اختراق المشكلات
يقول تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. [يوسف: 87]
يودّ الإنسان أن يعيش حياة هادئة هانئة بلا مشاكل ولا صعوبات، ويتمنّى أن يكون طريق حياته مفروشًا بالورود والرياحين، يخلو من العراقيل والعقبات.
لكنّ هذه الأمنية التي تدغدغ نفس كلّ إنسان ليست قابلة للتحقق؛ لأنّها تخالف طبيعة الحياة التي تحكمها سنن وقوانين، ولا تسيّرها الرغبات والأمنيات.
يقول تعالى: ﴿أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ﴾
فعلى الإنسان أن يهيئ نفسه لمواجهة مشاكل الحياة، وأن يقرّر نهجًا وأسلوباً للتعامل معها.
حين يواجه الإنسان مشكلة عليه ألّا يستسلم لها، وألّا ينهزم أمامها، بل عليه بالدرجة الأولى أن يفكر في معالجة المشكلة وفي التغلب عليها.
فليست كلّ مشكلة لا يمكن معالجتها. كثير من المشاكل قابلة للحلّ. لكنّ ذلك رهن بتوجه الإنسان لحلّ المشكلة ولمواجهتها. على الصعيد الفردي والاجتماعي.
المشاكل التي يواجهها المجتمع، قسمٌ كبيرٌ منها قابلٌ للحلّ. لكن بشرط أن تكون هناك إرادة لمواجهة المشكلة ولحلّها. البعض من الناس أفرادًا ومجتمعات يكتفون بالتأوه والتألم ويتحدثون عن معاناتهم ومظلوميتهم ويجترون الغبن ويقفون عند هذا الحد.
نهج التعامل مع المشكلات
إنّ النهج السليم في التعامل مع أيّ مشكلة يمرّ بالمحطات التالية:
أولًا: دراسة المشكلة دراسة موضوعية، سواء أكانت مشكلة صحية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وتعني دراسة المشكلة التأكد من حقيقة وجودها ومن حدود حجمها، ذلك أنّ بعض المشاكل تكون صنيعة وهم الإنسان، ولا وجود حقيقيًّا لها، وتشير بعض التقارير الطبية مثلاً إلى شياع الأمراض الوهمية.
(30 في المئة من الأشخاص الذين يزورون طبيب العائلة أو الطبيب العام، و50 في المئة من النساء اللاتي يزرن الطبيب، يعانون من أعراض لا يمكن أن تعزى إلى أسباب جسدية)[1] .
وفي مجال العلاقات البينية ربما يتصور الإنسان مشكلة بينه وبين آخر، بناءً على سوء ظنٍّ نشأ في نفسه، أو معلومة خطأ وصلت إليه، أو لتفسير متكلّف عن كلام أو موقف لآخر.
كما أنّ على الإنسان أن يحدّد حجم المشكلة ليكون اهتمامه بها متناسباً مع حجمها، فلا تتضخم المشكلة الصغيرة أو يصحبها تهويل وترهيب.
ثانيًا: تحمّل المسؤولية. بأن يعترف الإنسان بمدى مسؤوليته في حدوث المشكلة. هذه المشكلة التي تعيشها قد تكون بسبب خطئك وتقصيرك. لعلّك مسؤول عن جزء من المشكلة. تحمّل مسؤوليتك وغير من ذاتك، وأسلوبك، الإنسان قد يغالط نفسه، ويُلقي باللائمة على الآخرين، ويحمّلهم كامل المسؤولية، مبرئاً نفسه.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ قسم كبير من المشاكل بسبب أخطاء الإنسان نفسه، والغفلة عن هذه الحقيقة أو التنكر لها لا يساعد في حلّ المشكلات.
ثالثًا: التفكير في الحلول، انطلاقاً من أنّ لكل مشكلة حلًّا، ومن الإيمان بطاقة الإنسان الخلاقة وقدرته العقلية الثاقبة،
يقول الإمام علي فيما روي عنه: "بِالْفِكْرِ تَنْجَلِي غَيَاهِبُ اَلْأُمُورِ"[2] .
فلا يقع الإنسان تحت هيمنة العواطف والانفعالات وإنّما يرجع إلى عقله وفكره.
رابعًا: أن يبذل الإنسان جهده عمليًّا لمواجهة المشكلة.
إنّ على الإنسان أن يسعى لاختراق المشكلة التي تواجهه، بالبحث عن الحلول والمعالجات، والاستمرار في السعي للتغلب على المشكلة.
لا للإحباط واليأس
وأسوأ ما يقع فيه الإنسان تجاه أيّ مشكلة هو سيطرة اليأس والإحباط على نفسه، مما يشلّ تفكيره ويوقف حركته.
والآية الكريمة يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. [يوسف: 87] تقدّم لنا درساً مهمًّا من حياة نبي الله يعقوب ، فرغم مضي سنوات على فقده لولده يوسف، وبعد ذلك فقده لولده الآخر شقيق يوسف، إلّا أنه كان يعيش الأمل والرجاء، إنه يحفّز أبناءه للذهاب مرة أخرى إلى مصر ويطلب منهم البحث عن يوسف وأخيه، وكانوا يعتقدون بهلاك يوسف ويعاتبون أباهم على الاستمرار في تذكره ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾.
وقد أدرك يعقوب مشكلة أبنائه وهي سيطرة الياس على نفوسهم، فطلب منهم تجاوز حالة اليأس.
وتفيد التقارير التي تتحدّث عن أرقام حالات الانتحار في العالم، أنّ اليأس والإحباط هو الباعث الأساس للتوجه لإنهاء الحياة.
ففي اليابان أفادت بيانات حكومية يابانية عن وقوع 21 ألف و7 حالات انتحار بين الرجال و7068 بين النساء عام 2021 الماضي. بتأثير المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد (انتحر 332 من طلاب المراحل الابتدائية، الإعدادية، والثانوية في عام 2018، وفقًا لبحث أجرته وزارة التعليم اليابانية.
وشمل هذا الرقم 227 من طلاب المرحلة الثانوية، و100 من طلاب المرحلة الإعدادية، و5 طلاب في المرحلة الابتدائية، ومن بين 332 طالبًا، كان هناك 193 من الفتيان و139 من الفتيات)[3] .
وقد أنشأت اليابان وزارة للعزلة والوحدة للحدّ من حالات الانتحار، وعيّنت وزيرًا مسؤولًا عن محاربة الشعور بالوحدة والعزلة في البلاد.
كما أنّ من مضاعفات انتشار اليأس والإحباط، الإصابة بالأمراض والعقد النفسية الخطيرة.
ففي بلادنا كشفت نتائج مشروع المسح الوطني للأمراض النفسية وضغوط الحياة المسبّبة لها أنّ الشباب يمثلون 40% من إجمالي المصابين بالاضطرابات والأمراض النفسية في المملكة.
كما أبان المسح أنّ المواطنين الأكثر تعليماً هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية مقارنة بالأقلّ تعليماً.
علينا أن نستحضر ثقافة الأمل والعمل على اختراق المشكلات، وأن نشيع هذه الثقافة في بيوتنا بين أبنائنا وبناتنا، وفي الأجواء العامة لمجتمعنا، كجزء من ثقافتنا الدينية ووعينا بواقع الحياة.
فاليأس من روح الله مظهر من مظاهر الكفر، يقول تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. [يوسف: 87]
وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾. [الحجر: 56]
ذلك أنّ المؤمن بقدرة الله وعلمه ورحمته لا يسمح لليأس أن يسيطر على نفسه.
إنّ أبناءنا وبناتنا وهم يدخلون معترك الحياة بحاجة إلى من يرفع معنوياتهم، ويرشدهم إلى أفضل السبل لمواجهة المشكلات، حتى لا يقعوا ضحايا اليأس والإحباط، والمواقف الانفعالية في إدارة شؤون حياتهم الفردية والعائلية والاجتماعية.
الابتهاج بالعام الدراسي الجديد
نستقبل هذا الأسبوع العام الدراسي الجديد، حيث يستعدّ أبناؤنا وبناتنا للعودة إلى مقاعد الدراسة، ومن بينهم من يبدأ الالتحاق بالتعليم هذا العام.
كما يستعدّ المعلّمون والمعلّمات والعاملون في إدارات التعليم وقيادة المدارس لاستئناف عملهم في أهم الوظائف وأقدسها، وهي تعليم أجيال المستقبل.
وأهم ما يجب التأكيد عليه في هذه المناسبة المهمة المباركة، هو الاستعداد والتهيؤ النفسي، بأن نستقبل العام الدراسي الجديد بإشاعة أجواء الابتهاج والفرح في نفوس أبنائنا وبناتنا ليبدؤوا عامهم الدراسي برغبة وشوق.
وكذلك في أوساط المعلمين وإداريي المدارس، ليستأنفوا مهمتهم بجدّية وإخلاص، فأجيال المستقبل أمانة في أعناقهم.
وحقّ للأسرة أن تبتهج؛ لأنّ أبناءها يقطعون شوطًا دراسيًّا جديدًا، ويتقدّمون خطوة على طريق العلم والمعرفة.
وللأسرة دور أساس في صناعة البهجة وبعثها في نفوس الطلاب والطالبات من أبنائها، الذين قد يشعرون بثقل الالتزام الدراسي بعد أن عاشوا فترة راحة وخلوٍّ من الالتزام أيام العطلة الصيفية.
إنّ للتحفيز والتشجيع أثرًا كبيرًا في نفوس الأبناء والبنات، ولا يصح أبدًا تضخيم الملاحظات والانتقادات على الحالة التعليمية أمامهم، بل يجب إبراز الإيجابيات والفوائد التي يكسبونها من خلال تفاعلهم الدراسي.
إنّ الرغبة والاندفاع النفسي عنصر مهم في العملية التعليمية، وكما يقول الإمام علي : (عَلَى اَلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَدْأَبَ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ اَلْعِلْمِ وَلاَ يَمَلَّ مِنْ تَعَلُّمِهِ)[4] .
نسأل الله تعالى لأبنائنا وبناتنا التوفيق والنجاح، وأن تقرّ بهم عيون أهاليهم ومجتمعهم ووطنهم، ونأمل من كلّ المدرسين والمدرسات المزيد من العطاء والاجتهاد في أداء وظيفتهم المقدّسة.
وكلّ عام دراسي جديد والجميع بخير والوطن في أمنٍ وأمان، وتقدّم وازدهار.