الوطن والمواطنة في مدرسة أهل البيت (ع)
مفهوم المواطنة من المفاهيم الحديثة، والوطن في صيغته الحاضرة لم يكن متداولًا في الأزمنة الماضية. حيث أصبح للوطن الآن معنى سياسي، يتألف من ثلاثة أركان: أرضٌ، وشعبٌ، ونظام سياسي.
في الماضي كان الوطن يؤخذ فيه بعين الاعتبار الانتماء العقدي، فكانت هناك دار الإسلام ودار الكفر، وكانت كلُّ بلاد المسلمين تعتبر وطنًا واحدًا.
وهناك المعنى العرفي للوطن، وهو الأرض التي يولد الإنسان فيها، وينشأ ويتربّى في ربوعها.
في القرآن الكريم لم ترد هذه المفردة، إنّما وردت ألفاظ أخرى رديفة استخدمها القرآن الكريم مثل بلد، كقوله تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [سورة البلد، الآيتان: 1-2]، وقوله تعالى: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سورة سبأ، الآية: 15]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ [سورة الفجر، الآيات: 6-8].
كما استخدم القرآن الكريم لفظة الديار، كقوله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ [سورة الممتحنة الآية: 8]، فمفردة الديار هنا تُعطي نفس معنى الوطن بالمعنى العرفي.
أما في الأحاديث والروايات فقد وردت مفردة الوطن، كما في الحديث المروي عن النبي محمد أنه قال: «حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الإيمانِ»[1] .
وهو حديث مرسل، بمعنى ليس له سندٌ متّصل إلى رسول الله ، وقد أورده الشيخ عبّاس القمّي في كتاب سفينة البحار، وجاء أيضًا في عددٍ من مصادر إخواننا أهل السنّة. وقد اعتبره بعض العلماء موضوعًا لعدم وجود سندٍ له، إلّا أنه يحمل معنىً مُعتبرًا؛ لأنّ حبّ الوطن حالة فطرية إنسانية، والدين يعطي اعتبارًا لكلِّ ما يكون نابعًا من وجدان الإنسان، لوجود توافقٍ وانسجامٍ بين الدين والفطرة السليمة، يقول تعالى: ﴿فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [سورة الروم، الآية: 30].
وهنا أشير إلى أنّ الأحاديث الواردة عند المسلمين في مختلف المذاهب، كي يقبلها العلماء لا بُدّ أن يكون لها سند معتبر، روى فلان عن فلان حتى يصل إلى من سمع من النبي أو الإمام، وهذا يعبّر عنه بالسند. فإذا لم يكن للحديث سندٌ، أو كان في سنده من لا يوثق به، فإنّ العلماء لا يحتجون به، ولا يأخذون منه حكمًا شرعيًا، حتى وإن كان مضمون الحديث معتبرًا، ذلك لأنّ كون المضمون معتبرًا شيء، ونسبته إلى النبي والإمام شيءٌ آخر.
ونجد في سائر الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت وخاصة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عدة روايات تحمل لفظ الوطن، فمثلًا ما روي عنه أنه قال: «مِنْ كَرَمِ اَلْمَرْءِ حَنِينُهُ إِلَى أَوْطَانِهِ»[2] ، فالإمام يُعبّر عن الحنين إلى الوطن بأنه من كرم نفس المرء.
وفي كلمة أخرى تُروى عنه أنه قال: «عُمِّرَتِ اَلْبُلْدَانُ بِحُبِّ اَلْأَوْطَانِ»[3] ، وهنا يؤكّد الإمام علي بأنّ البلاد إنّما تُعمّر بحب أبنائها لها.
إنّ الحب المقصود في هذه النصوص هو الحب الحقيقي النابع من وجدان الإنسان، والذي يدفعه حقيقةً إلى إعمار وطنه والدفاع عنه. لأنه في بعض الأحيان يكون حبّ الوطن مجرّد شعار يتغنّى به الإنسان، بلا حقيقةٍ جوهرية. ونجد أنّ البعض يُفكّر كيف يكسب من وطنه، أو كيف ينهب من خيراته؟ وقليلًا ما يكون التفكير حول ماذا يُمكن للإنسان أن يُقدّم لوطنه.
لذلك دائمًا يدور الحديث حول حقوق المواطن وهذا أمرٌ مقبول، إلّا أنه ينبغي أن يُضاف له الحديث عن واجبات المواطن تجاه وطنه.
بين الحقوق والواجبات
وهناك جدلية ترتبط بالبحث حول أدب حقوق الإنسان في العصر الحديث، ومواثيق حقوق الإنسان، ومنها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنّها تتكلم عن الحقوق، وتغفل الحديث عن الواجبات.
وهذا ما دفع مجموعة من المفكرين والقادة السياسيين والأكاديميين إلى عقد مؤتمر أواخر تسعينيات القرن الماضي، وأصدروا إعلانًا أطلقوا عليه الإعلان العالمي لواجبات الإنسان في مقابل الحقوق، وقد دعا إلى هذا المؤتمر وقاده، المستشار الألماني الأسبق (هلموت شميت)، وحضره عدد من الرؤساء، كالرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر)، والرئيس الفرنسي الأسبق (جيسكار ديستان)، ورئيس الوزراء الأسبق في لبنان (سليم الحص) وآخرين، وأصدروا الإعلان العالمي لواجبات الإنسان. وفي مقدّمة حديثهم أكّدوا على أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ركّز على الحقوق وأغفل الواجبات، وهذا يُمثّل نقطة ضعف في ذلك الإعلان.
وحقيقةً فإنّ الناس في وقتنا المعاصر قد تربّوا على المطالبة بالحقوق في كلّ دائرة من دوائر علاقاتهم الاجتماعية، دون أن يكون لهم نفس الدرجة من الاهتمام بالواجبات التي عليهم. فعلينا أن نُذكّر النّاس بواجباتهم لتكون متكاملة مع حقوقهم، وليست بديلًا عنها، وذلك من أجل إنضاج مستوى الوعي عند الإنسان.
والجدير بالذكر أنّ من أروع ما في تراثنا الحقوقي: رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين التي أوردها الشيخ الصدوق في الخصال بسندٍ معتبر، وهي تشتمل على الخصائص التالية:
أولًا: تعتبر أقدم نصٍّ حقوقي في التراث الإسلامي، وهي نصٌّ مهم جدًا لجهة صدورها، فهي صادرة عن الإمام زين العابدين ، وهو من أئمة أهل البيت الذين يُمثّلون المرجعية التشريعية للأمة في فهم الدين ومعرفة أحكامه، والشيعة يعتقدون بعصمتهم .
ثانيًا: يتضمن نصّ رسالة الحقوق مضامين تربوية وأخلاقية راقية.
ثالثًا: القدم التاريخي لرسالة الحقوق يُعطيها عراقة وأهمّية بالغة، لقربها الزماني من زمن الوحي الإلهي، فالإمام زين العابدين التحق بالرفيق الأعلى سنة 95 هجرية، مما يعني أنّ هذا النصّ كان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري.
المسؤولية تجاه معارف أهل البيت
ورغم هذه الخصائص التي تحظى بها رسالة الحقوق، إلّا أنّها لم تشق طريقها في الثقافة الحقوقية، على مستوى أتباع مدرسة أهل البيت ، ولا على مستوى الأمّة الإسلامية، فضلًا عن الثقافة الحقوقية العالمية. وهذا يُحمّلنا المسؤولية، فكما يُحيي الشيعة في كلّ أقطاب الأرض المناسبات المرتبطة بأفراح وأحزان أهل البيت ، وهو أمرٌ مهمٌّ ومطلوب، إلّا أنه ينبغي أن يكون إلى جانبه الاهتمام بهذا التراث العريق. فلماذا لا نجد اهتمامًا برسالة الحقوق في المحافل الدينية، وفي الثقافة الشيعية العامّة؟
بل لماذا لا نتطلّع إلى نشر هذه الثقافة على مستوى العالم. وهو ما يؤكّد عليه أئمة أهل البيت أنفسهم، فقد جاء في عيون أخبار الرضا : عَنْ عَبْدِاَلسَّلاَمِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَرَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا يَقُولُ: «رَحِمَ اَللَّهُ عَبْدًا أَحْيَا أَمْرَنَا»، فَقُلْتُ لَهُ: وَكَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟ قَالَ: «يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَيُعَلِّمُهَا اَلنَّاسَ، فَإِنَّ اَلنَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلاَمِنَا لاَتَّبَعُونَا» [4] .
فهل نشرنا هذه العلوم بين الناس، وعلى مستوى العالم أيضًا؟ وهل تُرجمت رسالة الحقوق إلى لغاتٍ أخرى؟ وكم هي تلك اللغات؟ وهل أوصلنا هذه الرسالة إلى المجامع الحقوقية والأممية؟ ثم هل تضمّ مناهج التعليم لدينا رسالة الحقوق؟
لماذا لم نُسلّط الأضواء بالشكل اللائق والمناسب على هذه الوثيقة المهمّة؟
وليس نهج البلاغة ببعيد عن مسألة الإجحاف بحقّه، وهو أثرٌ عظيمٌ، يجمع جزءًا مهمًّا من تراث أمير المؤمنين علي من الحكم والمواعظ والخطب، لكنه لم يأخذ مكانته اللائقة.
وحول نهج البلاغة نجد أنّ الشيخ محمد عبده، وهو مفتي الديار المصرية، الذي شرح نهج البلاغة وطبعه، فكان له فضلٌ في انتشاره على مستوى العالم العربي، يقول في مقدّمة شرحه: كنت مهمومًا مغمومًا، ومن وحي الصدفة رأيت أمامي نهج البلاغة، فاطّلعت عليه، فوجدته عالـمًا من الفكر والمعرفة والقيم، وتابع حديثه بالتمجيد والتعظيم في نهج البلاغة وقام بعدها بشرحه ونشره.
فهل من المعقول أنّ عالـمًا مثل الشيخ محمد عبده لا يعلم عن نهج البلاغة إلّا مصادفةً، أليس هذا يدلّ على تقصيرنا في نشر تراث وعلوم أهل البيت .
بل حتى على مستوى أتباع أهل البيت ، هذا الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رحمه الله) يتحدّث في بداية كتابه: في رحاب نهج البلاغة، عن قصته مع نهج البلاغة؛ يقول: أنا وكثيرون من الطلاب في الحوزة العلمية لا خبر لنا ولا رابطة لنا بنهج البلاغة، وقد عشت سنوات في الحوزة العلمية في قم وأنا أسمع عن نهج البلاغة من بعض الخطباء حين يذكرون حكمةً أو موعظةً لأمير المؤمنين من نهج البلاغة. ويُضيف الشهيد مطّهري: في سنة من السنوات وفي العطلة الصيفية ذهبت إلى أصفهان، وهناك حضرت عند عالمٍ، وهو من نبّهني إلى أهمية نهج البلاغة وضرورة الاهتمام به، ومن ذلك الحين بدأت الاهتمام بنهج البلاغة وكان من نتائجه تأليف كتاب (في رحاب نهج البلاغة).
وهذه الشواهد تؤكد قلّة الاهتمام والانفتاح على تراث أهل البيت من قبل أتباعهم فضلًا عن غيرهم، فلا يكفي أن نهتم بالأجواء العاطفية تجاه أهل البيت مع أهمّيتها، إلّا أنّها تبقى ناقصة إذا لم يُضف لها الاهتمام بتراثهم ونشره للعالم.
ومن الكنوز الروحية في مدرسة أهل البيت الصحيفة السجادية، وما اطّلع عليها أحدٌ من المسلمين إلّا انبهر وتأثر بها. فعلينا أن نوصل هذه الرسالة وهذا الفكر للعالم أجمع.
في رحاب رسالة الحقوق
تشتمل رسالة الحقوق على 50 عنوانًا للحقوق، فالإمام يتحدّث فيها ضمن ثلاث دوائر:
أولًا- حقّ الله الأكبر: «فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ فَإنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئًا، فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاص جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما».
ثانيًا- حقّ النفس: «وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ فَتُؤَدّي إلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ وَإلَى سَمْعِك حَقَّهُ وَإلَى بَصَرِكَ حَقّهُ وَإلَى يَدِكَ حَقَّهَا وَإلَى رِجْلِك حَقَّهَا وَإلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ وَإلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ وَتَسْتَعِينَ باللهِ عَلَى ذَلِك».
وضمن هذه الدائرة يؤكّد الإمام على الإنسان بالابتعاد عن إهمال النفس، كي لا يقع في ظلم نفسه، كما يقول تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [سورة النحل، الآية: 118]، ثم يسترسل الإمام في ذكر حقوق الجوارح: السمع، البصر، الشم، البطن، الفرج، اليدين، والرجلين، وغيرها من الجوارح.
ثالثًا- الحقوق الاجتماعية؛ وضمن هذه الدائرة يتحدّث الإمام زين العابدين عن حقوق الأرحام: الأم، الأب، الأخ؛ وكذلك عن حق الجار والخادم والعبد والسائل والمسؤول والمشير والمستشير والناصح والمستنصح وأهل الملّة وأهل الذمة (أتباع الديانات الأخرى).
والملفت للانتباه أنّ الإمام زين العابدين في صياغته لرسالة الحقوق كان يتحدّث بلغة الواجبات، فلم يكن يتكلّم عمّا لك على الآخرين، وإنّما عمّا عليك تجاه الآخرين. وإن كان الحديث عن الواجبات يتضمن الحقوق بالاتّجاه المعاكس، إلّا أنّ الإمام في صياغته لرسالة الحقوق أكّد على الواجبات، ليوجّه الإنسان لمسؤولياته، وأن يبني حياته على العطاء وليس على الأخذ فقط.
وهذا ما نلحظه في واقعنا الاجتماعي، فمثلًا في مشاكل العلاقات الاجتماعية نجد أن ّكلّ واحدٍ من الزوجين يركّز على حقوقه، وقد يتجاهل كلّيًا أنّ عليه واجبات في مقابل تلك الحقوق.
وهنا نؤكد أنه ليس على الإنسان أن يسكت عن حقوقه، إذ إنه مطالبٌ بالدفاع عنها، وعدم السكوت عن أيّ انتهاكٍ لها، وفي نفس الوقت وبنفس الدرجة أنت مطالبٌ بأداء واجباتك وأن تهتم بها، فكما أنّ لك حقوقًا فإنّ عليك واجبات، وهذا الأمر يخلق التوازن، ويجعل المجتمع منسجمًا متآزرًا، بينما إذا ترسّخت لغة الحقوق في ظلّ تجاهل للواجبات، فذلك قد يدفع في بعض الأحيان إلى التصادم مع الآخرين.
الواجب نحو الوطن
لذا فإنني أؤكّد على أهميّة استحضار الواجبات التي ينبغي الاهتمام بها تجاه الآخرين، وتجاه الوطن، فكما أنّ لك حقوقًا في وطنك، بأن تكون شريكًا متساويًا مع سائر أبناء الوطن، وأن تكون محترمًا في ربوعه، وأن تعيش حياةً كريمةً في ظلّ خيراته، وأن تُحفظ حقوقك الدينية والاجتماعية، فإنّه في مقابل ذلك عليك واجبات تجاه الوطن، ومن أهم تلك الواجبات إضافةً إلى تنمية مشاعر الحب والحنين إليه:
أولًا: الدفاع عن الوطن؛ إذ إنه من فلسفة تشريع الجهاد في الإسلام الذود عن الوطن والدفاع عنه، في مقابل أيَّ اعتداءٍ ضدّه، وآيات القرآن الكريم صريحةٌ في هذا الأمر، يقول تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [سورة الحج، الآيتان: 39-40].
فإذا حصل اعتداء على وطنك وأجبرت على الخروج منه، فذلك من مسوّغات الجهاد في الإسلام، وهذا أمير المؤمنين يخاطب أصحابه: «أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ»[5] فإذا لم تُدافعوا عن وطنكم، فأيّ وطنٍ ستدافعون عنه؟
وفي كلمةٍ أخرى عنه : «مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا»[6] .
ثانيًا: حسن التعامل مع الشركاء في الوطن؛ فالوطن يكون بأهله وبمن يعيشون فيه، وذلك يقتضي أن يُحسن الجميع التعامل فيما بينهم لأنّهم شركاء في الوطن.
وقد جاءت تشريعات الإسلام لتؤكّد على الإنسان المسلم العديد من المضامين التي تُحقّق هذا الجانب الأساس من الواجبات تجاه الوطن، ومن ذلك ما جاء في رسالة الحقوق حول حقّ الجار حيث يقول الإمام زين العابدين : «أمّا حقُّ جارِكَ فحِفْظُهُ غائبًا، وإكْرامُهُ شاهِدًا، ونُصْرَتُهُ إذا كانَ مَظلومًا، ولا تَتَّبِعُ لَهُ عَورَةً، فإنْ عَلِمتَ علَيهِ سُوءًا سَتَرْتَهُ علَيهِ، وإنْ عَلِمتَ أنَّهُ يَقْبَلُ نَصيحَتَكَ نَصَحتَهُ فيما بَينَكَ وبَينَهُ، ولا تُسْلِمُهُ عِند شَديدةٍ، وتُقِيلُ عَثْرَتَهُ، وتَغْفِرُ ذَنْبَهُ، وتُعاشِرُهُ مُعاشَرَةً كَريمَةً».
ورد عن أمير المؤمنين علي في وصيّته الأخيرة للحسنين تأكيد على هذا الأمر، يقول : «اللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ»[7] .
ثالثًا: العمل من أجل رفعة الوطن؛ فإعمار الوطن وتنميته وتقدّمه مطلبٌ أساس، ويؤكّد ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «عُمِّرَتِ الْبُلْدَانُ بِحُبِّ الْأَوْطَانِ»، فالحبّ الحقيقي هو الذي يدفع إلى إعمار الوطن، والمواطن في أيّ موقعٍ كان ينبغي أن يفكر في مصلحة الوطن، فيُنجز عمله على خير وجه، لما لذلك من أثرٍ كبيرٍ في بناء الوطن وتعزيز مكانته العالمية.
والحمد لله ربّ العالمين؛ وصلّى الله على سيّدنا ونبينا محمدٍ وآله الطاهرين.