الشيخ الصفار: اختلاف الاجتهادات مشروع والمذموم ما ينبعث من الأهواء
قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن الاختلاف المذموم هو الذي يكون منبعثًا من الأهواء والشهوات، أما اختلاف الاجتهادات فهو مشروع ومقبول.
وتابع: يجب أن نفرّق بين الاختلاف في الرأي وبين الخلاف والنزاع الذي نهى عنه القرآن الكريم والسنة النبوية.
جاء ذلك خلال الحوار المفتوح الذي أقامه منتدى القرآن الكريم لسماحته في مقر المنتدى بدولة الكويت، بتاريخ 11 شعبان 1445هـ الموافق 21 فبراير 2024م، وأداره الأستاذ أحمد فيصل.
وأوضح سماحته أن فتح باب الاجتهاد يؤدي إلى اختلاف الآراء، وهذا يدعونا إلى قبول وجود الرأي الآخر، لأن تشريع الاجتهاد ورفض اختلاف الرأي تناقض لا يقره العقل.
وتابع: لابد أن نتقبل حالة تعدد الآراء والأفكار، فإن النصوص القرآنية تشجع عليه لأنه الطريق للوصول إلى الصواب.
وأضاف: وجود آراء مختلفة حول المسألة يتيح الفرصة للنظر لها من مختلف الزوايا والجوانب.
وأبان أن الضابط الأساس في معرفة هوية الاختلاف هو الالتزام بأصول العقيدة والضرورات الثابتة على المستوى الديني وعلى المستوى المذهبي.
وتابع: ما دام الآخر يتكلم في حدود الالتزام بالأصول والضرورات الدينية فالاختلاف معه مقبول.
وأستدرك: يجب أن نعلم أن العلماء في هذين الموضوعين الأصول والضروريات مختلفون أيضًا، لذا يجب ألا نتسرع في اتهام من اختلفنا معه في أحد هذين الموضوعين.
وأضاف: يجب ألا نحمل الاختلاف في مسألة جزئية على الاختلاف في الأصول، فهذا ما سبب مشكلة التكفير والتبديع التي عانت منها الأمة الإسلامية طويلًا.
وأشار إلى الاختلاف في الحكم على الآخر المختلف معه، بين التكفير والتجريم، مؤكدًا أن مسألة التكفير ترتبط بالجانب العقدي، ومسألة التجريم ترتبط بالجانب السلوكي.
وتابع: في جانب الإجرام فإن أي اعتداء محرم ويجب محاربته وهو البغي، كما قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ﴾.
وحذّر سماحته من التساهل في اتهام الآخر بالنصب أو الضلال، والاعتماد على المعايير العلمية في هذه المسائل وليس الأهواء.
وذكر أنه ليس مطلوبًا من الإنسان المسلم أن يكون له رأي في كل تفاصيل العقائد الدينية، والله تعالى لن يسأله عن هذه التفاصيل.
وتابع: إذا ثبت قول عن المعصوم فهو يلزم من ثبت عنده، وقد يكون هناك اختلاف في فهم ذلك القول.
وأضاف: وفي المسألة الفقهية لابد من توفر القدرة الاجتهادية لتحديد الموقف من كل مسألة، أو الرجوع إلى مجتهد فيها، أما المسائل الفكرية فيمكن للباحث تكوين رأي فيها، أو الأخذ بمن يطمئن برأيه.
وبيّن أن مشكلة بعض الناس أنهم يحشرون أنفسهم في مسائل الخلاف ويتبنون رأيًا وهم ليسوا من أهل الاختصاص.
ولفت إلى أن التقليد يكون في المسألة الفقهية، أما المسائل العقدية والتاريخية والتخصصية فلها أهلها، ويجوز لك أن تقلد عالمًا آخر فيها، أو تكوّن لك رأيًا من خلال البحث والترجيح بين الآراء.
وأشار إلى أن الموضوعات الخارجية لا تقليد فيها، فلو رأى المكلف هلال شهر رمضان، والمرجع لم يعلن ثبوته، يجب عليه الصوم، لأن المسألة موضوعية ولا علاقة لها بالتقليد.
ودعا لتربية النفس على المرونة، وتقديم التنازل الذي لا يخرج عن الحق، في التعامل مع الاختلاف، فأن نختلف في يوم العيد أو ليلة القدر أو عاشوراء ليس مدعاة للعداوة والبغضاء.
وحثّ على اتباع منهج الاعتدال وقبول الرأي الآخر في التربية منذ الصغر في البيوت، وعبر الخطاب الديني، والطرح الفكري.
وتابع: كان عالم الدين في السابق يطرح رأي مرجع واحد فقط، والآن أصبح العالم يستعرض الآراء الفقهية لمختلف المراجع في المسألة عندما يطرحها على الجمهور.
وأضاف: بعض الخطباء يعبئ المستمعين ضد الآخر، ثم يذهب إلى بيته حيث لا يلتقي بالآخر ضمن برنامجه اليومي، بينما المستمع يلتقي بالآخر في الشارع والعمل والمدرسة، فكيف سيتعامل معهم؟
وقال: يجب أن نوصي أبناءنا بالحديث الحسن مع من نختلف معه دينيًا أو مذهبيًا أو فكريًا، فإن أهل البيت أوصونا بتجنب الخصومات الدينية، فقد ورد عن الإمام الصادق : «لَا تُخَاصِمُوا النَّاسَ لِدِينِكُمْ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ».
وختم سماحته بالإشادة بالاهتمام القرآني، وقال: نحن ننتمي الى توجه ومدرسة تعتبر القرآن محوراً في ثقافتها وتوجهها.
وتابع: في وقت سابق كانت جلسات التدبر في القرآن ودروس التدبر هو ما يميز توجهاتنا وينبغي أن نحافظ على هذا النهج، والاحتكام إلى قيم القرآن.