حسن الصفار.. العالِم الرسالي الناجح

 

كان أول تعرّفي إلى سماحة العلامة الشيخ حسن الصفار حفظه اللَّه تعالى في سنة 1402هـ/ 1982م، وذلك عندما كنت في زيارة للمكتبة العامة التابعة لجمعية الثقافة الاجتماعية في منطقة ميدان حولي في دولة الكويت، حيث وقع في يدي كتيّب من مؤلفاته بعنوان: (الإمام المهدي أمل الشعوب) والصادر سنة 1979م، فصرت أطالع فيه، وما زلت أتذكّر الموقف حين وقع الإصدار في يدي، وكنت آنذاك في السادسة عشرة من عمري، كما أتذكَّر فقرة من الكتيّب أثارت انتباهي. وإذا قارنا هذا التاريخ بتاريخ مولده سنة 1377هـ/ 1958م، فهذا يعني أنه كان في الحادية والعشرين من عمره على أكثر تقدير حين كتبه، وهو ما يعكس في حدّ ذاته همّته العالية وروحه الرسالية.

ثم التقيت بسماحته لقاء عابراً في مدينة قم، ولعل ذلك في سنة 1407 أو 1408هـ، أي 1987 أو 1988 حينما كنت طالباً فيها، وكنت بمعيّة مجموعة من الأصدقاء في زيارة لأحد علماء الدين الكبار، وكان سماحته قد حضر أيضاً لزيارته.

ولكن في السنوات الأخيرة توطّدت علاقتي بسماحته بعد أن جمعتنا مناسبات محلية عديدة، وكذلك من خلال زياراته المتعدِّدة لمسجد سيد هاشم بهبهاني -حيث أقيم الصلاة وشؤون التبليغ وما إلى ذلك- ولحسينية دار الزهراء عليها السلام حيث أقيم عدداً آخر من أنشطتي فيها، وكلاهما في دولة الكويت.

ولا يمكن لمن يتعرَّف إلى سماحة الشيخ الصفار إلَّا أن يكنّ له كل تقدير واحترام وتبجيل -على أقل تقدير- لما يلمسه من اتزان في الشخصية، ورجاحة عقل، وحكمة وعلم وأدب وبيان رشيق، وابتسامة لطيفة تزيّن المجلس، وروح أخوية تبعث برسائل ودٍّ واحترام إلى الحضور.

ولا يكتفي سماحته بالتواصل مع إخوانه حين زيارته إلى الكويت، بل إنه يمدّ يد العلاقات الأخوية للآخرين من خلال تقديم بعض إخوانه من المبلغين والرساليين والعاملين في ميادين الخير، والتعريف بهم وبأنشطتهم وتوثيقهم، لتتَّسع دائرة العلاقات فلا تقف عند حد علاقته الشخصية المباشرة فقط، وهذه الميزة التي يتمتَّع بها سماحته تفتح آفاقاً من الخير والعمل المشترك في أكثر من اتجاه يحبه اللَّه جل وعلا.

كما وإن سماحته دائم التواصل وإن بعُدت المسافة بينه وبين إخوانه، ويحرص على أن يحوّل تلك المناسبة إلى فرصة لمناقشة بعض قضايا الساعة ولو بشكل سريع ومختصر. ولا ينسى من حين إلى آخر أن يبعث بعدد من نسخ آخر إصداراته، وهي دائماً ثرية بالمعلومات، رشيقة في العبارات، مفيدة وعملية في مضمونها، تمسّ قضايا الساعة وتعالجها بروح إسلامية، وبفكر متَّزن، ومثل هذا النموذج من الإصدارات نادر في ساحتنا الفكرية والثقافية الإسلامية المعاصرة، ومن يقومون بهذا الدور النادر قد لا يوفَّقون أحياناً في أسلوب البيان، أو في طريقة العرض، بخلاف مصنَّفاته كما أشرت مسبقاً.

وهو مع حرصه على إرسال آخر إصداراته، يسأل دائماً عن أية مؤلفات تكون قد صدرت من الطرف الآخر، طلباً لاقتنائها، بل ولربما التفاعل معها إيجابيّاً دون أن يجد في ذلك غضاضة، حيث وصلني مقطع فيديو لخطبة له وهو يعرّف بكتيب (فك لغز الأسباط) الذي أصدرته قبل سنوات، ويستشهد بجانب منه، وهو ما يندر جدّاً أن يحدث في الوسط العلمي (الديني) لسبب أو لآخر، وهو تصرّف منه يستحق الإكبار والتقدير؛ إذ يعكس بُعد صاحبه عن نفسية الحسد التي قد تؤطّر العلاقات بين العاملين في الحقل الواحد، أو عُقدة الكِبر التي تُفسد على العلماء روحيتهم، فتجعل بعضهم يستسخف كل ما يقع بيده ممَّا أصدره أقرانُه، ويعفّ عن مطالعته، فضلاً عن التعريف به أو الثناء عليه، مهما كان المضمون قيماً ومفيداً!

وحين استعرضت إحدى مؤلفاته كعادتي كل أسبوع ضمن البرنامج الثقافي للمسجد، حيث أتناول إحدى الإصدارات المفيدة بالتعريف والبيان المختصر، بادر سماحته بالاتصال مقدّراً ومُثنِياً، وهذا من معالي أخلاقه وحُسن متابعته وحكمته في التعامل الاجتماعي مع إخوانه، وهي خصلة كريمة تُضاف إلى ما سبق، وبمثابة درس عملي في هذا المجال.

ولا أفشي سرّاً حين أذكر هنا، أنه عندما تُعييني الأفكار لإعداد خطبة الجمعة، ومع ضغط العمل الذي لا يسمح بوقتٍ للمطالعة المنتظمة، فإن الموقع الإلكتروني لسماحته على الشبكة العنكبوتية يمثّل إحدى المصادر الرئيسة التي ألجأ إليها لاستلهام فكرة الخطبة، والاستفادة من بعض النصوص المميّزة التي يستشهد بها وينتقيها بدقَّة وحرص.

وهذا شاهد آخر على قيمة المضمون الفكري والثقافي والأخلاقي والشرعي الذي يقدّمه سماحته من خلال خطبه ومصنفاته.

وحيث جئت على ذِكر الموقع الإلكتروني، فلا بد أن أشير إلى أن المتابعة الدائمة لأنشطة سماحة الشيخ وتغطيتها إعلاميّاً، وتوثيق كل ما يصدر عنه من بيانات وخطب ورسائل تعزية وما شابه، بالإضافة إلى المؤلفات، وحتى ما يقوم به من زيارات ميدانية أو مشاركات في مناسبات أو مؤتمرات أو ندوات وغير ذلك، هذا الأمر يُعدّ قفزة نوعية في برنامج عمل علماء الدين والناشطين الرساليين، وهو يدلّ على حُسن إدارة العمل، والحرص على تأمين كادر موظّف ومختص في هذا الشأن.

وممّا أعجبني من بين ما كان يقوم به سماحته كل عام، تقديمه البيان المالي للمداخيل والنفقات وموارد الصرف الخاصة بالحقوق الشرعية والتبرعات وغيرها، وهي شفافية نكاد لا نراها سواء في المجال الديني أو غيره، وهي خطوة أخرى مميّزة قام بها سماحته وفق ما سمحت به الظروف، تدلّ على الأمانة والنزاهة والفكر المتقدِّم، كما وتشجّع أصحاب الأيادي البيضاء على التبرّع والمساهمة في أعمال الخير ونشر المعرفة والأنشطة التبليغية.

في قناعتي، إن أسلوب إدارة وعمل سماحة العلَّامة الشيخ حسن الصفار يستحق أن يُقدّم أنموذجاً عمليّاً لتدريب طلاب العلوم الدينية والمبلغين والعاملين في الساحة الإسلامية على كيفية العمل التبليغي المنظّم والهادف والمؤثِّر والفعّال، وأتمنّى أن يصدر عنه كتيب إرشادي يتضمَّن برنامج العمل المقترح، والنصائح العملية الأبوية من وحي تجربته الشخصية، وبما يشمل الأبعاد المتعدِّدة التي يحتاج عالم الدين والمُبلِّغ والرسالي إلى أن يتفاعل معها، سواء في الساحة الدينية أو الفكرية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو غير ذلك.

تمنياتي لسماحته بالسداد والتوفيق والسلامة في دينه ودنياه، ودوام العلاقة الأخوية التي تربطنا ببعض.

 

ملحوظة: نشرت المقالة سابقًا في كتاب: الشّيخ حسن الصّفار: عالمًا.. مُفكّرًا.. مصلحًا [بأقلام عدد من الفقهاء والمفكرين والأدباء]؛ إعداد وإشراف عبد العظيم حسين الصّادق، مؤسسة الانتشار العربي، الشارقة -الإمارات العربية المتحدة، الطّبعة الأولى، 2022م، ص: 79-083.
عالم دين وباحث وكاتب كويتي، خطيب وإمام مسجد سيد هاشم بهبهاني بالكويت.