النظافة خلق حضاري
ورد عن رسول الله أنه قال: «النَّظَافَةُ مِن الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْجَنَّةِ»[1] .
المقصدُ الأساس للدّين هو توجيه الإنسان للطهارةِ الروحية القلبية، وذلك بالإيمان بالله والابتعادِ عن الشرك والكفر، واجتناب الذنوب والآثام.
وكما يوجه الدين الإنسان لطهارة الروح، يوجهه إلى طهارة الجسم، ونظافة البيئة التي يعيش فيها، فذلك من مقاصد الدّين ومحلٌ اهتمامه، لذا شرَّع طهارة الجسم ونظافته في معظم البرامج العبادية، كالصلاة والصوم والحج، ضمن المسائل الشرعية في هذه العبادات، كما هو واضحٌ في أحكام الاغتسال والوضوء واجتناب النجاسة، حتى إنّ كتاب الطهارة يعتبر من أوسع كتب الفقه.
وعادة ما يستغرق العلماء مدة طويلة في مناقشة أحكام الطهارة في أبحاثهم الفقهية.
وفي مصدر حديثي واحد، هو كتاب (وسائل الشيعة) نجد أنّ الأحاديث الواردة في هذا الكتاب حول الطهارة (4051حديثاً)، كلها فيما يرتبط بطهارة الجسم، ضمن الأحكام الشرعية، وهناك نصوص كثيرة وأحكام وسُنن ومستحبات، ترتبط بنظافة الجسم وأناقته، حتى يمكن القول إنّ لكلّ عضوٍ من أعضاء الجسم نصوصاً وأحاديث ومستحبات شرعية خاصة بنظافته.
فوائد النظافة
إنّ نظافة الجسم تقف حائلًا دون نمو البكتريا والجراثيم المسببة للأمراض، من هنا فإنّ النظافة ضرورة صحية للإنسان، إذا أرد الإنسان أن يتمتع بصحته فعليه أن يحافظ على نظافة جسمه؛ لأنّ كثيرًا من الجراثيم والميكروبات والأمراض تصيب الإنسان لضعف اهتمامه بالنظافة، من هنا ورد التأكيد على غسل اليدين، حتى إنّ الأمم المتحدة أعلنت يوماً عالمياً لغسل اليدين هو يوم 15 أكتوبر، لتشجيع النّاس كي يهتموا بغسلِ أيديهم، وخاصة عند تناول الطعام أو بعد دخول المرافقِ الصحية، ولا تقتصر فائدة النظافة على صحة الجسم، بل إنها تنعكس على الجانب النفسي، فالإنسان حال النظافة يشعُر بالارتياح النفسي، بينما يفقد ارتياحه النفسي في حال تراكم الأوساخ على جسمه أو في محيط معيشته.
كما أنّ النظافة تُساعد على نجاح الإنسان في علاقته مع الآخرين وارتباطه بهم؛ لأنّ النّاس يرتاحون إلى الشخص النظيف الأنيق، وينفرون أو يبتعدون عن الشخص القذر، قد لا يبدون انزعاجهم أمامه مراعاة لمشاعره، لكنهم ينفرون منه بكل تأكيد. ونشير هنا إلى رواية جميلة في هذا السياق (عن علي بن عقبة عن أبي كهمس قال: قال رجل لعبدالله بن الحسن: علّمني شيئًا في الرزق فقال: «الزم مصلاك إذا صليت الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أنجع في طلب الرزق من الضرب في الأرض، فأخبرت بذلك أبا عبد الله ، فقال: ألا أعلّمك في ما هو أنفع من ذلك؟ قال: قلت: بلى، قال: خذ من شاربك وأظفارك كلّ جمعة»[2] . في هذه الرواية يبدو أنّ الإمام قد لاحظ عدم اهتمام الرجل بنظافته وأناقته مما قد ينفّر الناس من التعامل معه فتقلّ فرص عمله، فنصحه بمعالجة هذه المشكلة.
من هنا فإنّ الاهتمام بالنظافة له بُعدان:
الأول: المظهرُ والمنظر
من الضروري أن يهتم الإنسان بجمال منظره ومظهره، هذا ما تؤكد عليه الآيات والأحاديث،
يقول الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[سورة الأعراف، الآية:31].
وفي الحديث عن رسول الله : «إنّ اللهَ جميل يحب الجمال»[3] .
وورد عنه : «إنّ الله تعالى يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمّل»[4] .
وعن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين : «ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم كما يتزيّن للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة»[5] .
ينبغي أن تهتم بجمالك وأناقتك حينما تلاقي النّاس وكأنك تتهيأ في ليلة زفافك.
الثاني: الرائحة
يتأثر الإنسان ـ بطبيعة الحال ـ بما يشم من الروائح، فالنفس تنبسط حينما تشم رائحة زكية طيبة، وتنقبض من الرائحة النتنة، لذلك ينبغي للإنسان أن يهتم بإزالة الروائح الكريهة عن جسمه وثيابه.
ومن الطبيعي أن يتعرض جسم الإنسان وملابسه إلى الأوساخ، من خلال بيئة العمل التي يعيش فيها، كمن يعمل في سوق السمك، أو في صيانة السيارات، أو من يكون عمله الطهي، كما هو شأن المرأة التي تقضي ساعات في المطبخ، فتلحق بجسمها وشعرها وثيابها روائح الطبخ.
والمصدر الثاني للرائحة الكريهة إفرازات الجسم من العرق، وخاصة في وقت الصيف وفي المناطق الحارة، حيث تحصل حالة التعرق.
كيف ينتج العرق
ينتج العرق لدى الإنسان عن طريق الغدد العرقية التي لها دور في تنظيم حرارة الجسم، وذلك عن طريق التبريد بتبخير العرق على سطح الجلد، ويبلغ عددها في الجلد ما بين 2-4 ملايين غدة تقريبًا، وهي تفرز العرق تحت تأثير الجهاز العصبي المستقبل الودي عن طريق الناقل العصبي اسيتايل كولين، ويحتفظ بدرجة حرارة الجسم ثابتة، ويتلقى هذا الجزء إشارات نبضية من الدم الدافئ، ومن مستقبلات الحرارة الموجودة في الجسم، ومن ثم يرسل إشارات عن طريق الأعصاب إلى الغدد العرقية التي تقوم بدورها بإنتاج العرق، كما يعمل التوتر العصبي والإثارة أيضًا على إهاجة وحث الغدد العرقية خاصة تلك الموجودة في اليدين والإبطين.
ومن أسباب التعرق:
التوتر والقلق.
ارتفاع درجة الحرارة.
العوامل الوراثية.
فرط الغدة الدرقية.
البدانة.
عند الشعور بألم شديد أو غثيان أو دوار.
الحركة والنشاط، كما في حالة الرياضة أو السرعة في المشي.
وحينما يتراكم العرق على الجسم وينتقل إلى الثياب يُنتج رائحة كريهة مزعجة، قد لا يشعر بها الإنسان نفسه؛ لأنه ألف الرائحة، وغالباً لا ينزعج الإنسان من رائحة نفسه، لكنّ الآخرين يشمون هذه الروائح وينزعجون منها!!
الأغسال في الإسلام
لقد أوجب الإسلام على الإنسان أغسالاً عديدة يطال الماء فيها كلّ أجزاء جسم الإنسان، منها: غُسل الجنابة، غُسل مس الميت، غُسل الحيض والاستحاضة والنفاس (فيما يرتبط بالمرأة)، إلى جانب الأغسال المستحبة، وهي كثيرة، بل إنّ بعض الفقهاء كالمرجع الراحل السيد محمد الشيرازي رحمه الله يقول في كتابه فقه النظافة: «يستحب الغسل في كلّ يوم، وليس ذلك من دخول الحمام المكروه كلّ يوم، فإنّ الغسل مثل الوضوء، كما يستحب دوام التطهير بالوضوء، كذلك يستحب الغسل كلّ يوم، على ما يفهم عن خبر حنّان بن سدير، قال: دخل رجل من أهل الكوفة على أبي جعفر فقال له: (أتغتسل من فراتكم في كلّ يوم مرة؟»[6] .
فالإمام يشجعه على الاغتسال كلّ يوم، حيث يتوفر الماء.
ومن المستحبات الواردة الغُسل طلبًا للنشاط، يقول السيد ابن طاووس رأيت في بعض الأحاديث أنّ مولانا عليًّا صلوات الله وسلامه عليه كان يغتسل في الليالي الباردة طلبًا للنشاط في صلاة الليل[7] .
إنّ فرصة وجود الماء لا تتوفر لكلّ النّاس، فهناك من يعيشون في الصحراء، مع ظروف شح الماء، فهؤلاء معذورون، لكن من يتوفر لديه الماء ويبخل على نفسه بالنظافة، فإنه يحرم نفسه من الاستمتاع بهذه النعمة، ويعرض نفسه للأمراض، وينفّر الآخرين منه، حيث يتأثر جسمه بما يتراكم عليه من أوساخ وتنبعث منه رائحة تنفر الآخرين من الاقتراب منه والتعامل معه.
الوضوء من ألوان النظافة
في الوضوء يَغسُل المسلم الأجزاء الظاهرة من جسمه، التي تصيبها الأوساخ والغبار، ومُختلف المواد حسب المهنة التي يعمل فيها، والظروف التي يمرّ بها.
ومن المعلوم أنّ الوضوء واجب للصلوات الخمس، لكنه يُستحب أيضاً لغير الصلاة، بل يُستحب للإنسان أن يكون على وضوء وطهارة بشكل دائم، حتى عند النوم يُستحب له الوضوء، وفي الأحاديث أن من توضأ قبل نومه كتب له ثواب العبادة، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «طهّروا هذه الأجساد طهّركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهرًا إلّا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلب ساعة من الليل إلّا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً»[8] .
ماذا تخسر لو توضأت؟ إنك ستتمتع بالصحة والحيوية والنشاط ويُكتب لك الثواب عند الله.
ورد عن الإمام الصادق أنه قال: «من تطهّر ثم آوى إلى فراشِهِ باتَ وفراشُهُ كمسجِدِه»[9] أي كأنه في مسجد يُكتب له فيه الثواب.
وفي هذا دلالة على أنّ الإنسان ينبغي أن يهتم بالنظافة والأناقة حتى في حالاته الخاصة، دون أن يكون معه أحد.
البعض يعود من عمله إلى منزله وهو متعرق تنبعث منه روائح كريهة، فيجلس مع زوجته وأبنائه، ولا يلتفت إلى إزالة ما تراكم على جسمه من عرق وأوساخ!
إنّ ذلك يزعج أفراد أسرته، لكنهم يستحون من إبداء تذمّرهم من ذلك!
وكذلك الحال بالنسبة للمرأة حينما تكون في المطبخ وتلحق بها الروائح المختلفة، عليها أن تهتم بنظافتها وأناقتها، هذا ما يأمر به الدّين ويُشجع عليه.
ومن هنا وردت أحاديث كثيرة حول الطيب؛ لأنّ الروائح الزكية العطرة تشرح النّفس، وتُنعش المشاعر، وتُريح الأعصاب.
ورد عن رسول الله أنه قال: «الرائحةُ الطيبةُ تُشُدُ القلب»[10] .
كما وردت أحاديث حول التّطيب عند الذهاب للصلاة:
عن أبي عبد الله الصادق : «كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله لرائحته»[11] .
ويتحدث الإمام الكاظم عن صفة لأبية أبي عبدالله الصادق بأنه: «كان يعرف موضع سجود أبي عبدالله بطيب ريحه»[12] .
وورد عن رسول الله أنه قال: «حقّ على كلّ مسلم السواك وغسل يوم الجمعة، وأن يمسّ من طيب أهله إن كان»[13] .
وعن معمر بن خلاد عن الإمام الكاظم : «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم، فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا، فإن لم يقدر ففي كلّ جمعة ولا يدع ذلك»[14] .