مؤشرات رائعة في الإنفاق الخيري
موضوع الانفاق في سبيل الله، وأعمال الخير هو من أكثر المواضيع التي أكّد عليها القرآن الكريم في العشرات من آياته، وقد تناوله القرآن الكريم من زوايا متعددة، وبأساليب مختلفة.
ففي آيات القرآن حديث عن منطلقات الانفاق وبواعثه، وعن عوائقه وموانعه، وعن مساحته ومجالاته، وعن فوائده وعوائده على الإنسان دنيًا وآخرة.
ومن الزوايا الملفتة التي تناول القرآن الكريم من خلالها موضوع الانفاق عنونته بعنوان القرض لله سبحانه. والقرض لغة وعرفًا هو تقديم المال لطالبه كدين ليؤديه فيما بعد. وإنما يقترض الإنسان من الآخرين لحاجته لذلك.
إن الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده أن يقدموا له قرضًا ودينًا ويتعهد بإرجاعه إليهم أضعافًا مضاعفة.
قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية: 245]
والله هو المعطي والرازق لعباده. وهو الغني المطلق لكنه يريد ابتلاء عباده، لتربية نفوسهم على الخير والعطاء، ولتشجيعهم على مقاومة نزعات الأنانية والبخل في ذواتهم، ولإيجاد حالة التكافل والتراحم فيما بينهم.
ويسجل التاريخ الإسلامي صورًا رائعة من تجاوب المؤمنين مع دعوات القرآن الكريم للإنفاق، حيث كان بعضهم ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: لَمَّا نَزَلَ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْقَرْضِ؟ قَالَ:" نَعَمْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ بِهِ". قَالَ: فَإِنِّي إِنْ أَقْرَضْتُ رَبِّي قَرْضًا يَضْمَنُ لِي بِهِ وَلِصِبْيَتِي الدَّحْدَاحَةِ مَعِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ:" نعم" قال: فناولني يدك، فناوله رسوله اللَّهِ يَدَهُ. فَقَالَ: إِنَّ لِي حَدِيقَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالسَّافِلَةِ وَالْأُخْرَى بِالْعَالِيَةِ، وَاللَّهِ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، قَدْ جَعَلْتُهُمَا قَرْضًا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" اجْعَلْ إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ وَالْأُخْرَى دَعْهَا مَعِيشَةً لَكَ وَلِعِيَالِكَ" قَالَ: فَأُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَهُمَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ حَائِطٌ فِيهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ. قَالَ:" إِذًا يُجْزِيكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ".
ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ عَلَى صِبْيَانِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتُنَفِّضُ مَا فِي أَكْمَامِهِمْ حَتَّى أَفْضَتْ إِلَى الْحَائِطِ الْآخَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ :" كَمْ مِنْ عِذْقٍ رَدَاحٍ، وَدَارٍ فَيَّاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ". [تفسير القرطبي، ج3، ص237-238]
ولأن العطاء نزعة إنسانية تنبع من فطرة الإنسان ووجدانه نجد الآن صورًا وارقامًا قياسية للعطاء الإنساني في مختلف المجتمعات.
حصلت جامعة غرب ميشيغان Western Michigan University على هدية بقيمة 550 مليون دولار من مجموعة من الخريجين.
هدية رجل الأعمال السيد مايكل بلومبرج Michael Bloomberg، والتي بلغت 1,8 مليار دولار لجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في عام 2018م هي أكبر التبرعات على الإطلاق لأي جامعة خاصة كانت أو عامة. كما أن إجمالي الهبات التي تحصل عليها جامعة هارفارد Harvard University تعتبر 100 مرة أكثر تقريبا لما حصلت عليه جامعة غرب ميتشجن.
مبادرات رائعة
ونشهد الآن في مجتمعنا انطلاق مبادرات رائعة تمثل مؤشرًا إيجابيًا على تقدم مستوى العطاء والإنفاق في العمل الخيري.
لقد أثلج صدورنا وملأ قلوبنا فخرًا وتفاؤلًا الخبر الذي أعلنته إدارة جمعية القطيف الخيرية يوم أمس الخميس (14 ذو القعدة 1442هـ)، حيث قدّم أحد المحسنين من رجال الأعمال، دعمًا سخيًا للجمعية، عبارة عن عمارة جديدة تُقدر قيمتها بـ 12 مليون ريال، وتقع على مساحة 1200 متر مربع في منطقة حديثة بمحافظة القطيف وتتكون من 12 شقة وقاعتين، حيث ستكون امتدادًا مهمًا للموارد الاستثمارية التي تعود ملكيتها للجمعية، والتي تتوجه لزيادتها وتنميتها ضمن خطتها الاستراتيجية، لتشكل قيمة ثابتة يعود ريعها لصالح الأسر المستفيدة من الفقراء والأيتام.
فلأول مرة نجد تبرعَا بهذا الحجم من شخص واحد من أبناء المجتمع يقدم لجميعة خيرية، ودون أن يرغب في الإعلان عن اسمه لحد الآن.
إنه خبر عظيم ينظم إلى أخبار شبيهة حدثت هذا العام في نفس السياق الخيري.
فقد تبنى سماحة العلامة السيد علي السيد ناصر السلمان إنشاء مركز للفحص الشامل والكشف المبكر عن الأورام بالقطيف بقيمة 20 مليون ريال على مساحة 14700متر مربع.
وقد تكفل أحد المواطنين من سيهات (الحاج عيسى المكحل) بابتعاث أحد المرضى للعلاج في الخارج بكلفة نصف مليون ريال. وبعد أن تكفلت وزارة الصحة بتكاليف العلاج أعادت أسرة المريض المبلغ للمتبرع، والذي قرر صرفه في أمور الخير.
إن مجتمعنا جدير بمثل هذه المبادرات ونتوقع المزيد منها ان شاء الله من رجال الخير في المجتمع في كل قرية ومدينة.
وفي هذا التبرع رسالة للجمعيات الخيرية أنها قد أصبحت محل ثقة واهتمام واحتضان من قبل أبناء المجتمع، وهذا ما تؤكده أخبار كثيرة من العطاء والتجاوب مع هذه الجمعيات الخيرية.
وهذا ما يجب أن يدفع إدارات الجمعيات الخيرية لمضاعفة جهدها وتطوير عملها لتكون بمستوى الآمال والتوقعات.
ويجب أن أوجه الدعوة للطاقات والكفاءات من أبناء المجتمع بأن يرفدوا الجمعيات بمشاركتهم وعضويتهم، فإن الجمعيات تشكو من قلة الكوادر العاملة والمستعدة لتحمل مسؤوليات الإدارة.