الجمعة وخطبتها
كان المسجد أول لبنات البناء المؤسسي للدولة والجماعة وكانت صلاة الجمعة وخطبتها هو البيان الذي تعلن فيه سياستها العامة ومعالجة شؤونها، وقد حرص النبي ص في أول أيام قدومه للمدينة دار هجرته أن يبدأ مراسم الجمعة حتى قبل نزوله في ديار بني النجار حيث أسس مسجده حين نزل في طريقه من قباء إلى ديار بني النجار وصلى الجمعة في المنتصف فيما يعرف اليوم بمسجد الجمعة رغم قصر المسافة بين المكانين، وذلك تأكيدا لأهمية الجمعة وتعليم الجماعة أمور الحياة قبل الحديث عن أمور الآخرة، وكان إذا حزب الناس أمر دعا النبي» ص «الصلاة جامعة فيجتمع الناس في المسجد لسماع ما حدث ومناقشة ما يجب اتخاذه في أمور الدنيا قبل أمور الآخرة، منذ ذلك الوقت إلى الآن كان المسجد مرتكز النشاط وكانت خطب الجمعة بيانا لحالات الناس ومعالجة للشؤون الدنيا والآخرة، إلا أنه مع الزمن تلاشى الجانب الاجتماعي في خطب الجمعة وزاد الحديث عن الجزاء والحساب ومصير الإنسان بعد موته، وعمد خطباء الجمعة إلى أحاديث الوعظ وترقيق القلوب وما يواجه الإنسان من جزاء على أعماله بينما تضاءل الاجتماعي الذي يعالج هموم الناس اليومية.
وقد كان من عادتي ألا أكرر الصلاة في مسجد واحد وأفضل التنقل بين المساجد وسماع الخطب من أئمة كرام وقد لاحظت فيما استمعت إليه أن الكثير منهم تخلو خطبهم من مناقشة حياة الناس اليومية، وتركز على المعاد وأعمال الآخرة وجزائها، كما تابعت ما تجود به وسائل الاتصال الحديث من نقل للخطب في أيام الجمع من مناطق مختلفة فلا أسمع تغييرا كثيرا، وهذا الكلام لا يعني التعميم على كل حال، ولكنها الملاحظة على ما يحدث وقد يكون الاستثناء موجودا ولكنه القليل، ومن الاستثناء الذي أقرؤه ما يسجله ويبعثه مكتب سماحة الشيخ حسن الصفار في المنطقة الشرقية، فما اطلعت عليه من خطبه تركز على معالجات اجتماعية حادثة أو متوقعة الحدوث لقضايا المجتمع وحاجاته وعلاقاته وشؤون الحياة العامة بلغة سهلة قريبة من فهم الناس وإدراكهم، حتى أنك لو جردت بعض خطبه من مصطلحات دينية لا بد منها للصلاة والعبادة، لكانت مقالا اجتماعيا يمكن نشره في أي جريدة، وقراءته على أنه معالجة اجتماعية أدبية تميل إلى لغة سهلة ميسرة للمستمعين مما يعانيه المجتمع ويحتاج إليه، وليس ذلك الإغراق في الوعظ المجرد، ولا شك في أن مع سماحة الشيخ الصفار من هم مثله من الخطباء ولكنهم قليل كما أسلفت.
إن أغلب من يحضر خطب الجمعة وصلاتها من عامة الناس الذين تشغلهم أعمالهم ويحتاجون إلى التثقيف والتوعية بشؤونهم، وزادهم من المعرفة هو السماع للخطب من جمعة إلى الجمعة التي تليها وسماعهم هو حصيلتهم الثقافية التي يحافظون عليها فليكن لهؤلاء حظ من التوعية والتثقيف يا أئمتنا الكرام حفظكم الله.