الشراكة المجتمعية مع المؤسسات الصحية
ورد في الأثر: «الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الْأَدْيَانِ، وَعِلْمُ الْأَبْدَانِ».
لعلوم الدين قدسية ومكانة في نفوس المتدينين، وعلماء الدين يحظون بمكانة وتقدير في المجتمع الدينـي، وهو أمر طبيعي، حيث أوجب الله تعالى وجود فئة في كلّ مجتمع، تتوجه للتفقه في الدين، ثم تقوم بتبليغه في محيطها الاجتماعي، يقول تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[سورة التوبة، الآية: 122].
فطلب العلوم الدينية واجب كفائي، لا يسقط عن الجميع، إلا إذا قام به من يملأ الفراغ ويسدّ الحاجة.
ويشير الفقهاء إلى أنّ هذا الأمر لا يختص بطلب العلوم الدينية، فكلّ علم يحتاجه المجتمع المسلم فإنّ طلبه يكون واجبًا كفائيًا، وفي طليعة تلك العلوم علم الطب.
فكما أنّ طلب العلوم الدينية واجب كفائي، فإنّ علم الطب كذلك، ولا يسقط هذا الواجب إلّا إذا قام به من يُكتفى بهم من أبناء المجتمع.
وهذا النص «الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الْأَدْيَانِ، وَعِلْمُ الْأَبْدَانِ» الذي نسب في بعض المصادر إلى رسول الله ، وبعض المصادر نسبته إلى الإمام علي [1] يضع علمي الدين والطب على نفس المستوى والدرجة.
قال الذهبي في الطب النبوي: كان الشافعي يقول: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب[2] .
وقال الغزّالي في إحياء علوم الدين: أما فرض الكفاية، فهو علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب، إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان[3] .
وقال الشهيد الصدر: إنّ الشرع حكم بوجوب تعلّم الطب كفاية على المسلمين، وهذا الوجوب حكم ثابت[4] .
ونصَّ السيد اليزدي في (العروة الوثقى) أنّ الطبابة من الواجبات الكفائية[5] .
وهذا يحتم على المجتمع إعطاء الأولوية لدفع أبنائه لتعلم الطب والإقبال على دراسة الطب وإنتاج البحوث العلمية والطبية؛ لأنّ البحوث والدراسات هي التي تطور علم الطب، وتقدم الحلول للمشكلات الصحية التي يعاني منها الإنسان.
الحاجة للأطباء في السعودية
لدينا نقص كبير في عدد الأطباء، فقد كشفت وزارة الصحة في أحدث إحصائياتها عن وجود عجز كبير في عدد الأطباء السعوديين العامين في مستشفيات المملكة.
وذكرت إحصائية الوزارة أنّ إجمالي عدد الأطباء بلغ (89675) طبيبًا، منهم (23979) طبيبًا سعوديًا، أي بنسبة (26.7%) !![6]
وفي مقابل ذلك هناك شكوى من خريجي الطب الذين لم يحصلوا على الوظيفة، حيث طال انتظارهم للتعيين والحصول على الوظيفة!
وفي كلّ الأحوال هناك حاجة لمزيد من الأطباء في بلادنا.
الشراكة المجتمعية والمؤسسات الصحية
تتوفر وزارة الصحة في بلادنا على ميزانية مميزة، فقد خصص في الموازنة العامة للمملكة ضمن الأرقام التي أعلنت أخيرًا في ميزانية 2019م (172 مليار ريال) تم تخصيصه لقطاع الصحة والتنمية الاجتماعية، وتوجد في بلادنا مستشفيات ومؤسسات ومراكز صحية في مختلف المدن، فالدولة هي المسؤولة بالدرجة الأساس عن توفير الرعاية الصحية للمواطنين.
وبالنظر إلى أهمية صحة الإنسان وضروراتها الملحة، والحالات التي قد تمرّ بها المستشفيات، مما يحتم توفر الشراكة المجتمعية مع المؤسسات الصحية الرسمية، فالمجتمع شريك في تحمّل المسؤولية، وعلى المهتمين بالشأن الاجتماعي أن يُفَعِّلوا الشراكة مع هذه المؤسسات الصحية، لا بُدّ من تواصل العلماء ورجال الأعمال والناشطين الاجتماعيين مع المؤسسات الصحية في مناطقهم، ومن خلال التواصل وإبداء الاهتمام يتمكنون من تفقّد مستوى أداء هذه المؤسسات الصحية، ومراقبة عملها، والتعاون لسدّ النقص والاحتياجات، فكلما قامت بدورها بشكل أفضل كان ذلك في مصلحة صحة الناس، وتقدم المجتمع بشكل عام.
مبادرات طيبة تستحق الثناء
1/ مركز سعود البابطين لطب وجراحة القلب
أنشأ الشيخ عبد الوهاب بن سعود البابطين هذا المركز في مستشفى الدمام المركزي، على أفضل تقنيات البناء الحديث، وبجودة عالية، وقد افتتح سنة 1422هـ.
يتكون من سبعة أدوار، وتبلغ المساحة الإنشائية سبعة آلاف متر، بسعة ثمانية وستين سريرًا، ومن يراجع أو يزور المركز يدرك حجم الخدمات التي يقدمها هذا المركز لخدمة المواطنين.
2/ مركز غسيل الكلى في مستشفى الدمام المركزي
أنشأ هذا المركز رحل الأعمال أحمد علي كانو، في حرم مستشفى الدمام المركزي وتم افتتاحه عام 2001 بسعة 68 جهاز لغسيل الكلى، ويتسع لـ 300 مريض، على أرضٍ مساحتها (700) مترٍ مربعٍ.
ويتكون المركز من أربعة أدوارٍ، تُشَكِّل في مجملها مساحةً تبلغ (2950) مترًا مربعًا، ويعمل على نظام ثلاث فترات يوميًا من الساعة السابعة صباحًا حتى الحادية عشرة مساءً.
تم إنشاء المركز وتجهيزه بأحدث الأجهزة الطبية بتبرعٍ سخـيٍّ من عائلة يوسف بن أحمد كانو، وبلغت التكلفة الإجمالية للأعمال الإنشائية والتجهيزية والتأثيث الطبي وغير الطبي (20) مليون ريال تقريبًا.
3/ مركز غسيل الكلى في مستشفى القطيف المركزي
أنشأ هذا المركز الحاج عبد الله السيهاتي، ويخطط ليكون الطابق الثاني مركزًا لجراحات اليوم الواحد، وليحوي عدة عيادات.
وكلفة هذا المشروع خمسة عشر مليون ريال.
مثل هذه المبادرات أمر مطلوب ومحبّذ، وهذا ما نراه في مختلف مناطق الوطن، والبلدان المختلفة من العالم.
المرجع الراحل السيد محمد رضا الكلبيكاني رحمه الله حيث أنشأ في قم مستشفى مهمًّا، وهو مرجع ديني، لديه مدارس دينية، لكن لإدراكه حاجة الناس الضرورية حيث رأى أنّ من واجباته إنشاء هذا المستشفى، وهو يقوم بدور كبير منذ عقود.
وفِي الكويت أسّس المرجع الراحل الميرزا حسن الحائري الإحقاقي مستشفى على نفقته وهو مستشفى ضخم كلف ملايين الدنانير الكويتية.
هذه الشراكة المجتمعية ضرورية لخدمة الناس وفيها الأجر والثواب، كما في بناء المساجد والحسينيات، وحينما تكون هناك حاجة ملحّة للمنشآت الصحية قد يكون الثواب فيها أكبر من المسجد أو الحسينية.
إنّ بعض المؤمنين يوصون بالثلث من التركة للإنشاءات الدينية وهو أمر طيّب، لكن عليهم أن يتلمسّوا حاجات مجتمعهم في سائر الجوانب، ففي ذلك الأجر والثواب الكبير من الله تعالى.
مستشفى القطيف المركزي
يستحقّ مستشفى القطيف المركزي الاهتمام والدعم من قبل أبناء المجتمع، فهو يغطي حاجات مساحة جغرافية ذات كثافة سكانية واسعة، فحسب الإحصاءات يراجع طوارئ المستشفى شهريًّا عشرون ألف مراجع، ويراجع العيادات الخارجية شهريًّا خمسة وثلاثون ألف مراجع، وقد أجريت فيه خلال العام 2018م (4007) عملية جراحية، أي بمعدل 335 حالة كلّ شهر، ويبلغ عدد العاملين في المستشفى ما يقارب 2000 موظف منهم حوالي 500 طبيب بين استشاري وأخصائي.
هناك من يبحثون عن بعض الثغرات والنواقص والسلبيات في أداء هذا المستشفى وأمثاله من المؤسسات الصحية لكي يتناقلوها!
إنه لا يخلو عمل من سلبيات، ولا تخلو مؤسسة من نقص، لكن لا يصح تجاهل الإيجابيات، كما لا يصح أن نتكلم عن هذه المؤسسات دون أن نقترب منها، ونتعاون معها، ونساعدها في تخطّي احتياجاتها، وسدّ ثغراتها.
إنجازات مهمة
يضم هذا المستشفى كفاءات، يُشهد لها بالخبرة والمهارة والإخلاص، وعلينا أن نشكر الإيجابيات ونقدّرها ونشجعها، لذلك نشير إلى بعض هذه الإنجازات:
الدكتور زهير الجشي
تلقى استشاري جراحة العيون الدكتور زهير الجشي نداءً عاجلًا لإنقاذ نظر طفل خديج في مستشفى الولادة والأطفال بنجران، عمره ثلاثة أشهر، بسبب ولادته باعتلال في الشبكية من الدرجة الثالثة، وتأكد للدكتور الجشي أنّ جميع مستشفيات المملكة اعتذرت عن علاج الطفل؛ لعدم وجود الخدمة أو توفر السرير، فعزم على السفر إلى أبها ومنها إلى نجران خلال يومين، وقد واجه عدة صعوبات لمتطلبات إجراء العملية، أولها عدم توفر الجهاز المطلوب، مما دعاه لاستعارة الجهاز من مستشفى الولادة والأطفال بالدمام على مسؤوليته الشخصية، وأجرى العملية التي تكللت بالنجاح.
وبعد أقلّ من شهر استقبل نداءً آخر من المستشفى نفسه، لإنقاذ حالة طفل خديج عمره شهران، ويتنفس بالتنفس الصناعي، ولديه اعتلال بالشبكية من الدرجة الرابعة، فلم يتأخر عن السفر لإجراء العملية.
فريق جراحة الأنف والأذن والحنجرة
قام فريق جراحة الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى القطيف المركزي، بإجراء عملية إصلاح عيب خلقي في عمق الأنف من الجهتين (فتحة الأنف الداخلية) بالمناظير لطفل خديج وزنه بعد الولادة لا يتجاوز كيلو جرام واحد.
وترأس فريق الجراحة الدكتور حسين البحارنة، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة، وأكد أنّ عملية إصلاح رتق عمق الأنف تعتبر عملية دقيقة ومعقّدة، حيث إنها قريبة من قاع الجمجمة وتزداد الحالة صعوبة إذا كان الرتق في الجهتين من الأنف.
وقال إنها المرة الأولى التي تُجرى فيها مثل هذه العملية لطفل بهذا العمر في المستشفى.
إننا في الوقت الذي نعتزّ ونفتخر فيه بهذه الكفاءات، ندعو أبناء المجتمع إلى تفعيل الشراكة مع هذا المستشفى وسائر المؤسسات الصحية، ففي ذلك الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، والمنفعة والفخر لأبناء المجتمع.