الانفعال العاطفي والتفكير العقلاني
القيادة الحقة هي التي تبذل كل جهدها للارتقاء بالإنسان من حيث تكريس النقاء الروحاني للارتقاء بالحياة ووعي الفرد والمجتمع، ولكي يكون ذلك لابد من القول بمقولة أخينا العلامة الجليل سماحة الشيخ حسن الصفار من علماء المملكة العربية السعودية الشقيقة: إن القادة الحقيقيين يلتزمون بقيم الرسالة التي يحملونها، ويجتهدون في الارتقاء بوعي الناس إلى مستوى تلك القيم والمفاهيم.
وأوضح سماحته أن في التاريخ الإنساني ظهر كثير من هؤلاء القادة الذين تبوأوا مواقع الزعامة وساهموا في خلق حركة من الخير والبناء الحقيقي في مجتمعاتهم، وهناك الزعامات التي تنطلق من طموحات ذاتية أو تطلعات اجتماعية وهي غالبا ما تتبنى ما يجذب إليها الناس، من أفكار وشعارات ومواقف، وإن كانت مجانبة للحق والصواب.
ومضى يقول: إن الطبيعة السائدة في جمهور الناس هي النزوع نحو الانفعال العاطفي على حساب التفكير العقلاني، والإنشداد لعصبية الانتماء القبلي والعرقي والقومي والمناطقي والطائفي والتمسك بالأعراف والتقاليد الموروثة، والقبول بالأفكار الساذجة والبسيطة على حساب الأفكار العلمية العميقة، والنزوع نحو الاستسهال والاستخفاف بالأمور أكثر من الأفكار النظرية التجريدية.
هذا القول من سماحته له شواهد من علماء آخرين كالعالم الفرنسي «غوستاف لوبون» الذي ذكر في كتابه سيكولوجية الجماهير: «إن الجماهير لا يمكن تحريكها والتأثير عليها إلا بواسطة العواطف المتطرفة، والشعارات العنيفة، وكذلك التكرار دون إثبات أي شيء عن طريق المحاجة العقلانية، والجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة».
لذلك، ومن هنا بالتحديد كانت الصعوبة بالغة في حركة الأنبياء والرسل، لأنهم يريدون الارتقاء بالنفس والروح والعقل للناس جميعا، وليست الاستجابة لرغباتهم وتوجهاتهم العاطفية الانفعالية.
ولذلك خاضوا صراعا ومعارك مستمرة ضد النزعات السلبية التي تظهر في مجتمعاتهم، حتى بعد قبولهم للدين الإلهي، ولنا في النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثال حقيقي وواقعي، فلقد كان كثيرون يضغطون عليه لكي ينحدر إلى مستوى أوهامهم وخرافاتهم حتى يقبلوا دعوته، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتسديد الله تعالى له كان يرفض الاستجابة إلى ضغوطهم رغم شدتها وثقلها.
وأوضح أن القرآن الكريم حينما يتحدث عن مواقف الأنبياء الرافضة للضغوط والإغراءات الشعبوية، فإنه يهدف إلى تحذير حملة الرسالة والقادة في كل عصر من الوقوع في هذا المطب وحذر من الخضوع للتوجهات العاطفية الانفعالية للجمهور والتي تخلق فرصة سانحة لمن يريد ركوب الموج للأغراض والمصالح الدنيوية.
إن الدعاة المخلصين الصادقين هم من يلجأون إلى عون الله، ويملكون قوة في نفوسهم وشخصياتهم، بحيث لا يخضعوا لهذه الضغوط، ولو بعنوان ثانوي من أجل الاستقطاب والجذب، فإنه لا يطاع الله من حيث يعصى.