تقديم لكتاب: منية الطالبين في تفسير القرآن المبين للمرجع الديني الشيخ السبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
حين تواجه الأمة تحديا خطيرا في أي بعد من أبعاد وجودها وحياتها، وخاصة في الجانب الفكري والمعرفي، فان عليها أن تفزع الى كتاب الله المجيد القرآن الكريم، لأنه معقد ايمانها، والمرجعية الأساس لدينها وشريعتها ،وهو مصدرالهدى، ومبعث النور الذي يضيئ للأمة دروب الحياة، ويقدم لها أفضل الحلول والمعالجات لمختلف المشاكل والأزمات، يقول تعالى : ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)).
ولذلك حث رسول الله الأمة على الرجوع والعودة الى كتاب الله تعالى عند مواجهة التحديات والمشكلات، كما جاء في قوله : ((اذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن)) .
ولما سئل عن المخرج أمام الأمة من الفتن التي ستواجهها؟ أجاب بقوله (( كتاب الله العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضله الله )).
وحيث تواجه الأمة الاسلامية اليوم خطرا من أعظم الأخطار التي مرت بها في تاريخها الطويل ، وهو خطر نمو التوجهات التكفيرية والتعصبية المتطرفة ،التي رفعت شعارات العنف ، واعلنت حرب الارهاب باسم الاسلام على كل من يخالف توجهاتها من المسلمين والعالم أجمع، فدمرت بلاد المسلمين، ومزقت وحدتهم ، وهتكت كل الحرمات ، وشوهت صورة الاسلام أمام الرأي العام العالمي ، حتى أصبح عنوانا للوحشية والعنف والارهاب .
والجانب الأخطر في هذه التوجهات المتطرفة هو قدرتها على استقطاب مجاميع كبيرة من أبناء الأمة وشبابها من مختلف البقاع والاصقاع ، وتنشئتها على أساس التعصب المذهبي ، والتشدد الديني ، وحشو أدمغتها بثقافة الكراهية والتكفير والعنف، بادعاء أن ذلك يمثل العقيدة الصحيحة، ومنهج السلف ،ومفهوم التوحيد الخالص، والبراءة من الشرك و الابتداع. مستغلة مشاعر الغضب والسخط التي تسود أجواء الأمة ، بسبب واقع التخلف والاستبداد والجور، واستمرار العدوان الصهيوني والهيمنة الأجنبية .
ولايخفى دور الاستكبار العالمي والحركة الصهيونية وأنظمة الاستبداد الحاكمة ، في دعم هذه التوجهات التكفيرية المتطرفة لأنها تحقق لهم كثيرا من الأهداف والخدمات .
في مواجهة هذا الخطر الماحق على الدين والأمة لابد من اللجوء الى القرآن الكريم ، لتستلهم الأمة من هديه مايحصن وعي أبنائها من تأثيرات هذه التوجهات المنحرفة،وكشف مكامن الخلل والفساد في هذا الفهم المعوج للدين ، ولتحفيز طاقات الأمة واستنهاضها للدفاع عن حقائق الاسلام ومفاهيمه الصحيحة،
ولحماية كيان المجتمعات الاسلامية من التمزق والانهيار، ولتجلية الصورة المشرقةالناصعة للاسلام أمام الرأي العام العالمي .
وفي هذا السياق تأتي أهمية التفسير القيم ((منيةالطالبين في تفسير القرآن المبين)) الذي يتابع اصدار أجزائه الفقيه المحقق المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني ((أدام الله ظله وتأ ييده)). انه دعوة ونداء للأمة للاحتكام الى كتاب الله تعالى ، والانفتاح الصادق على معاني آياته دون حواجزأوعوائق ينتجها التقيدبآراء السابقين. فهوتفسيريشكل استجابة لحاجة فكرية ملحة في ساحةالأمة في هذا الظرف العصيب، حيث يركز على استنطاق آيات القرآن الكريم في مهمات المسائل العقدية والكلامية، وخاصة تلك التي تسلل الفكر التكفيري المتطرف من خلال بعض تفاصيلها الى تراث بعض المذاهب والمدارس الاسلامية .
انه يقدم الرؤية القرآنية في مختلف جوانب العقيدة والشريعة والتاريخ عبر منهجية علمية موضوعية ، وبأسلوب أدبي رفيع ، لاغموض ولاتعقيد في كلماته ومصطلحاته ، حيث يجمع بين عمق المضمون ودقة البحث العلمي من جهة ، وبين وضوح المطلب واشراقة اللغة من جهة أخرى، فهو مرجع علمي للباحث المتخصص ، ومورد لاستفادة القارئ المثقف المتطلع لمعارف القرآن وفيض علومه.
ومن الميزات المهمة لهذا التفسير الرائع للقرآن الكريم، أنه يؤصل ثقافة التسامح، واقرار حرية الرأي والفكر ، واحترام وجهات النظر الأخرى ، والتعاطي معها في ميدان البحث العلمي بموضوعية وانصاف ، بعيدا عن التعصب والتشد د، والاساءة والعدوان ، انطلاقا مما تؤكد عليه آيات القرآن الكريم في منهج الدعوة الى الله تعالى بالحكمةوالموعظةالحسنة والحوار والجدال بالتي هي أحسن .ان رسالة هذا التفسير هي بناء الشخصية الايمانية العقائدية للانسان المسلم على أساس رصين من هدي القرآن ومعارفه ، مع التحلي بأرفع درجات الخلق الانساني والسلوك الحضاري في الحياة الاجتماعية .
حقا ان تفسير ((منية الطالبين)) يشكل اضافة نوعية مهمة في هذا العصر للمكتبة القرآنية ، ويمثل استجابة لتحد فكري خطير تواجهه الأمة ، نأمل أن يشق هذا التفسير القيم طريقة الى أوساط العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والشباب المثقفين ، وأن يطيل الله في عمر شيخنا المعظم الشيخ السبحاني، ويمتعه بالصحة والعافية والنشاط ليكمل هذا المشروع المبارك، وليواصل خدمة العلم والدين ، بحق القرآن العظيم .
والحمد لله رب العالمين
حسن الصفار
17شوال 1436ھ
03 أغسطس 2015م