رؤية المرجع السيستاني في إحياء المناسبات الدينية
أخرج الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْلَأَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا وَعُدْوَانًا، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَنْ يَمْلَؤهَا قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا»[1] .
عن الإمام جعفر الصادق قال: «سُئِلَ اَلْبَاقِرُ عَنْ فَضْلِ لَيْلَةِ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: هِيَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ بَعْدَ لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ، فِيهَا يَمْنَحُ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْعِبَادَ فَضْلَهُ وَيَغْفِرُ لَهُمْ بِمَنِّهِ فَاجْتَهِدُوا فِي اَلْقُرْبَةِ إِلَى اَللَّهِ فِيهَا فَإِنَّهَا لَيْلَةٌ آلَى اَللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَرُدَّ سَائِلاً لَهُ فِيهَا مَا لَمْ يَسْأَلْ مَعْصِيَةً»[2] .
للمناسبات الدينية ثلاث وظائف رئيسة:
الأولى: تأكيد الهوية الدينية في نفوس أجيال المجتمع.
الثانية: تعزيز الانتماء الاجتماعي بالمشاركة في برامج المناسبات بمشاعر وأحاسيس مشتركة.
الثالثة: إتاحة الفرصة لنشر الوعي والمعرفة الدينية.
لكنّ مستوى تحقّق هذه الوظائف للمناسبات الدينية يرتبط بمدى الالتفات لها والسّعي لتفعيلها في الواقع الاجتماعي.
وقد تتحول المناسبة الدينية إلى مجرّد عادة متوارثة وفولكلور شعبي عند الغفلة عن وظائفها ومضامينها المستهدفة.
وقد يحصل استغلال المناسبة وتوجيهها فيما يخالف أهدافها الأساس وغاياتها المطلوبة؛ بسبب ضعف الوعي، أو نموّ توجّهات مخالفة للنهج الديني القويم.
دور القيادة الدينية الواعية
وهنا يأتي دور القيادة الدينية الواعية في تذكير أبناء الأمة بوظائف هذه المناسبات وتوجيههم لأفضل برامج استثمارها والاستفادة منها، وتنبيههم من الوقوع في الأخطاء والسّلبيات التي قد يروّج لها البعض في أجواء هذه المناسبات.
وهذا ما نجده في بيانات واستفتاءات المرجع الأعلى السيد السيستاني حفظه الله المرتبطة ببعض المناسبات الدينية، كالخطاب الذي صدر عن مكتبه أخيرًا حول ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج) في النصف من شهر شعبان[3] ، والوصايا المهمة التي وجهها للخطباء والمبلغين بمناسبة شهر المحرم في سنوات سابقة[4] .
إنّ بعض الجهات الدينية قد ترى أنّ المهم هو حشد الجمهور وتحفيزهم لإحياء المناسبات والشعائر دون إبداء رأي في البرامج والأساليب والأفكار التي تطرح في هذه المناسبات، فندع الناس يحيون هذه المناسبات والشعائر كما يرغبون، أو حسبما تطرح أيّ جهة من أساليب مستحدثة وآراء منقولة من التراث دون دراسة وتمحيص.
لكنّنا نجد في بيانات المرجع السيستاني رؤية واعية لإحياء المناسبات والشعائر الدينية لم تأخذ مداها المطلوب في التبيين والنشر في أوساط جماهير الأمة.
معالم الرؤية
ويمكننا أن نستخلص بعض معالم تلك الرؤية في النقاط التالية:
أولًا: التأكيد على أهمية المعرفة الدينية المستقاة من المصادر المعتبرة، وفي طليعتها القرآن الكريم، يقول دام ظله: (الاهتمام بالقرآن الكريم في الخطاب اهتمامًا أكيدًا، فإنّه رسالة الله سبحانه إلى الخلق كافّة وثقله الأكبر في هذه الأمّة وميزان الحقّ والباطل، وقد أنزله الله سبحانه هدًى ونورًا وبصائر للناس، وهو ذكر مبارك وحكيم، وإنّما كانت سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم وتضحياتهم تطبيقًا لتعاليمه وامتثالًا لها، فينبغي أن يكون هو واجهة الخطاب ووجهه ويكون ذكر ما سواه في ظلّه وتحت لوائه).
(تضمين الخطاب ـ حيث يقتضي المقام بنحوٍ ما ـ ما يثبت أصول العقيدة الحقّة ودلائلها المحكمة من أدلّة قويّة ووجدانيّة بأساليب ميسّرة وقريبة من الفهم العامّ، كما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبويّة وآثار العترة الطاهرة، وذلك لمزيد ترسيخها في نفوس الناس ودفع الشكّ والشبهة عنها بما يزيح تلك الشبهة عنها ويزيل وهن التقليد والتلقين فيها)[5] .
أهمية السّلوك والأخلاق
ثانيًا: يركز السيد السيستاني على أهمية السّلوك والأخلاق في حياة الإنسان المؤمن، وأن تكون المناسبات الدينية باعثًا لذلك الاهتمام، يقول دام ظله: (وليسعَ كلّ امرئ منهم أن يكون بسلوكه وأخلاقه وهديه زينًا لهم ولا يكون شينًا عليهم، فيلتزم بتعاليم الشّرع الشّريف من أداء الفرائض وترك المآثم والفواحش، والتحلّي بمكارم الأخلاق، مثل الصّدق وحسن الخلق وكفّ الأذى عن الآخرين والعفاف في القول والمظهر والسّلوك وإعانة الضعفاء والفقراء واليتامى والمضطرين، والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام، فإنّ فيها رضا الله سبحانه ورسوله ومسرّة الإمام وفي ذلك خير الدنيا والآخرة)[6] .
الوفاق الاجتماعي
ثالثًا: التوجيه للوفاق والانسجام والتكافل الاجتماعي، يقول حفظه الله (وليتعاون المؤمنون في زمان الغيبة بما يقتضيه الولاء فيما بينهم بالبر والتقوى وليتواصوا بالحقّ والصّبر وليحذروا عن التشتت والتفرقة والتباغض.
وليرعَ الأغنياء الذين وسّع الله تعالى عليهم الفقراء والمحتاجين والمستضعفين والمضطرين بأداء ما عليهم من الحقوق الشرعية وسائر ما تستوجبه حالات الاضطرار وتقتضيه شريعة الإحسان)[7] .
(تجنّب طرح ما يثير الفرقة بين المؤمنين والاختلاف فيهم، والاهتمام بالحفاظ على وحدتهم وتآزرهم والتوادّ بينهم.
ومن وجوه ذلك تجنّب التركيز على جهات التمايز بينهم، مثل اختلافهم في التقليد وفيما يختلف المجتهدون فيه من تفاصيل بعض المعتقدات، بل كلّ خلاف بينهم لا يـُخرِج بعضهم عن التمسّك بالكتاب والعترة حتّى لو نشأ عن الاختلاف في درجات إيمانهم أو بصيرتهم أو التزامهم أو رشدهم، بل حتّى لو كان عن زلّة صادرة من بعضهم. ولا ينبغي إشهار الزلّة والتشهير بصاحبها)[8] .
التحذير من المرويات غير المنقّحة
رابعًا: التحذير من الثغرات والأخطاء الناتجة من نقل الروايات والحوادث التاريخية غير المحققة، يقول دام تأييده: (من البدع المهلكة الدعوة إلى الرجوع إلى كلّ ما نسب إلى الأئمة من دون معرفة واختصاص ولا تنقيح وتمحيص).
(وليحذروا من مزاعم توقيت الظهور أو ما بمنزلتها أيًّا كان زاعمها؛ لما ورد من النهي المؤكد عن مثل ذلك وتكذيب من ادّعاه، وتشهد عليه التجارب المتكررة حيث صدرت هذه المزاعم كثيرًا في التاريخ، ثم استبان كذبها والوهم فيها).
كما حذّر من (الوقوع في فخّ من يدّعي النيابة الخاصّة أو يزعم الاتصال الخاصّ وينقل عنه (عليه السلام) تعليمات خاصّة، فإنّ هؤلاء قطاع طرق لعقائد الشيعة في رجوعهم إلى أهل البيت )[9] .
إنّ هذه التوجيهات الحكيمة يجب أن تكون نصب أعيننا في إحيائنا للمناسبات الدينية لنستثمرها ونستفيد منها بالشكل الأمثل.