الخطابة الحسينية
نشأت الخطابة الحسينية كنتيجة طبيعية للحالة المأتمية التي عاشها أهل البيت النبوي بعد فاجعة كربلاء على وجه الخصوص علماً أنها ليست أول مصيبة تحل عليهم صلوات الله عليهم فقد كانت مصيبة فقد الرسول ﷺ فاتحة المصائب ولشدتها وعظمتها كثر بكاء الزهراء وندبها عليه حتى بَنَتْ بيت أحزانها صلوات الله عليها وتتوالى المصائب بغصب الزهراء والأحداث التي جرت عليها إثر ذلك وإزاحة أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن منصبه ثم اغتياله صلوات الله عليه ثم قتل سبط الرسول الإمام الحسن صلوات الله عليه بالسم..
لكن فاجعة كربلاء هي أم المصائب ولما كانت كذلك ولِعِلم النبي والأئمة بسعي الظالمين على مدى الأجيال لطمسها وإخفائها وتزوير الحقائق التاريخية أو تأويل الأحداث كان سعيهم صلوات الله عليهم بحثهم المؤمنين على إقامة المآتم وإثارة الأحزان وتجديد البكاء دائماً وأبداً. وقد ابتدأ هذا التعليم رسول الله فهو أول من بكى الحسين وقت ولادته وأما بعد استشهاده فالإمام زين العابدين صلوات الله عليه دأب بطريقة عملية على استئجار النوّاحات ينحن على شهيد كربلاء الحسين بن علي سبط الرسول وفرخ علي والبتول سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه خصوصاً في عرفة أثناء موسم الحج. وتوالى الأئمة صلوات الله عليهم في حثهم المؤمنين على التجمع لتجديد الحزن والبكاء في عاشوراء وغير عاشوراء..
فالهدف الأول من المآتم الحسينية هو البكاء والإبكاء وذكر المصيبة الشنيعة التي جرت على أهل البيت في كربلاء في محرم سنة 61 للهجرة.
وتطور المنبر الحسيني ليكون مدافعاً عن الحسين ورافعاً للشبهات التي وضعت لتنال من الحسين وأهل بيته وهكذا يساهم المنبر الحسيني في حفظ الحقيقة التاريخية أولاً ودفع الشبهات عنها ثانياً.
ويستمر التطور حتى يصبح المنبر الحسيني عبارة عن منارة تبث أنوار أهل البيت صلوات الله عليهم ببث تعاليمهم وإرشاداتهم وما صدر عنهم في القضايا التي تتناول حياة الفرد والمجتمع على حد سواء.
إلا أن بعض الخطباء لم يتوقفوا عند ذلك وذهبوا إلى أبعد منه فبينوا جزاهم الله خيراً جاهدين موقف أهل البيت من آراء سائر العلماء في شتى المجالات الفقهية والعلمية والفلسفية والأخلاقية.. الخ.
والحصيلة أن الحالة المنبرية اليوم لها من التنوع ما يجمع كل تلك المراحل التي مرت بالمجلس الحسيني حسب إمكانية الخطيب ومؤهلاته ينطلق مساهماً بما يستطيع في نصرة الإمام الحسين وقضيته، ولا يقدح فيه انتهاجه لمنهج معين.. فمن له صوت شج يبكي المؤمنين فهو ممن وجبت له الجنة على لسان المعصوم وحضور المؤمنين وبكاؤهم بسببه يؤهله لدخول الجنة على لسان المعصوم ومن يستطيع أن يساهم بما آتاه الله من علم في تبليغ حديث أهل البيت وثقافتهم ونورهم فله فضله ومكانته بفضل علمه.
يا أيها الخطباء الحسينيون كل واحد منكم منارة من منارات كربلاء والتفاف الناس حول منابركم كرامة من الله لكم ومن الحسين صلوات الله عليه.. اللهم اجعلني وجيهاً بالحسين..
إن التفاضل أمر وجداني لا يناقش فيه عاقلان ومن رزقه الله صوتاً شجياً حسناً ليس كمن هو على خلاف ذلك وأنس الجمهور به وانجذابهم إلى مجلسه خير دليل ولقد منّ الله على منطقتنا منطقة القطيف الحبيبة بنماذج رائعة من الخطباء ذوي الأصوات الشجية فيما مضى وفي زماننا الحاضر ونفخر بهم كل الفخر ونشجعهم وندعمهم وننبههم على سلوك طريق التكامل إن كنا من أهل التنبيه؛ والكل يعرف على سبيل المثال الشامي الصغير.. أتدرون من هو؟؛ إنه سماحة للشيخ حسن بن موسى الصفار حفظه الله الذي هو أحد مفاخر المنطقة.. اسألوا الكبار متى سُمِّي بالشامي الصغير ولماذا؟ وما تزال بلادنا الحبيبة ولادة بنماذج رائعة للشامي الصغير.. افتحوا أعينكم وابحثوا عنهم ستجدونهم فإذا وجدتموهم فتبنوهم وإياكم وكسرَهم فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره..
هذه شنشنة جاشت في صدري وتجيش كلما قرب هلال شهر الأحزان بسبب ما يثار في كل عام على ما اعتدناه من بعض من لا يروق لهم التفاف الناس حول من يقول واحسناه وا إماماه..