الشيخ الصفار يحذّر من النظرة الدونية للفقير ويدعو لتأهيل الفقراء لتجاوز الفقر
حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من النظرة الدونية للفقير التي تعرضه للظلم واللا إنسانية وتقوّض احترام الذات، وتدمّر القدرات الشخصية، كما تحرم الناس من كرامتهم وفرص الخروج من حالة الفقر.
ودعا لتأهيل الفقراء ليتجاوزوا حالة الفقر، بمساعدتهم على التعلم، والتدريب، وتوفير فرص العمل. وهذا ما ينبغي أن تهتم به الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 15 ربيع الآخر ١٤٤٦هـ الموافق 18 أكتوبر ٢٠٢٤م في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: الفقير ومعاناته الاجتماعية.
وأوضح سماحته أن سوء المعاملة الاجتماعية ينشئ بيئة لسوء المعاملة المؤسسية، فالدوائر الحكومية الرسمية والشركات والمنظمات، قد يتأثر العاملون فيها بالبيئة الاجتماعية، ويمارسون مع الفقير ذات النمط من التعامل.
وأضاف: إن من الخطأ أن يُقوّم الإنسان من خلال إمكاناته المادية، ويتم تجاهل قيمته الإنسانية، وما يختزن من نقاط قوة روحية أو أخلاقية أو فكرية في شخصيته.
وتابع: من الطبيعي أن يترك الفقر آثارًا في حياة الفقير، بسبب تدني ظروفه المعيشية، فقد يكون أقل تعليمًا، أو أقل أناقة في مظهره، أو أكثر إصابة بالأمراض. لكن ذلك لا يبرر أبدًا سوء التعامل معه، والنظر إليه بدونية.
وذكر أن هذه النظرة الدونية للفقير عريقة ومتأصلة في المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ.
وتابع: إنّ القرآن الكريم حدّثنا عن مجتمعات كانت تعترض على اختيار الله تعالى للنبوة والقيادة أشخاصًا ليس من أوساط الأثرياء، والعوائل المرموقة، بل كانوا يسخرون من الأنبياء لأن أتباعهم من الفقراء، ويطلبون منهم إبعاد الفقراء باعتبارهم نقطة ضعف، ومؤشر دونية.
مكافحة الفقر
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر السابع عشر من أكتوبر أبان أن الأمم المتحدة اختارت هذا العام موضوعًا لتسليط الضوء عليه، وهو موضوع إنهاء سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسسية التي يعاني منها الفقراء في معظم بلدان العالم.
وتابع: إن كثيرًا من المجتمعات الإنسانية في وقتنا الحاضر لا تزال تعاني من هذه الظاهرة السيئة، النظرة الدونية للفقير، وخاصة في البلدان النامية، وهذا ما دعا الأمم المتحدة إلى اختيار هذا الموضوع عنوانًا لليوم العالمي لمكافحة الفقر هذا العام.
ومضى يقول: لقد أولى الإسلام هذا الموضوع أهمية بالغة، وأكّد على احترام إنسانية الإنسان بغض النظر عن مستوى إمكاناته المادية، أو انتمائه الاجتماعي.
وتابع: إن الإسلام يؤكد على المعايير الصحيحة في تقويم بني البشر وتفاضلهم، كالسمو الروحي، والالتزام الأخلاقي، والكفاءة العلمية، وحسن السيرة والسلوك.
وأشار إلى أن الغنى والفقر المادي ليس حالة ولا صفة ذاتية في تكوين شخصية الإنسان، بل هي حالة تعرض له من خلال بيئته الاجتماعية، وظروف نشأته وحياته، ومدى سعيه ونشاطه، وقد تتغير وتتبدل.
وتابع: فهناك من يولد وينشأ في ظروف ثراء ورخاء، لكنه يفقد ذلك فيما بعد، ويصبح فقيرًا معدمًا، بسبب سوء تصرفه، أو لظروف قاهرة تطرأ على حياته.
وأضاف: في المقابل هناك أناس يستقبلون الحياة في حالة فقر وعوز، ثم تبتسم لهم الأقدار، فتنهال عليهم الثروات والخيرات، بسعيهم واجتهادهم، أو حصول فرص مواتية لهم.
وقال: لو قرأنا سِيَرَ وحياة كثير من الأثرياء المعاصرين، لرأينا أنهم ممن ذاقوا مرارة الفقر في بداية حياتهم.
ولفت إلى أنّ على الإنسان أنْ يفحص مشاعره، وأنْ يتأمل في أعماق نفسه، ليتأكد من رؤيته ونظرته إلى الأشخاص من حوله، وأنْ يراجع سلوكه في التعامل مع أبناء مجتمعه، هل ينظر إليهم ويتعامل معهم من خلال جوهر إنسانيتهم، ونقاط القوة الحقيقية في شخصياتهم، أو من خلال مظاهر قوتهم المادية؟
وبيّن أن من المفترض أن يمارس الإنسان المساواة بين الناس، بل مطلوب منه الانحياز الإيجابي للفقير مراعاة لحاله، ولأنه الأكثر حاجة للمساعدة والدعم.
وتابع: وإذا كان الدين يطلب منّا دعم الفقير ومساعدته، فإنه يدعونا قبل ذلك إلى احترام الفقير والاهتمام بمشاعره، فذلك أهم وأولى من تقديم المساعدة المادية له.
وقال الشيخ الصفار: إن الدين يحفّز الإنسان ألا يرضى لنفسه حالة الفقر، ويطالب الفقير بالسعي لتجاوز هذه الحالة ما استطاع لذلك سبيلا.
وتابع: بعض حالات الفقر تفرض نفسها على الإنسان، لكن بعض الناس يعيش الفقر بسبب قلة سعيه، وعدم بذل جهده، وخضوعه لحالة الخمول والكسل، وضعف الثقة بالنفس.
وأضاف: إن الإنسان مسؤول أمام ربه عن سوء معيشته إذا كان ذلك بتقصير منه.