العرف الجاهليّ عند ذهابه إلى الطائف، واستجارته بالمطعم بن عدي.
وقد كانت سدانة البيت الحرام، وسقاية الحاج، بيد قريش، فأقرّها الإسلام بعد فتح مكة، وأبقى عليها كما كانت، بل وأبقى السدانة في بني شيبة أنفسهم. وعلى هذا النحو يمكن الوقوف على العديد من الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة قبل الإسلام، وأقرّها النبي فيما بعد.
منهجية تفاعلية
لقد وضع الإسلام منهجية تفاعلية مع كلّ ما هو إيجابي عند الآخرين. فلمَ يُربِّ أتباعه على القطيعة والإعراض التامّ عمّا عند الآخرين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾. وورد في الحديث عن رسول الله: "الحكمة ضالة المؤمن"[4] ، وجاءت الحكمة لغويًّا من الإحكام والإتقان، ولا شك بأنّ ذلك يشمل الاستفادة من الآخرين في مجال نظم إدارة الحياة وشؤون المجتمع.
وجاء عن الإمام علي أنّه قال: "الحكمة ضالّة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحقّ بها وأهلها"[5] ، وورد عنه في كلمة أخرى: "الحكمة ضالّة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق"[6] . وتبعًا لهذه المنهجية، انفتح المسلمون على الحضارات الأخرى إبّان مرحلة الفتوحات الإسلامية، واحتكاكهم بتلك المجتمعات، واجتهدوا في الاستفادة مما عندهم من إيجابيات كبيرة.
وقد أنشأ المسلمون في زمن المأمون العباسي ما عرف ببيت الحكمة، فاجتمع فيه كبار العلماء والمفكّرين، وكانت مهمتهم ترجمة الكتب العلمية من الحضارات الأخرى، اليونانية والفارسية والهندية، وضمن مجالات عدة، من الفلسفة والسياسة والرياضيات والطبّ وغيرها، وكان ذلك عملًا مهمًّا عظيمًا، حيث لم يكتف المسلمون بترجمة تلك العلوم، وإنّما أضافوا عليها وطوروها، فقد ترجم الكندي فلسفة أفلاطون وأرسطو وطوّرها، لتأتي بعد ذلك الحضارة الغربية، ولتستفيد من أعمال الكندي في فهم فلسفة أفلاطون، والحال نفسه مع إبداعات ابن سيناء في مجال الفلسفة العقلية، وابن خلدون وإضافاته على علم الاجتماع، وابن رشد ودوره في إنتاج فلسفة عقلانية استفاد منها الغرب في بناء حضارته الحديثة، وهكذا الحال مع سائر العلوم التي أنجزها المسلمون.
وهناك في المكتبات الغربية عشرات الآلاف من الوثائق التي تشهد بفضل الحضارة الإسلامية على الغرب، والتي لا ينكرها الغربيون أنفسهم، بل كتبوا في ذلك بحوثًا ودراساتٍ كثيرة، حول استفادة الحضارة الغربية الحديثة من العلوم التي طوّرها المسلمون العرب.
لقد أخذ المسلمون العلم من الغرب، واستوعبوه جيّدًا، وطوّروا منه، وأضافوا عليه، ثم عاد الغربيون ليستفيدوا من هذا التراث العلمي، والجميع يعلم جيّدًا مدى تأثير الحضارة الإسلامية في الأندلس التي استمرّت ثمانية قرون، حتى القرن الخامس عشر الميلادي، والتي ورث الغربيون كثيرًا من إنجازاتها العلمية.
الثقة بالنفس دافع الانفتاح
لا يجد الواثقون من أنفسهم، شعوبًا أو حضارات، أدنى مشكلة في الانفتاح على الحضارات الأخرى. وذلك على النقيض من الذين يعيشون الهزيمة النفسية والانكسار، ولا يملكون الثقة بأنفسهم، ويرتابون مما عند الآخرين، وهذا تحديدًا ما تعيشه أمّتنا في العصر الراهن. حيث لم تكن عند الأمّة إبّان مرحلة رقيّها الحضاري أيّ مشكلة في الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، بل هي التي سعت إلى ذلك، وترجمت أمّهات الكتب العلمية لتلك الحضارات، واستفادت من تجارب الاخرين، وأضافت عليها، أمّا في وقتنا الراهن فقد باتت تسيطر الروح الانهزامية على معظم المسلمين، لذلك تجدهم ينظرون إلى الآخرين ومنجزاتهم بكثير من الرّيب والشك، فهم يحرّمون الانفتاح على ما عند الآخرين والاستفادة منه، فلا ديمقراطية ولا انتخابات ولا حقوق للمرأة، كلّ ذلك بدعوى أنّه من التغريب.
إنّ هذه المنهجية المرتابة، تأتي بخلاف سنن الحياة على صعيد نموّ الأمم والحضارات، حيث لا يمكن لنا أن ننطلق ونبني حضارتنا ونحن في حالة انغلاق تامّ، ولا يسعنا تأسيس انطلاقة حضارية جديدة، إلّا بالإقدام على ما فعله أسلافنا المسلمون فيما سبق، من الانفتاح على الحضارات الأخرى، واستيعاب ما لديها من إيجابيات، وتلافي السلبيات، ومن ثم نستطيع أن نطوّر ونقدّم للبشرية شيئًا جديدًا.
ونحن نحتفي بالمبعث النبوي الشريف، ينبغي أن ننأى بأنفسنا عن التهيّب من الانفتاح على الحضارات الأخرى. نحن مدعوون للتسلح بقيمنا ومبادئنا، تلك القيم التي بدأت المجتمعات الأخرى الاستجابة لها على نحو أكبر؛ لما في القيم الإنسانية الحاكمة في تلك المجتمعات من جذور وأصول في ديننا، إلّا أننا مع الأسف أضعنا الكثير منها.
عمدة لندن مسلم باكستاني
وقد تابع العالم في الأيام القليلة الماضية الانتخابات الجارية لاختيار عمدة لندن؛ لما لهذه المدينة من وزن سياسيّ واقتصاديّ ورمزية كبيرة، حيث خاض تلك الانتخابات عن حزب العمّال، مسلم بريطاني، من أصل باكستاني، يدعى صادق خان، وفاز فيها بمنصب عمدة المدينة البريطانية الأعرق، متفوّقًا على مواطنه المسيحي مرشّح حزب المحافظين.
إنّ هذه الحالة التي شهدها المجتمع البريطاني تُعَدّ حالة بالغة التقدّم، فقد استقبل هذا المجتمع أسرة مهاجرة قادمة من باكستان، لتصبح جزءًا من المجتمع، ثم يرشّح أحد أبناء تلك الأسرة نفسه لتقلّد منصب مهمّ في تلك البلاد، فيتقبل المجتمع ذلك ويتفاعل معه، ويرشّحه، هذه في حقيقة الأمر قيمة إنسانية عظيمة، نجد جذورها في مبادئنا الإسلامية، لولا أنّنا أضعنا هذه القيم، خاصة حيال مسألة التعامل مع الوافدين والمهاجرين إلى ديارنا، بل الأنكى أنّنا أضعنا تلك القيمة حتى على مستوى تعاملنا مع بعضنا بعضًا، عندما أوصدنا الأبواب في وجه الكثيرين، وحرمناهم من تبوئ المواقع والمناصب المهمّة، حتى لم يعودوا يجرؤون على التفكير أو حتى الحلم بالوصول إلىها، لا لشيء سوى انتمائهم إلى أقلّية قومية أو دينية أو مذهبية. من هنا ينبغي التأكيد مجدّدًا، أنّ عند المجتمعات الأخرى كثيرًا مما ينبغي أن نستقيه منهم، سيّما وأنّ ذلك ليس من عنديّات تلك المجتمعات على نحو مطلق، وإنّما هو عصارة التجارب البشرية والفكر الإنساني.