العلاقات الاجتماعية ولغة التخاطب

 

يقول تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا. [الإسراء: 53].

لغة تخاطب الإنسان مع من حوله لها دور مؤثر وأساس في شكل ومستوى علاقاته معهم.

ذلك أنّ التخاطب هو وسيلة التواصل بين الناس، وتبادل الآراء والأفكار، والتعبير عن المشاعر والأحاسيس.

إنه المرآة التي يراك الآخرون من خلالها، ويتعرفون من خلال كلامك على نظرتك لهم، وموقفك نحوهم ومشاعرك تجاههم.

ورد عن علي : «صُورةَ الرّجُلِ في مَنطِقهِ»[1] .

وعنه : «المَرءُ مَخبوءٌ تَحتَ لِسانِهِ»[2] .

والأصل في التخاطب أن يتم عن طريق الكلام باللسان، كما يجري عبر الكتابة، أو لغة الإشارة.

قولوا للناس حسنًا

وإذا أراد الانسان أن تكون علاقته مع الآخرين حسنة، فعليه أن يستخدم اللغة الحسنة في التخاطب معهم، يقول تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: الآية 83].

أَخَذَ رَجُلٌ بِلِجَامِ دَابَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَيُّ اَلْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ : «إِطْعَامُ اَلطَّعَامِ، وَإِطْيَابُ اَلْكَلاَمِ»[3] .

وقد ورد عن علي : «ما مِنْ شَيْء أجْلَبَ لِقَلْبِ الإنْسانِ مِنْ لِسان»[4] .

وعنه : «مَنْ عَذُبَ لِسانُهُ كَثُرَ إخْوانُهُ»[5] .

وعنه : «عَوِّدْ لِسَانَكَ لِينَ اَلْكَلاَمِ وَبَذْلَ اَلسَّلاَمِ يَكْثُرْ مُحِبُّوكَ وَيَقِلَّ مُبْغِضُوكَ»[6] .

إنّ من يخاطب الناس بأدب واحترام، ويتحدّث لهم بلباقة ولغة جميلة، ويبدي لهم المحبة والتقدير، من الطبيعي أن يحظى بمحبتهم وتقديرهم، وأن يتخاطبوا معه بنفس لغة تخاطبه معهم.

ورد عن الإمام محمد الباقر : «قُولُوا لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ»[7] .

البذاءة تنتج العداوة والبغضاء

وعلى العكس من ذلك، فإنّ مخاطبة الآخرين بلغة الإساءة والبذاءة، تجرح مشاعرهم، وتنفّر نفوسهم، وتدمّر العلاقة معهم.

لذلك يقول تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا. [الإسراء: 53].

فلا يكتفي الإنسان بمستوى القول الحسن، بل عليه أن يرتقيَ إلى القول الأحسن، فينتقي أجمل العبارات، وأرقّ الكلمات في الحديث مع الآخرين.

لأنّ أيّ كلمة نابية أو عبارة سيئة ستعطي الفرصة للشيطان لإيقاع العداوة والبغضاء، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ. [المائدة: 91].

ورد عن الإمام علي : «ضَرْبُ اَللِّسَانِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ اَلسِّنَانِ»[8] .

يقول الشاعر يعقوب الحمدوني:

جِراحات السِّنانِ لها التِئامُ       وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ

وعنه : «مَنْ سَاءَ لَفْظُهُ سَاءَ حَظُّهُ»[9] .

وعنه : «إِيَّاكَ وَمُسْتَهْجَنَ اَلْكَلاَمِ فَإِنَّهُ يُوغِرُ اَلْقُلُوبَ»[10] .

استقامة اللسان

إنّ على الإنسان أن يربّي نفسه ويعوّدها الالتزام بحسن القول، وأدب الخطاب، وألّا يسمح لنفسه باستخدام الكلمات البذيئة الهابطة.

ورد عن رسول الله : «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»[11] .

وجاء في رسالة الحقوق المروية عن الإمام زين العابدين : «وَحَقُّ اللِّسَانِ إِكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَا وَتَعْوِيدُهُ الْخَيْرَ وَتَرْكُ الْفُضُولِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ لَهَا وَالْبِرُّ بِالنَّاسِ وَحُسْنُ الْقَوْلِ فِيهِمْ»[12] .

ولتعزيز نهج التخاطب الحسن عند الإنسان، وإبعاده عن لغة البذاءة والإساءة، تؤكد التعاليم الدينية على ما يلي:

أولًا: عدم استخدام لغة البذاءة حتى في الحديث عن غير البشر كالحيوانات والجمادات والظواهر الطبيعية، حتى لا يتعوّدها لسانه.

وورد أنّ أحد الصحابة قال لبعيره: شَأْ، لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ : «مَن هذا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟» قالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: «انْزِلْ عنْه، فلا تَصْحَبْنَا بمَلْعُونٍ»[13] .

وعنه : «لَا تَسُبُّوا اَلرِّيَاحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَلاَ تَسُبُّوا اَلْجِبَالَ، وَلَا اَلسَّاعَاتِ، وَلَا اَلْأَيَّامَ، وَلَا اَللَّيَالِيَ فَتَأْثَمُوا وَتَرْجِعَ عَلَيْكُمْ»[14] .

وعنه : «إِيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ، فإنَّ اللهَ لا يحبُّ الفَاحِشَ والمتفحش»[15] .

عن عليٍّ : «سُنَّةُ اَللِّئَامِ قُبْحُ اَلْكَلاَمِ»[16] .

الصادق : «إِنَّ اَلْفُحْشَ وَاَلْبَذَاءَ وَاَلسَّلاَطَةَ مِنَ اَلنِّفَاقِ»[17] .

حتى مع المخالفين والبذيئين

ثانيًا: النهي عن استخدام لغة البذاءة حتى مع المخالفين والمناوئين، تعزيزًا للابتعاد عن هذا الأسلوب في التخاطب، ولتقديم النموذج الأفضل في التعامل.

يقول تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. [العنكبوت: 46].

سمعَ عليٌّ قومًا من أصحَابهِ يسبّونَ أهلَ الشامِ أيّام حربهم بصفين، فقال : «إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ»[18] .

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «مَعَاشِرَ اَلشِّيعَةِ، كُونُوا لَنَا زَيْنًا، وَلاَ تَكُونُوا عَلَيْنَا شَيْنًا، قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، وَاِحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُفُّوهَا عَنِ اَلْفُضُولِ وَقُبْحِ اَلْقَوْلِ»[19] .

ثالثًا: الحذر من استدراج البذيئين لاستخدام لغتهم كردّ فعل لبذاءتهم وإساءتهم.

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. [الفرقان: 63].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. [الفرقان: 72].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ. [القصص: 55].

رسول الله : «مَنْ قَالَ لَكَ: إِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً، سَمِعْتَ عَشْرًا، فَقُلْ: إِنْ قُلْتَ عَشْرًا لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً. وَمَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي مَا تَقُولُ، فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي؛ وَإنْ كُنْتَ كَاذِبًا فِيمَا تَقُولُ فَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ»[20] .

وقال الشاعر شَمِر بن عمرو الحنفي:

وَلقدْ مَرَرْتُ عَلَى اللَّئيمِ يَسُبُّنِي           فَمَضيْتُ، ثُمَّتَ قُلْتُ: لاَ يَعْنِينِي

الأقربون أولى

رابعًا: الدائرة القريبة من الإنسان هي الأولى بحسن التعامل والتخاطب، وليس صحيحًا أن يتساهل الإنسان في لغة تخاطبه مع من هم تحت رعايته كعياله وخدمه، لما لذلك من أثر تربوي ونفسي.

ولتأثيره على مستوى العلاقة ورد عن الإمام علي : «لاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى اَلنَّاسِ بِكَ»[21] .

للمشاهدة

https://www.youtube.com/watch?v=1bT891tu0EY

خطبة الجمعة 1 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 25 نوفمبر 2022م.

[1]  بحار الأنوار، ج68، ص293.
[2]  نهج البلاغة، حكمة 148.
[3]  بحار الأنوار، ج68، ص312.
[4]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص700.
[5]  المصدر السابق، ص578.
[6]  عيون الحكم والمواعظ، ص340.
[7]  تحف العقول: ص300.
[8]  بحار الأنوار: ج68، ص286.
[9]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص666.
[10]  المصدر السابق، ص168.
[11]  نهج البلاغة، خطبة 176. الألباني: صحيح الترغيب، ح2554.
[12]  من لا يحضره الفقيه، ج2، ص619.
[13]  صحيح مسلم، ح3009.
[14]  بحار الأنوار، 56، ص2.
[15]  الألباني: صحيح الترغيب، ح2603.
[16]  عيون الحكم والمواعظ، ص283.
[17]  الكافي، ج2، ص325.
[18]  نهج البلاغة، خطبة: 206.
[19]  بحار الأنوار، ج65، ص151.
[20]  نفس المصدر، ج1، ص224.
[21]  بحار الأنوار، ج71، ص165.