نظام الكون والتفسيرات الوعظية
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[سورة النحل، الآية: 61].
خلق الله الكون، وسيّر أمور الحياة، على أساس أنظمة وقوانين اقتضتها حكمته ومشيئته، فكلّ حركة في الكون تجري وفق نظام وسنة إلهية، تستهدف غاية وغرضًا مرسومًا، فلا توجد حركة عبثية، أو عفوية، أو ارتجالية، وإنّما هي أنظمة وقوانين تحكم حركة الحياة في الكون، لكن الإنسان يجهل طبيعة سير الكون والحياة، وحين يرى أمامه ظواهر الطبيعة، يحاول تفسيرها بوحي من معرفته المحدودة، وفي كثير من الأحيان كان يبتدع لها تفسيرات خرافية وأسطورية بسبب جهله، فجاء الدين الإلهي ليوجه الإنسان كي يتأمل حركة الحياة، ويكتشف أسرارها، على هذا الأساس العلمي، وهو وجود القانون والنظام، وكأنه يخاطبه:
أيّها الإنسان، أنت تملك عقلًا، ولديك قابلية للمعرفة، وهذا الكون الفسيح أمامك يحكمه نظام وقانون، أعمِل عقلك، واستثمر قابليتك للمعرفة، حتى تتعرف على أسرار الكون، لتستفيد من خيراته في تطوير حياتك.
وبمقدار استجابة الإنسان للأمر الإلهي، وتفاعله مع غريزة حبّ الاطلاع، أمكنه التعرف على أسرار الكون والحياة.
لذلك تجد القرآن الكريم يؤكد على النظام والقانون في الكون، كقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[سورة يس، الآيات: 38-40].
في آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ فكلّ شيءٍ له نظام و قانون، ويقول تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، ويقول تعالى: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾، وآيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكّد على أنّ حركة الكون تحكمها القوانين والأنظمة، فلا يوجد عبث أو فوضى أو ارتجال، وحتى في الحياة الاجتماعية هناك قوانين وسنن، والقرآن الكريم يؤكّد ذلك، وعلى هذا الأساس نشأ علم الاجتماع والعلوم الإنسانية المختلفة.
يقول الله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾.
ويقول تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
ويقول تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾.
لكنّ معرفة الإنسان بأنظمة الكون وقوانين الحياة معرفة تدريجية، فكلّما اجتهد وبحث وجرّب ازدادت معرفته بأسرار الكون وقوانين الحياة، وعلى أساسها يستطيع أن يطور حياته، وقد قطع الإنسان شوطًا كبيرًا في العلم والمعرفة قياسًا إلى الماضي، لكن ذلك ضئيل جدًّا قياسًا إلى علم الله وواقع الكون، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فالبشرية في بداية الطريق، وأمامها مستقبل أكثر إشراقًا على صعيد العلم والمعرفة.
الكوارث جزء من قوانين الطبيعة
من الأمور التي عرف الإنسان شيئًا من أسرارها الظواهر الكونية المؤثرة على حياة الإنسان، التي تنتج عنها الكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات والأعاصير، حيث كان الإنسان في العصور الماضية يفسّر هذه الكوارث بتفسيرات خرافية، بسبب جهله وقلة معرفته، لكنّ هذه الظواهر الكونية إنّما تحصل ضمن نظام وقانون، وليست حوادث انفعالية أو ارتجالية، فالزلازل والفيضانات والأعاصير يمكن للإنسان أن يتنبأ بمواعيد حصول بعضها، ويعرف مناطق وقوعها؛ لأنّها ترتبط بعلم طبقات الأرض، ويتحدث العلماء عن خط في الكرة الأرضية، معروف بحزام الزلازل، أو منطقة الحزام الناري، هذا الخط مرشّح لوقوع الهزات والزلازل، وعبر القوانين العلمية أيضًا، أصبح بإمكان الإنسان أن يتنبأ بالأعاصير والفيضانات، لكن معرفة النظام لا تعني بالضرورة تلافي كلّ الآثار والخسائر.
الكوارث والسلوك البشري
لا يزال بعض الناس يربطون بين الظواهر الطبيعية وبين السلوك الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي، ويحاولون تفسير هذه الكوارث بمعتقدات الإنسان الدينية، وارتكابه للذنوب والمعاصي، لكنّ هذا التفسير ـ في الغالب ـ تفسير وعظي، فالوعّاظ في كلّ ديانة يحاولون استثمار هذه الأحداث لتوجيه الناس نحو ديانتهم، وفي بعض الأحيان للتعبئة ضدّ الديانات الأخرى، فيقال: إنّ الكارثة التي حلت بهذه المدينة أو هذا الشعب إنّما هي بسبب كفرهم، أو أنزل الله بهم العذاب؛ لأنهم مبتدعة عصاة مذنبون، لكننا نرى أنّ هذه الكوارث تصيب المؤمنين كما تصيب الكافرين، ويتضرّر منها الأخيار كما يتضرّر منها الأشرار!!
من الذي يستطيع الادّعاء والجزم أنّ هذه الكارثة أو تلك، هي عقاب وعذاب إلهي؟!
هذه التفسيرات الوعظية يمكن أن تؤثر في نفوس بعض الناس، لكنّ البعض الآخر ينفرون منها؛ لأنّهم يدركون أنّ هذا الكلام ليس علميًّا، بل يخالف الواقع والقوانين العلمية، لكن هذا ما درج عليه بعض الوعّاظ في مختلف الديانات.
في الأيام الماضية[1] عاش إخواننا في الإنسانية في منطقة (كيرلا) في الهند كارثة أليمة، حيث مرّت بهم أسوأ كارثة بيئية لم تحصل مثلها منذ نحو قرن من الزمن، سببتها أمطار غزيرة، ورياح موسمية، تركت الولاية في حالة دمار بالغ، وتسببت في انهيارات أرضية، وسيول عارمة، نتج عنها أكثر من أربعمائة قتيل، وآلاف الجرحى، وعشرات الآلاف من المشردين.
سكان المنطقة كمعظم سكان الهند من الهندوس، وقد عزا بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي داخل الهند، وبين الجالية الهندية عبر العالم، عزو الكارثة إلى «آكلي لحوم البقر»[2] من المسلمين وغيرهم، وأنّ «غضب السماء» حلّ على تلك المناطق بسبب ذلك، محذّرين من مغبّة مواصلة عادة أكل هذا الصنف من اللحوم، وزعم البعض الآخر: أنّ الولاية تواجه غضب الإله إيابا (إله عند الهندوس) بسبب حكم المحكمة الذي صدر أخيرًا وسمح للنساء بدخول المعبد، فالمتديّنون الأصوليون من الهندوس يرفضون دخول المرأة المعبد؛ لأنّ بيتها أفضل لها!
ربما نستهجن هذا التفسير ولا نقبله؛ لأننا نرى آكلي لحوم الأبقار من مختلف الشعوب، ونحن منهم نأكل لحوم الأبقار، ولا يؤدي ذلك إلى الكوارث!!
وكما نستسخف نحن هذه التفسيرات، فإنّ غيرنا أيضًا يستسخف بعض تفسيرات وعّاظنا، حين يفسّرون ما يحصل من كوارث طبيعية عند بعض المجتمعات أنها بسبب السفور والخمور!
ففي سنة 2016م أصيبت مدينة (سلا) في الريف المغربي بهزّات أرضية، اعتبرها أحد أئمة الجمعة نتيجةً لغضب الله على من يشتغلون في الموبقات، وعقابًا لهم على ما يقترفونه من معاصي، وتخويفًا لهم من الله، ونفى أن يكون الزلزال ظاهرة جيلوجية، «بل عقاب من الله على المعاصي التي تحدث في المنطقة التي وقع فيها الزلزال»[3] .
وفي سنة 2010م بعد أن ضرب الزلزال جزيرة هاييتي، أطلق القسّ الأمريكي (بات روبرتسون - Pat Robertson) تصريحاته، بأنّ ذلك عقاب إلهي لهذا الشعب الذي باع نفسه للشيطان. كما أنه استضاف القسّ جيري فالويل في برنامج «نادي الـ 700 / The 700 club» بعد تصريحات للأخير بأنّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 إنّما هي نتيجة لانتشار المثلية بين الرجال والنساء، إلى جانب أمور أخرى) [4] .
ويعدّ هذا القسّ الأمريكي من أبرز رجال الدين الذين يحظون بشعبيّة بين العامة من محدودي التعليم في أمريكا، وله برنامج تلفزيوني أسبوعي يقدم فيه مواعظ، ويعرض تجارب أناس أصابهم مسّ الشيطان أو غوايته، ثم تابوا واهتدوا على يديه. وكان يختم برنامجه بمطالبة المشاهدين الاقتراب من الشاشة تدريجيًا؛ لأنه سوف يشفي المرضى منهم بمجرد التمسّح بالقسّ عن طريق الشاشة، كما أنه يهب غير المرضى قوة وعزيمة، وربما يزيد ذكاءهم، ويجعلهم يكسبون الأموال إذا آمنوا بدعائه وصدّقوه!!.
بين الموعظة ومخالفة الحقيقة
من واجب الدعاة والمصلحين أن يحذّروا الناس من المعاصي والذنوب، وينذرونهم من غضب الله، لكن لا يصح أن نقدم تفسيرات غير علمية للظواهر الكونية، فإنها تسبب ردود فعلٍ، خاصة ونحن نعيش في عصر الانفتاح على العلم والمعرفة، ومثل هذه التفسيرات تعكس نظرة سيئة عن الدين.
صحيح أنّ المواعظ بهذه الطريقة قد تؤثر في بعض الناس، لكنها تسبب نفورًا عند آخرين.
ويمكننا أن نقرأ موقف النبي في الردّ الفوري على من فسّر كسوف الشمس بموت ولده إبراهيم، بمثابة رفض للتفسيرات غير المنطقية لظواهر الطبيعة، حيث ورد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ جَرَتْ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِفَقْدِ ابْنِ رَسُولِ اللهِ ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، يَجْرِيَانِ بِأَمْرِهِ، مُطِيعَانِ لَهُ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا انْكَسَفَتَا، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَصَلُّوا، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ»[5] .
كما أنّ القرآن الكريم يؤكّد أن عذاب الله تعالى وحسابه لخلقه على كفرهم ومعاصيهم مؤجّل إلى الآخرة، أما هذه الدنيا فهي دار ابتلاء وامتحان لإرادتهم واختيارهم، وقد فسح الله تعالى المجال لخلقه ليمارسوا حريتهم واختيارهم، يقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.
وتأكيدًا لهذه الحقيقة يقول تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[سورة النحل، الآية: 61].
بل نـجد في آيات القرآن ما يفيد أنّ الله تعالى يتيح للكافرين والعاصين فرصة التمتع بهذه الحياة، ويمدهم بخيراتها، وإذا ما تمادوا في كفرهم وعصيانهم فإنّ الحساب والعذاب في انتظارهم يوم القيامة، يقول تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ [سورة الإسراء، الآية: 18-20].
ويقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [سورة محمد، الآية: 12].
ويقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ [سورة الأحقاف، الآية: 20].
ويقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [سورة يونس، الآيتان: 69-70].
ويقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ﴾ [سورة القصص، الآية: 61].
إنّ هذه الآيات وأمثالها ـ وهي كثيرة في القرآن الكريم ـ تؤكد أنّ العذاب والعقاب الإلهي للكافرين والعاصين مؤجّل إلى يوم القيامة، وأنّهم يعيشون في هذه الحياة إمكانية الاستمتاع بثرواتها ولذاتها. وأنّ المعاصي والذنوب والشرك والكفر في هذه الحياة الدنيا لا تستدعي العقوبة الفورية.
وقد اختلف المفسرون حول (الأجل) في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾.
يرى بعض المفسرين أن (أَجَلُهُمْ) هو يوم القيامة. ويرى آخرون أن (أَجَلُهُمْ) يعني الموت، فتبدأ مرحلة الحساب والعقاب بعد الموت مباشرة.
ويقول تعالى: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.
عذاب الأقوام السابقة
البعض يتساءل عمّا يحدثنا به القرآن الكريم عن أمم وقع عليها العذاب والهلاك، كقوم هود وقوم صالح وثمود، حينما خالفت أنبياءها وعصت ربها، مما يعني تحقق وقوع العقاب في الدنيا!!
لكنّ الواقع أنّ هذه الأحداث التي يخبر عنها القرآن إما أنها ضمن النظام الطبيعي، أو أن يكون ما حصل لهم حالة استثنائية، تؤكد الأصل وهو النظام والقانون، ذلك أننا نعتقد أنّ قدرة الله سبحانه حاكمة على الكون بقوانينه، ويده مفتوحة، ليست مغلولة عن التصرف في الكون.
بدليل أنّ العذاب لم يقع على كلّ أقوام الأنبياء، فكم من الأنبياء قتلوا، وكم من المجتمعات خالفت أنبياءها، ومع ذلك لم يحل بهم العذاب؟!!
يقول تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ بينما الأمم التي وقع عليها العذاب معدودة محدودة، وهذا يؤكد الاستثناء.
ختامًا نشير إلى أنّ المعاصي والذنوب تترك آثارًا سلبية على نفس الإنسان وحياته على الصّعيد الفردي، وبعضها تكون لها آثار اجتماعية سيئة وخيمة.
لكنّ ما يجب التأكيد عليه أنّ هذه الظواهر الطبيعية، وإن لم تكن عقوبة لمن تحلّ بهم، لكنها رسالة لهم ولكلّ البشر، بالالتفات إلى قدرة الرّب سبحانه وتعالى وهيمنته على الكون والحياة، وأنّ الإنسان ضعيف بذاته أمام التحدّيات، فلا بُدّ أن يلجأ لربه وخالقه، وأن يحذر من معصيته وسخطه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشمل بلطفه ورحمته كلّ أبناء البشر، وأن يدفع عنهم البلاء والمكروه.