الرشوة تعطيل التنمية وفساد الأخلاق
يقول تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1] .
مهمّة الجهاز الوظيفي في كلّ دولة تنفيذ المشاريع الوطنية، وتطبيق القوانين والأنظمة، لتسيير شؤون المواطنين.
ولكلّ موظف في أجهزة الدولة المختلفة سلطة وصلاحيات بحسب وظيفته وموقعه.
قد يسيء بعض الموظفين الاستفادة من صلاحيات وظيفته وسلطة موقعه على حساب مصلحة الوطن والمواطنين، بأن يتقاضى رشوة وامتيازات شخصية في مقابل أدائه لعمله في تسيير أمورهم، فلا يقوم بواجبه الوظيفي إلّا بعد أخذ مقابل من المواطن، فيعطّل المعاملات، ويضع المعيقات، ويصطنع التعقيدات، ليبتزّ المواطنين.
وقد يرتكب مخالفات للقانون، ويطوّع الأنظمة لمن يقدّم له الرشوة، أو يغضّ الطرف عن مخالفة النظام، مقابل رشوة ينالها.
ويتحمّل هؤلاء الموظفون الفاسدون مسؤولية تعطيل وتخريب مشاريع التنمية، والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين.
إنّ انتشار هذه الممارسة الخطيرة يفسد الأخلاق فتضعف الأمانة في النفوس، ويُستهان بالخيانة، وتضيع الثقة بين الناس، وتترسخ الأنانية على حساب القيم والمصالح.
المعركة ضدّ الفساد
تخوض الدولة الآن معركة حامية الوطيس ضدّ الفساد والمفسدين، وهذا ما يصبّ في مصلحة الوطن والمواطن، وقد أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) عن قوائم لمن وقعوا في قبضة العدالة من الفاسدين، وبعضهم في مواقع متقدّمة من الوظائف والمسؤوليات.
وبلغ عدد المتهمين بقضايا فساد عام 2021م حسب بيانات الهيئة 2460 متهمًا[2] .
وهي معركة يجب أن يشارك فيها الجميع؛ لأنّها ترتبط بمصالحنا جميعًا، وبمصالح أجيالنا القادمة، وهي تمثل امتحانًا لالتزامنا بقيم ديننا وأحكامه.
الدين حرب على الفساد
إنّ الدين يشنّ حربًا لا هوادة فيها على الرشوة والفساد، فهي المصداق الأبرز لـ (أكل أموال الناس بالباطل)، ولـ (أكل السحت)، الذي حذّرت منه الآيات القرآنية. كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[3] .
وقوله تعالى: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾[4] .
وقوله تعالى: ﴿وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾[5] .
والسّحت في الأصل: الاستئصال، ومنه سلخ الجلد عن البدن، ثم أطلقت على كلّ مال غير مشروع؛ لأنه يسحت البركة، أي يذهبها.
وورد عن النبي : (إِيَّاكُمْ وَاَلرِّشْوَةَ فَإِنَّهَا مَحْضُ اَلْكُفْرِ وَلاَ يَشَمُّ صَاحِبُ اَلرِّشْوَةِ رِيحَ اَلْجَنَّةِ)[6] .
وعنه : (لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا)[7] .
تنمية الحصانة الأخلاقية
إنّ علينا أن نخلق حصانة نفسية وأخلاقية في الوسط الاجتماعي، تحمي المواطن من الانزلاق إلى مستنقعات الرشوة والفساد، بالتحذير من ذلك في الخطاب الديني ووسائل التثقيف والإعلام، وضمن الأجواء الأسرية العائلية، وفي الجوّ الاجتماعي العام.
وقد يُستدرج الموظف من قبل أصحاب المطامع والمصالح، بعنوان تقديم الهدية له، وليس ضمن مقايضة أو عنوان رشوة، لكنّ ذلك لا يعدو أن يكون التفافًا على الحقيقة، وتسمية العمل القبيح بعنوان ظريف هو الهدية، وهي إنّما تُقدّم له لكونه في موقعه الوظيفي، ولأنّ هناك معاملة ترتبط به، ولو لم يكن في وظيفته، تلك، أو كانت معاملة مقدّم الهدية لا تمرّ عبره، لما قدّم له هديته. فهي رشوة مقنّعة، وعمل غير مشروع.
وفي السيرة أنّ رَسولُ اللهِ (اسْتَعْمَلَ رَجُلًا علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقَامَ رَسولُ اللهِ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ)[8] .
بعث «الأشعث بن قيس» حلوى لذيذة إلى بيت أمير المؤمنين علي أملًا في أن يستعطف الإمام تجاه قضية رفعها إليه، يقول : (وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ [أي من قصة عقيل] طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَة فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَة شَنِئْتُهَا، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّة أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ! أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّة، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ)[9] .
مسؤولية المواطن
وعلى المواطن ألّا يتجاوب مع رغبات الموظف الفاسد؛ حتى لا يكون مشجعًا له وشريكًا في الإثم.
ويجب التواصل مع الجهات المعنية لكشف العناصر الفاسدة في أيّ جهاز حكومي.