المشاركة المجتمعية في الحرب على المخدِّرات
يقول تعالى: ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾. [النساء: 38]
العنصر الأشدّ خطورة في تعاطي المخدِّرات، هو حصول حالة الاعتماد النفسي والجسمي على تناول المخدِّر، والوصول إلى مرحلة الإدمان، فيصبح المدمن أسير رغبة قهرية للاستمرار في تعاطي المادة المخدِّرة، والحصول عليها بأيِّ وسيلة، مع الميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة، مما يسبّب اعتمادًا نفسيًّا وجسميًّا.
ويقع المدمن تحت ضغط جسمي ونفسي شديد، يدفعه للحصول على المخدِّر وتناوله، ويكون مندفعًا لذلك بقوة، ومستعدًّا لاستخدام مختلف الوسائل مهما كانت إجرامية وعدوانية.
إنّ المتورّط في الإدمان على المخدِّرات قد يفقد السيطرة على نفسه، ويندفع للقيام بأيِّ عمل تحت ضغط الحاجة للحصول على المخدِّر، أو تحت تأثير المخدِّر، الذي يتحوّل إلى قوة شيطانية تحكم تصرفاته، إنه أبرز مصداق لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [سورة النساء، الآية: 38].
الوقوع في فخّ المخدِّرات
حينما يبدأ الفرد تجربة تناول المخدِّر لا يكون مدركًا لآثاره، فقد يدفعه لذلك حبّ الاستطلاع، أو بهدف الابتهاج، أو لأنه يعيش حالة فراغ، أو استجابة ومحاكاة للزملاء والأصدقاء، أو للتعبير عن تمرّد، أو هربًا من الهموم والمشاكل، حيث يعيش بتناول المخدِّر حالة من النشوة والتخيّل النفسي الذي يبعده عن مشاكله وهمومه.
إنّ الجرعة الأولى بداية السّقوط الخطير، والنهاية المأساوية، حيث يجد نفسه بعد ذلك أسيرًا في هذا الفخ، ويكون هاجسه الأساس ومطلبه الأهم هو المخدِّر، والحصول عليه بأيِّ طريقة وثمن، وقد يكون ثمنه كبيرًا؛ لأنّ القوانين تحظر تداوله، لذلك فإنه يسلك الطرق الملتوية والإجرامية والعدوانية من أجل الحصول عليه، وهنا تكون الخطورة على حياة الفرد، وكيان الأسرة، وأمن المجتمع والوطن.
تدمير حياة الفرد
إنّ الإدمان يدمّر حياة الفرد، حيث يقوده إلى الانحراف والإجرام، ويسلبه إنسانيته، ويفقده أيّ تطلّع وطموح، عدا الحصول على كمية من المواد المخدِّرة.
كما يقضي معظم المدمنين وقتًا طويلًا تحت تأثير المخدِّر، مما يؤدي إلى إهمال الصحة، والتسيّب الدراسي، وعدم الالتزام الوظيفي والعملي، فضلًا عن الاهتمام بتنمية أيّ طاقة أو موهبة في شخصيته.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإنّ تعاطي المخدِّرات مسؤول عن وفاة 500 ألف شخص كلّ عام.
وتتحدّث التقارير عن الآثار التدميرية لبعض المخدِّرات على شخصية متعاطيها، كمادة (الشَّبو) واسمه العلمي (ميثامفيتامين)، ويُعرف بأسماء عدّة، أشهرها الثلج أو الكريستال ميث، وهو مادة خطيرة جدًّا تسبب الإدمان، ويرتبط بمشاكل صحية جسدية وعقلية مزمنة[1] .
وعلى صعيد الأسرة، فإنّ المدمن، لا يرجى منه تحمّل مسؤولية إدارة أسرته، بل يكون عبئًا على أسرته، ومدمّرًا لها.
خطر على أمن المجتمع والوطن
والمدمن يصبح خطرًا على الأمن الاجتماعي؛ لأنه قد ينشر داءه إلى الآخرين، ولا يتورّع عن القيام بأيّ إجرام أو عدوان، تحت ضغط الحاجة إلى المخدِّر، أو بفعل تأثيره، وخاصة بعض المخدِّرات كالشَّبو الذي يخلق من المدمن شخصية شديدة العدوانية، يشعر بالثقة والقوة، ويصعب عليه النوم، وقد (يصاب بجنون العظمة أو الهلوسة، أو يشعر بالضيق الشديد والحزن.
وقد تتسبّب الجرعات العالية المتكرّرة في نوبات من “الذهان”، تشمل أوهام جنون العظمة والهلوسة والسلوكيات غير العادية أو العدوانية أو العنيفة التي يمكن أن تستمرّ أيامًا.
ويمكن أن تؤدي الجرعات المفرطة إلى السكتات القلبية أو فقدان الوعي أو الوفاة)[2] .
وأشارت (إحدى الدراسات التي أجريت في مدينة جدة إلى ارتفاع في عدد الوفيات المتعلقة بتعاطي الميثامفيتامين (الشبو) بنسبة 500% خلال الفترة من عام 2016 إلى 2018م)[3] .
إنّ كثيرًا من الأحداث السلبية التي رصدت، كالقتل والانتحار والسرقة والاعتداء على الآخرين والوفاة المفاجئة، تحدث بسبب تعاطي المخدِّرات.
وقال تقرير نشره موقع معهد (بروكينجز) في واشنطن أنّ 3 من بين 5 سجناء يعانون مشكلة الإدمان على المخدِّرات[4] .
والمدمنون ثغرة في جدار الأمن الوطني، حيث تستغلّهم الجهات المعادية للوطن، وكثيرًا ما تستفيد الجماعات الإرهابية من سلاح المخدِّرات في الاستقطاب وتطويع مجنّديها.
وتدفع المكلّفين منهم بأعمال العنف والإرهاب إلى تناول المخدِّرات ليكونوا أكثر وحشيةً وتهورًا.
من هنا تتخذ الحكومات والدول أشدّ الإجراءات ضدّ ترويج المخدِّرات، التي أصبحت أكبر معضلة تواجه العالم، ومن أخطر الظواهر ومشكلات العصر الحديث.
وأشار تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدِّرات والمؤثرات العقلية الصادر بتاريخ 2019م إلى وجود 269 مليون شخص يتعاطون المخدِّرات حول العالم.
والإحصاءات العالمية تفيد أنّ تعاطي المخدِّرات يمثل 5% من العالم.
استنفار الجهد المجتمعي
يؤكّد الخبراء والمختصّون، الأمميون أنه مهما بلغت كفاءة أجهزة مكافحة المخدِّرات في الدولة، فإنّها لا تضبط إلّا نحو 15% من المخدِّرات الداخلة إلى أراضيها[5] .
وبعض أنواع المخدِّرات كالشَّبو التي تصنّع محليًّا تضاعف المشكلة.
إنّ ذلك هو ما يوجب استنفار الجهد المجتمعي إلى جانب جهود الدولة في الحرب على المخدِّرات.
ومن أهمّ مجالات المشاركة المجتمعية هو مجال بثّ الوعي بأخطار المخدِّرات، وطرق الاستدراج إليها من قبل المروّجين.
إنّ توعية أبناء المجتمع وخاصة الشباب، حتى لا يستدرجوا ولا يقعوا في شباك مروجي المخدِّرات أمر بالغ الأهمية، فبحسب الأبحاث إنّ 56% من المتعاطين أعمارهم دون 19 سنة، و4% تعاطوا المخدِّرات قبل سنّ 13 سنة.
هناك عصابات ومافيات تعمل على مستوى العالم لترويج المخدِّرات، وجني العائدات المالية الضخمة. إنّ السُّوق السوداء للمخدِّرات في العالم تقدّر بـ 300 مليار دولار سنويًّا[6] ، كما أنّ وجود الحروب، وانفلات الأمن في بعض المناطق، يجعلها بؤرًا لإنتاج المخدِّرات وترويجها في العالم، وخاصة في المناطق المحيطة بها، من أجل تمويل المليشيات المسلّحة فيها.
لا بُدّ من قيام مؤسسات أهلية ومبادرات مجتمعية، تهتمّ بنشر الوعي في صفوف أبناء المجتمع، وترشد الأسر إلى أفضل طرق الحماية والتعامل مع الحالات المرضية، وتساعد على إنقاذ المدمنين وعلاجهم، على غرار الجمعية الخيرية للمتعافين (تعافي) ومقرّها الدمام، وجمعية (كفى) في مكة المكرمة، وجمعية (عون) في منطقة عسير.
مستشفى الجبر لعلاج الإدمان
وأشيد هنا بالمبادرة المجتمعية الرائعة، التي قامت بها مؤسسة عبدالعزيز ومحمد وعبداللطيف، أبناء حمد الجبر في الأحساء، وهي إنشاء مستشفى الجبر لعلاج الإدمان، بكلفة أولية تقدر بـ 35 مليون ريال، يشتمل على ستّ عيادات خارجية، وثلاث عيادات طب نفسي، ومبنى لاستضافة المتعافين من الرجال يتكون من 30 غرفة، ومبنى آخر لاستضافة المتعافيات من النساء يتكون من 20 غرفة، إضافة إلى الخدمات التي تساعد المتعافين على قضاء أوقاتهم في المركز من صالات ألعاب رياضية، ومكتبة، وقاعات طعام، وغرف لاستقبال زيارات ذوي المتعافين.
جمعيات ولجان تخصّصية
إنه لا بُدّ من تأسيس جمعيات تخصّصية ضمن أنظمة العمل التطوعي المعمول بها في البلاد، كما يمكن للجمعيات الخيرية والأندية الرياضية، تكوين لجان تهتم بالتوعية وإنقاذ المدمنين.
وقد بادرت جمعية مضر الخيرية بالقديح لإنشاء لجنة السلامة المجتمعية (التعافي)، منذ 15 عامًا، وبلغ عدد المتعافين الذين تلقّوا الدعم والمساندة من الجمعية أكثر من 500 شخص، تم تأهيل بعضهم بعد التعافي، والبحث لهم عن فرص عمل، وتقديم مساعدات زواج لهم.
كما هيّأت الجمعية سكنًا خيريًّا لاستقبال المدمنين المتعافين بعد خروجهم من المستشفى، يطلق عليه منزل منتصف الطريق، لحمايتهم من الانتكاسة والعودة إلى الأجواء السلبية السابقة، بلغ عدد المستفيدين منه حوالي 137 شخصًا.
وتهتم الجمعية بمساعدة أسر المدمنين، ورفع مستواهم المعيشي، ونأمل أن تقوم جمعيات أخرى بتأسيس لجان مشابهة.
وفي إطار هذه الحملة التي تقوم بها الدولة على المخدِّرات، يجب التبليغ عن المروّجين للمخدِّرات، فهم تجار الموت والسُّموم بين أبنائنا وبناتنا، ولا ينبغي التستر عليهم، ولا الشفقة بهم، ولا الخوف منهم، وقد اعتمدت الجهات الأمنية إجراءات لحفظ وصيانة المبلّغين عن هؤلاء المجرمين.