شراكة المرأة في التنمية الاجتماعية
أنه لما عزم الإمام الحسين على الخروج إلى العراق جاءه عبدالله بن عباس ناصحًا له بعدم الخروج، فلما عجز عن إقناعه قال له: إن كنت سائرًا فلا تسر بنسائك وصبيتك فإنّي لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه!
فسمع ابن عباس بكاءً من ورائه وقائلة تقول: يا ابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟!
لا والله بل نحيا معه ونموت معه.
فالتفت ابن عباس وإذا المتكلمة هي زينب [1] .
نستقبل ذكرى ولادة عقيلة الطالبيين زينب بنت أمير المؤمنين عليه وعليها السلام حيث ورد أنّ ولادتها كانت في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة[2] .
للسيدة زينب حضور كبير في وجدان المؤمنين الموالين لأهل البيت ، فهي شريكة الحسين في نهضته، ولا يكاد يُذكر الحسين إلّا وتذكر معه زينب، فكربلاء لها فصلان ووجهان: الفصل الأول بطله الإمام الحسين، والفصل الثاني بطله زينب.
لكنّ الغالب في التفاعل مع السيدة زينب ينحصر في جانب معاناتها وآلامها، وبالفعل لقد تحمّلت الكثير من الآلام والمصائب، لكنا بحاجة إلى اهتمام أكبر بسيرتها وحياتها، حتى تكون قدوة ومدرسة ومصدر إلهام لنا، وليس مجرّد استحضار للآلام والمصائب التي مرّت عليها، مع أنّ ذلك استذكار مطلوب، لمعرفة ما تحمّلته في سبيل الله، وما قدّمت من تضحيات في سبيل الدفاع عن نهضة الإمام الحسين .
المشاركة قرار زينبي
هذا النص التاريخي الذي نقلناه في بداية الحديث يشير بوضوح إلى أنّ الدور الذي قامت به السيدة زينب كان باختيارها ومبادرتها.
قد يجد الإنسان نفسه في بعض الظروف (متورّطًا) وسط معمعة لم يكن مختارًا لها، وغالبًا ما تكون المرأة في وسط المشاكل والمعارك دون اختيار منها، لأنها زوجة أو أخت أو بنت!
فهل كانت زينب (متورطة)؟!
بعض أبيات الشعر الشعبي الذي يُلقى على المنابر، يصوّر السيدة زينب هكذا!
«أنا منين اجتني كربلا منين؟»!!
هذا شعر عاطفي؛ لا يعبّر عن الحقيقة التي تعيشها السيدة زينب، فقد كانت مختارة مبادرة، وضمن وضعها العائلي والاجتماعي قد يكون من الصعب عليها الخروج، فزوجها عبدالله بن جعفر كان كفيف البصر، ولديها أبناء، وتتحمّل مسؤولية منزلية، ويكفيها ذلك مبررًا لبقائها في المدينة.
لكنّها حين سمعت كلام ابن عباس أجابته مستنكرةً: «تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟! لا والله بل نحيا معه ونموت معه».
استأذنت زوجها عبدالله بن جعفر، فأذن لها، وذلك لوعيه، رغم كبر سنّه وفقده لبصره، ويمكنه من الناحية الشرعية أن يطلب منها البقاء لحاجته لها، وهي سيّدة متشرعة، فلو طلب منها البقاء لبقيت معه، لكنّه شجّعها على الخروج مع أخيها، بل وطلب من ولديه عون ومحمد أن يخرجا إلى كربلاء مع الإمام الحسين .
إنّ المتأمل في أحداث كربلاء، يلحظ بوضوح أنّ كلّ الأدوار التي قامت بها السيدة زينب كانت بمبادرة منها.
امرأة مصابة محزونة في الخيمة، ما الذي يدعوها أن تخرج عند كلّ موقف؟!
إنه الشعور بالمسؤولية، لم يكن الموقف يفرض نفسه عليها، بل كانت هي التي تصنع الموقف.
وبعد رحلة شاقة من كربلاء إلى الكوفة مع كلّ تلك الآلام والمصائب والرزايا، ما الذي يدعوها أن تخطب في مجلس عبيدالله بن زياد؟!
خدرها وحشمتها ومكانتها يمكن أن تجعلها مبررًا، فتبقى منزوية ساكتة، لكنها تأخذ زمام المبادرة وتصنع المواقف، وهكذا في مجلس يزيد بن معاوية، كان بإمكانها أن تنطوي على أحزانها وآلامها، خاصة مع ما يحيط بها من شماتة الأعداء، لكنها بادرت وخطبت تلك الخطبة المدوية، فلم تكن تشعر بأنها مأزومة؛ لأنّها اتخذت تلك المواقف أو صارت في مثل تلك المحن، بل حين قال لها ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟!
أجابته بشجاعة ويقين: والله ما رأيت إلّا جميلًا!
كانت ترى في تلك المواقف قيامًا بمهام مقدسة، وفي خطبتها في مجلس يزيد، تفتتح الخطبة بحمد الله، وتختمها بقولها: «والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة».
تحمد الله، وتعتبر ما أصابها نعمة، وهذا هو موضع الدرس الذي يجب أن نأخذه من السيدة زينب، وخاصة لبناتنا ونسائنا.
المشاركة فرصة وواجب
مجتمعاتنا الآن في حالة نهوض، تواجه تحدّيات كثيرة، وتسير خطوات متسارعة في طريق التنمية والبناء، والمرأة بإمكانها أن تقوم بدور كبير في خدمة مجتمعها، وتكون شريكة في التنمية ومواجهة التحديات التي تنتصب أمام مجتمعها، هذا ما ينبغي أن تبادر إليه، خاصة وأنّ المرأة اليوم أخذت نصيبها من العلم والمعرفة، وهي لا تقلّ عن شقيقها الرجل معرفةً وعلمًا، بل في بعض الأحيان نجد أنّ البنات أكثر جدية واهتمامًا بالدراسة والتعلم، كما أنّ المرأة انفتحت على العالم، وأصبح لديها نضج ووعي، وأتيحت أمامها مختلف الفرص.
في الماضي كانت التقاليد والأعراف والقوانين والأنظمة تقيد حركة المرأة، أما الآن فقد صار المجال أمامها مفتوحًا واسعًا، وأصبحت شريحة كبيرة من النساء موظفات، يتمتعن بقدرة مالية مناسبة، وهو استحقاق طبيعي تناله المرأة، فهي إنسان كما الرجل، وجزء من المجتمع، وكما ورد في الحديث: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»[3] .
ويقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
فالفرصة متاحة أمام المرأة، بل من واجبها أن تشارك في تنمية مجتمعها ومواجهة التحدّيات، نحن ننتظر من نسائنا الكثير من الأدوار والمهام.
أولًا: المشاركة في العمل الاجتماعي
أصبح لدينا في القطيف جمعية خيرية نسائية، هي جمعية العطاء، (تأسست سنة 1429هـ)، وهي جمعية خاصة بالنساء، نأمل من بناتنا وأخواتنا أن يتفاعلن مع هذه الجمعية، كما نأمل من إدارة الجمعية أن تضاعف جهدها ونشاطها، لاستقطاب الفتيات والنساء، وتفعيل دورهنّ الاجتماعي.
إنّ حالات الفقر والحاجة وضرورة نشر الوعي والثقافة، والتنمية في مختلف المجالات، تستدعي أن يكون للمرأة دور أكبر في مجتمعنا.
كما ندعو لإنشاء جمعيات أخرى، فالمجال مفتوح على الصعيد الرسمي، لتكوين جمعيات في مختلف المجالات الاقتصادية والفنية والأدبية والمعرفية، والمأمول من نسائنا أن يبادرن إلى ذلك.
وهناك أقسام نسائية في مختلف الجمعيات الخيرية الموجودة في المنطقة، فلا بُدّ وأن تُفعِّل المرأة دورها الاجتماعي، وخاصة في المجال الأسري والتربوي، وتلمّس الحاجات الموجودة في المجتمع، وبشكل عام ليس هناك مجال من المجالات محظورًا على المرأة من الناحية الشرعية أو الفكرية.
ثانيًا: ممارسة البذل والعطاء
أصبحت المرأة موظفة، ولديها إمكانات مالية، تؤهلها للمشاركة الاجتماعية.
من الناحية الشرعية ليس على المرأة واجب النفقة، بل ينفق عليها الرجل، ولكن ينبغي أن تبادر لنفع مجتمعها وعائلتها بالدرجة الأولى، ما دام الله قد أنعم عليها بالمال.
يمكنها أن تساعد زوجها، وأن تهتم بشؤون منزلها وأبنائها وتنفق عليهم، وإن كانت النفقة واجبة على الأب، لكنّ مشاركة المرأة وشعورها بالمسؤولية في البذل والعطاء يرفع قدرها ومكانتها.
ومن غير المناسب أن تحصر المرأة اهتماماتها في الأمور الكمالية الجمالية المتعارفة كالصرف على التسوق!.
هناك حالة سائدة عند كثير من النساء، حينما تكون لديهن إمكانات مالية، غالبًا تصرف في المجالات الكمالية الجانبية، بالطبع من حقّها أن تصرف مالها في أيّ مجال شاءت، لكن هناك أولويات ينبغي أن تتوجه لها، ينبغي أن تتحسس مشاكل المجتمع، من فقراء ومحتاجين، أو مشاريع خيرية.
على المرأة أن تقتدي بالسيدة زينب ، حيث ينقل في سيرتها أنّ منزلها كان بيت عطاء وجود وكرم، وهي ابنة أمير المؤمنين، سيّد العطاء والبذل، وزوجها عبدالله بن جعفر، كان معروفًا بالكرم والسخاء، لذلك يروى عن الإمام زين العابدين أنه قال عن عمّته زينب: «أنها ما ادّخرت شيئًا من يومها لغدها أبدًا»[4] أي تنفق في سبيل الله كلّ ما لديها على المحتاجين والفقراء، ومن المعروف في سيرتها في الأسر، أنها كانت تؤثر أطفال أخيها الحسين بحصتها من الطعام وتبقى جائعة، حتى أثر ذلك على صحتها، وما كانت تستطيع أن تصلي صلاة الليل إلّا من جلوس!.
وعند عودتها مع السبايا من الشام إلى المدينة، كان الموكل على القافلة من قبل يزيد هو النعمان بن بشير، وكان حسن التعامل معهم، مراعيًا لأحوالهم، فطلبت السيدة زينب من أختها فاطمة أن تجمع ما بقي لديهنّ من حليّ، فقدّمته إلى النعمان معتذرة، قائلة: هذا جَزاؤُكَ بِصُحبَتِكَ إيّانا بِالحَسَنِ مِنَ الفِعلِ.
فَقالَ: لَو كانَ الَّذي صَنَعتُ إنَّما هُوَ لِلدُّنيا كانَ في حُلِيِّكُنَّ ما يُرضيني ودونه، ولكِن وَالله ما فَعَلتُهُ إلّا للهِ ولِقَرابَتِكُم مِن رَسولِ الله صلى الله عليه وآله[5] .
هذه السيرة العطرة تحفّز نساءنا الكريمات المحبات للسيدة زينب، أن يقتدين بها في الاهتمام الاجتماعي، وألّا يكتفين بالتفاعل العاطفي مع آلام السيدة زينب، بل يقتدين بها في المشاركة في قضايا الدين والأمة والتوجه للإنفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين.