في محاضرة لسماحته في (كيب تاون)

الشيخ الصفار يُسلّط الضوء على عوامل رسوخ مدرسة أهل البيت (ع) في الأمة

 

سلّط سماحة الشيخ حسن الصفار الضوء على عوامل رسوخ مدرسة أهل البيت واستمرار بقائها في ساحة الأمة، رغم كل الحواجز والضغوط، وسياسات الإقصاء والحصار التي مارستها السلطات الأموية والعبّاسية لإطفاء نور مدرسة أهل البيت ، لكنّ مدرسة أهل البيت بقيت تزداد اتساعًا ونفوذًا في أوساط جماهير الأمة، قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل.

وأكّد أن أهل البيت يُمثّلون الخط الإسلامي الأصيل، وهم يحملون المعارف الإسلامية الصافية النقية، لذلك أوصى رسول الله الأمة بأن تتمسك بهم إلى جانب كتاب الله العزيز.

وأضاف: نجد في مقابل مدرسة أهل البيت مدارس فكرية أخرى حينما واجهت ضغوطًا أقل بكثير من الضغوط التي واجهها أهل البيت، تراجعت، وانهزمت، ولم تستطع البقاء في تاريخ الأمة.

وأشار في هذا الصدد إلى مدرستين، هما: مدرسة المعتزلة، التي نشأت في بداية القرن الثاني الهجري، وهي مدرسة عقلانية، في مقابل مدرسة أهل الحديث عند السنة. ومؤسسها واصل بن عطاء (توفي 131هـ).

مضيفًا: إن هذه المدرسة برز فيها علماء كبار في الجانب الفكري والفلسفي والعلمي، وعُرف علماؤها بقدرتهم على المناظرة العلمية مع اليهود والنصارى والمخالفين لهم في داخل المسلمين. وكانت لهم مدرسة كبيرة عظيمة في بغداد، والبصرة. ودعمها ثلاثة من الخلفاء العباسيين هم المأمون، والواثق، والمعتصم. إلا أنّه في عهد المتوكل العباسي غضب على هذه المدرسة الفكرية، واعتقل بعض علمائهم، ومارس ضغوطاً عليهم. فانحسرت هذه المدرسة، وانتهت بسرعة من العالم الإسلامي، وكان آخر علمائهم القاضي عبد الجبار الذي توفي سنة 415 هـ، ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك.

والمدرسة الأخرى التي أشار إليها هي مدرسة الخوارج، وكان قياداتها من العباد والقراء، وحفظة القرآن الكريم، وكانوا يمتلكون درجة عالية من الفصاحة في خطاباتهم، ويمتازون بالبطولة والشجاعة وتقديم التضحيات في المعارك. وقادوا ثورات كثيرة، وعارضوا كثيراً من السلطات الأموية والعباسية. لكنهم في الأخير اندثروا، ولم يتبقى منهم إلا اتجاه من المعتدلين، هم الإباضية. 

وفي الكلمة التي ألقاها أمام جمعٍ من المؤمنين في مسجد أهل البيت بمدينة (كيب تاون) في جنوب أفريقيا، مساء الخميس 4 صفر 1446هـ الموافق 8 أغسطس 2024م، وقد قام إمام المسجد سماحة السيد آفتاب حيدر بالترجمة الفورية للكلمة إلى اللغة الإنجليزية، أكّد الشيخ الصفّار على أن هناك أسبابًا واقعية وراء بقاء مدرسة أهل البيت ورسوخها.

وركّز في حديثه على سببين رئيسيين:

الأول: منهج الحكمة والعقلانية.

فأئمة أهل البيت إضافةً إلى أنهم كانوا يملؤون نفوس أتباعهم ثقةً بالحق الذي يعتقدونه، إلا أنهم كانوا يمنعونهم من التطرف والتشدد.

مشيرًا إلى أن الخوارج كفّروا الإمام علي ، لكّنه لم يكفّرهم بل إنّه لم يكفر أحدًا ممن حاربه، وقد ورد عن الإمام محمد الباقر : «أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى اَلشِّرْكِ، وَلاَ إِلَى اَلنِّفَاقِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا».

وأضاف: كان الإمام يريد أن يربي أتباعه على سعة الصدر وتحمل الطرف الآخر والصبر عليهم. 

مشيراً إلى أن الأئمة أرادوا بنهجهم الحكيم أن يُربّوا شيعتهم على تحمّل الإساءة لأئمتهم مع مقام الأئمة العظيم في نفوسهم، وقالوا لشيعتهم: حتى لو سمعتم من يسيء لنا، تحملوا هذه الإساءة.

واستعرض نماذج من سيرة أئمة أهل البيت ضمن هذا السياق.

وأكد الشيخ الصفّار أن الأئمّة بهذه التربية استطاعوا أن يُرسّخوا خطّهم وأن يجتذبوا جماهير الأمة لهم، رغم كل تلك الضغوط التي كانوا يواجهونها من الأعداء. 

الثاني: رفد الساحة بالبرامج التوعوية.

وأما عن السبب الثاني قال الشيخ الصفّار: إن أئمة أهل البيت ، وضعوا لشيعتهم برامج ومناهج لتوعيتهم، لكي يرتبطوا بخطّهم المبارك عن طريق الوعي والفكر، وليس عن طريق العاطفة فقط. وقد قدّموا لهم برامج روحية، ومن نماذجها دعاء كميل، وأدعية الصحيفة السجادية، بل إن كلَّ واحدٍ من الأئمة، له أدعية، وأثار تمثل برامج تربوية روحية.

مضيفاً: إن الأئمة قدموا لشيعتهم ثروة فكرية معرفية عظيمة، لا توجد في أي مدرسةٍ، وفي أي جماعة دينية أخرى. ووضعوا لهم برامج اجتماعية تثقيفية، فهذه المجالس التي يقيمها الشيعة في المناسبات مثل أيام عاشوراء، وفي المناسبات المختلفة، إنما هي برامج وضعها أئمة أهل البيت ، وربوا شيعتهم على الالتزام بها.

وأكد أننا في عصرنا الحاضر نلحظ أن هذه المجالس، والمناسبات الدينية، تعتبر تجديداً للولاء في نفوس أتباع أهل البيت ، وحالة استقطاب لأبناء الأمة تجاه منهج أهل البيت

مضيفاً: وإذا أردنا أن نقوم بشيء من واجبنا تجاه مدرسة أهل البيت ، فعلينا أن نقوّي هذه المناسبات والمجالس، وأن نوسّعها ونجذب الناس إليها. 

وختم الشيخ الصفار كلمته بالتأكيد على أهمية إحياء ذكر أهل البيت خصوصًا في المناطق النائية من العالم، كما هو الحال في جنوب أفريقيا، مخاطباً الحضور الكريم بقوله: لا شك أن ثوابكم وأجركم في حضور هذه المجالس هنا أكثر بأضعاف مضاعفة، مقارنةً بالمؤمنين الذين يحضرون هذه المجالس في البلدان الأخرى مثل إيران والعراق ولبنان ومناطق الخليج، لأن تلك المجتمعات لها تاريخ وثقافة تساعد على حضور هذه المجالس، فهنيئًا لكم ما تنالونه من الثواب إن شاء الله تعالى. 

وأسأل الله تعالي أن يحفظكم وأن يوفقكم، وأن يصلح ذرياتكم لكي يواصلوا نهجكم في الولاء لأهل البيت . وأشكر سماحة السيد آفتاب حيدر حفظه الله، على كريم ضيافته وحفاوته، وعلى قيامه بترجمة خطابي المتواضع، وأشكركم على حسن استقبالكم، وضيافتكم.

مسجد أهل البيت  كيب تاون