عن فضيلة الشيخ حسن الصفار

 

سُئلتُ كلمةً عنه، ولكمْ تُسعدني الاستجابة.

عرفته خلال لقاء تلفزيوني، حدث لنا قبل الحرب الجهنمية على سورية بسنوات.

كنت عائدًا ذات مساء، من مخيم أقضيه مع أطفال جوقة الفرح، في أحد ربوع سورية الهادئة، في مهمة إلى دمشق.

جاءني في ساعة متأخِّرة، هاتف من صديق، وهو مذيع تلفزيوني، يدعوني فيه للقاء وصفه بالهامّ، مع رجل دين قادم من السعودية، في صباح اليوم التالي.

كنت أعرف الكثيرين من رجال الدين المسلمين في سورية، إلَّا أني ما كنت التقيت أحدًا من السعودية.

وكان لنا لقاء! إلَّا أنه كان حقًّا مفاجئًا لي!

في وجه ذاك الشيخ الشاب مسحة من الرضا جليّة، وفي مصافحته القوية حرارة بدت لي صادقة. وأما الحوار معه فكان نَفَسًا متَّصلًا من المودَّة والسلام، متجلّيًا فيما كان يستشهد به من آيات كريمة، تدعو أبدًا لاحترام الإنسان، ولاكتشاف آيات اللَّه في خلقه، ولاستخدام الكلمة السواء في كل خلاف. ولشدّ ما لفت انتباهي، ذكره المتكرِّر والهادئ للآية القرآنية: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا

ولم تبدر منه خلال اللقاء كلِّه أيَّة بادرة من تشنّج أو تطرّف!

وما إن أنهينا جلستنا، حتى بادرني بدعوتي للعودة معي إلى مكان إقامتي في كنيسة سيدة دمشق، في سيارة يقودها شاب سعودي، عرّفني عليه بكلمة ما كنت أتوقّع مثلها في حياتي… «نعم أب إلياس، إنه شاب سعودي يدرس اللاهوت المسيحي في جامعة الكسليك في لبنان!». وإذ أبديت مرة أخرى دهشتي وإعجابي، أردف بمنتهى البساطة:

«آن لنا، أب إلياس، أن يعرف بعضنا بعضًا على حقيقتنا، لنخرج من الجهل المتبادل الذي غرقنا فيه منذ قرون!».

حقًّا، لقد كان ذلك الشيخ الشاب، نمطًا جديدًا، طليعيًّا، بل رؤيويًّا، من رجال الدين.

بالطبع، كان لي بعد ذلك، لقاء معه في كنيسة سيدة دمشق، إذ أبدى الرغبة في زيارتها. وقد زارها بعد أيام، في احترام جمّ، وفي تلهّف صادق لمعرفة كل شيء تقريبًا، عمّا في الكنيسة، عمارةً، وطقوسًا، وأيقونات، وإنجيلًا، وأنماط صلاة!

وكان أن حملت له، بعد أيام قليلة، نسخة من الإنجيل المقدَّس، مع بعض مؤلفاتي، إبَّان زيارتي له في مقرِّه، في مقام السيدة زينب، إذ كان هو -أيضًا- قد حمل لي نسخة من القرآن الكريم.

وأما ما كان قدّم لي، إبان زيارتي هذه له، من مؤلفاته المطبوعة، فلم أتأخَّر في مطالعتها، ولكم كان اكتشافي لها داعمًا لتفاؤلي به، إذ إن هذه المؤلَّفات أكَّدت لي بالكلمة المطبوعة، وبالتالي المسؤولة، والواعدة والصريحة، ظهور نمط جديد من رجال دين مسلمين، من شأنهم أن يُشكّلوا، كما أرى وأتمنَّى، حاجة الإسلام، الأولى والكبرى، من أجل الخروج ممَّا هو فيه اليوم، ولأمد يبدو لي بعيدًا!...

فالحمد كل الحمد للَّه، عزّ وجلّ، لوجود مسؤولين دينيين في الإسلام اليوم، من مثل أخي وصديقي، الشيخ حسن الصفّار السعودي.

وتقبَّل مني، يا أخي وصديقي في الإيمان باللَّه الواحد الأحد، خالق الأكوان وديّان الإنسان الأوحد، محبتي واحترامي.

 

* مؤلف وباحث، راعي كنيسة سيدة دمشق - سوريا.
مؤلف وباحث، راعي كنيسة سيدة دمشق - سوريا.