تقديم لكتاب (ثمرات الجمعة) للشيخ يوسف المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

من أهم عطاءات صلاة الجماعة، إلى جانب عطاءاتها الأخرى، أنها تتيح أفضل الفرص لنشر المعرفة والوعي في صفوف أبناء المجتمع.

حيث يجتمع المصلون في المسجد في أوقات منتظمة يومياً، مع تفاوت في مستوى الحضور، والذي عادة مايبلغ ذروته في صلاة يوم الجمعة.

وتكون نفوس الحاضرين مهيأة للاصغاء والاستماع، والتفاعل مع الموعظة والإرشاد، فهم قد جاءوا بنيّة العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ويدركون أنهم في مكان مقدّس مبارك، نسبه الله تعالى إلى ذاته جل شأنه ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فهم ضيوف في بيت الله، تظللهم رحمته ورضاه، وتشملهم عنايته وتوفيقه.

وينظرون إلى إمام جماعتهم نظرة ثقة واحترام، فهم يحرزون عدالته ونزاهته، ويقدّرون علمه وفضله، ولذلك ارتضوه إماماً في صلاتهم، كما ورد عن الإمام جعفر الصادق أنه روى عن آبائه أن النبي قال: (إن أئمّتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون في دينكم وصلواتكم)[وسائل الشيعة، ج8، ص347، حديث10869]، مما يوفر الاستعداد في نفوسهم لقبول توجيهه وإرشاده، فهو في موقع المرجعية لهم في معرفة أمورهم الدينية، وأحكامهم الشرعية، يسألونه عما أشكل عليهم، وما يجهلونه من معالم الدين وأحكامه.

وهو أيضًا في موقع الأبوّة والقدوة، يستشيرونه في قضاياهم التربوية والعائلية ، وقد يحتكمون إليه في مشاكلهم الاجتماعية، وينفتحون عليه حتى في همومهم الشخصية.

وهذا ما نلحظه في تعامل  كثير من المؤمنين في مجتمعاتنا مع عالم الدين الذي يؤمهم في صلاة الجماعة.

لكن أئمة المساجد يتفاوتون في مدى تلبيتهم لتوقعات الناس منهم، ومدى كفائتهم وإخلاصهم في أداء الدور المطلوب منهم دينياً واجتماعياً.

وذلك حسب تفاوت مستوياتهم في الصفات التالية:

أولاً: مستوى العلم والمعرفة، فكلما كان إمام المسجد ذا حظ أكبر من العلم والمعرفة الدينية، في مختلف مجالاتها، كان أقدر على تبيين مفاهيم الدين ومعتقداته وأحكامه.

إن بعض طلبة العلوم الدينية قد يقتصر في دراسته العلمية على ما يرتبط بعلم الفقه وأصوله، دون أن يهتم بالإحاطة بالعلوم المتصلة بالمعارف الدينية، كالتفسير والحديث والكلام والفلسفة والتاريخ.. وبذلك تكون قدرته على العطاء العلمي والمعرفي محدودة.

وفي هذا العصر يواجه أبناء المجتمع تحديات خطيرة على الصعيد الفكري والقيمي والأخلاقي، وهم يتطلعون إلى جهود علماء الدين لمواجهة هذه التحديات، عبر العطاء العلمي والمعرفي، الذي يتجاوز تبيين المسائل الفقهية العبادية.

ثانياً: مستوى الوعي والتصدي الاجتماعي، فإن إمام المسجد المنفتح على مجتمعه، المهتم بمتابعة أوضاعه وقضاياه، يجد نفسه معنياً بتقديم المعالجات والإرشادات المناسبة، لمشاكل وتطورات الواقع الاجتماعي.

أما إذاكان فاقداً للحسّ الاجتماعي، أو ضعيف الإطلاع والمتابعة لما يجري في الساحة الاجتماعية، معتقداً أن ذلك ليس من شؤون مهمته الدينية، وأن عليه الابتعاد عن التدخل في مشاكل الناس، ليسلم من أي تداعيات أو ارتدادات، فيكون كافاً عافاً حتى لا يناله نقد أو اعتراض.

فحينئذ لا يتوقع منه ممارسة دور الرعاية والقيادة للحالة الاجتماعية.

ثالثاً: مستوى الالتزام القيمي والأخلاقي، فحين يكون عالم الدين متحلياً بمكارم الأخلاق، يتواضع للناس، ويتسع صدره لهم، ويتعظ بما يعظهم به، فإن ذلك يعزّز ثقة الناس فيه، وتأثرهم بوعظه وإرشاده.

ومن النماذج المشرقة في مجتمعنا لعالم الدين وإمام المسجد القائم بمسؤولياته الاجتماعية، سماحة الشيخ يوسف بن سلمان المهدي حفظه الله، فمنذ أربعة عقود وهو يؤم الجماعة في بلده مدينة صفوى، من مدن محافظة القطيف، ملتزماً بإمامة الجماعة في الفرائض الخمس يومياً، فجراً وظهراً وليلاً، لا يكاد يتأخر عن فريضة إلا لعذر قاهر.

ويمكنني أن أشير إلى أهم نقاط القوة في تجربة الشيخ المهدي الدينية الاجتماعية، اعترافاً بفضله، وتقديراً لدوره الإيجابي في خدمة الدين والمجتمع، وليستفيد المنتمون إلى سلك العمل  الديني من تجربته المضيئة.

1/ التزام الشيخ المهدي في مسجده بدور الإرشاد الديني وتبيين الأحكام الشرعية، والتوجيهات التربوية الأخلاقية للمصلين، فإضافة إلى خطابه الأسبوعي كل جمعة، فإنه يلقي دروساً للمصلين بعد صلاة الجماعة، في الأحكام الفقهية، تتخللها المواعظ والإرشادات، وخاصة في أيام شهر رمضان، وقبيل موسم الحج، وفي مختلف المناسبات الدينية.

وبين يدي القاريء الكريم هذا الكتاب الذي يضم مجموعة من خطب الشيخ المهدي قام بتحريرها من التسجيلات الصوتية بعض الشباب المؤمنين.

2/ الحضور الاجتماعي بمشاركة الناس في أفراحهم واتراحهم، حيث يتفقد أبناء مجتمعه، فيعود المريض، ويحضر عزاء الفقيد، ويبارك للمتزوج، ويزور القادم من السفر.

كما يهتم بمساعدة الفقراء والمحتاجين، ويسعى لإصلاح ذات البين.

3/ التواصل والانفتاح مع جميع التوجهات والشرائح، فلا يقاطع أحداً بسبب انتمائه الفكري أو المرجعي، يبدي الاحترام لجميع مراجع التقليد، ويحظى بالوكالة والثقة من معظمهم، وينقل فتاواهم لمقلديهم. ويتواصل مع مختلف علماء المنطقة ورموزها وشخصياتها.

4/ دعم المؤسسات الاجتماعية والدينية، والأنشطة الثقافية والتربوية، حيث تحظى جمعية الصفا الخيرية، ونادي الصفا الرياضي في صفوى بدعمه ورعايته، وكذلك سائر المؤسسات والأنشطة، وهو صاحب الدور الأساس في تأسيس أول حوزة علمية في القطيف، ولا يزال يرعاها ويقدم لها التمويل اللازم منذ 25 عاماً.

ولا يكاد يعرض عليه مشروع ديني أو اجتماعي أو ثقافي في المنطقة فيعتذر عن المشاركة فيه، بل يقدم له ما يمكنه من دعم وتشجيع.

5/ الورع والاستقامة الأخلاقية، فقد تعرفت عليه منذ كان فتى يافعاً في منتصف السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، وكان طالباً في المرحلة الثانوية، من خلال حضوره في بعض الندوات واللقاءات مع الشباب في صفوى، وحين تحدثنا عن ضرورة تشجيع عدد من الشباب للتوجه للدراسة الدينية، كان من أبرز الأشخاص المرشحين، لما كان ظاهراً من حسن سيرته وسلوكه، وجديته وتفوقه في دراسته، وهكذا كان في مرحلة دراسته الدينية في مدرسة الرسول الأعظم في الكويت، حيث كان مثالاً للطالب المنشغل بدراسته، الرزين في شخصيته، القويم في أخلاقه وسلوكه.

وحين آب إلى بلاده ومجتمعه ليقوم بدوره الديني، وكانت تعصف بالمجتمع آنذاك أحداث وتوجهات وخلافات، قابلها الشيخ المهدي بصبر وثبات، وحلم ورزانة، انطلاقاً من ورعه وتقواه.

اسأل الله تعالى له التأييد والتسديد، والرعاية والتوفيق، وأشكر الإخوة الأعزاء على ما بذلوه من جهد في تحرير الخطب والمحاضرات،لتقديمها للقراء الكرام. والله ولي التوفيق.

 

حسن الصفار

29 صفر 1440هـ

7 نوفمبر 2018م

 

 

الكتاب: ثمرات الجمعة، ج1
المؤلف: الشيخ يوسف المهدي
الناشر: دار أطياف للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى، 2019م