في جلسة حوارية بولاية بهلا العمانية

الشيخ الصفار يُناقش مشكلة الفكر الإسلامي، ويُعرب عن تفاؤله بمستقبلٍ مشرق

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

ناقش سماحة الشيخ حسن الصفار مشكلة الفكر الإسلامي الذي يصطدم بواقعٍ متخلف في الأمّة، وبمؤامرات معادية من القوى الطامحة للهيمنة على المنطقة، وذلك يُمثّل عائقًا أمام تقدمه وبناء الحضارة الإسلامية من جديد.

وأعرب في ذات الوقت عن تفاؤله بمستقبلٍ مشرق يحتاج إلى بذل جهدٍ وعمل جاد.

جاء ذلك ضمن الجلسة الحوارية التي نظّمها مركز الندوة الثقافي في ولاية بهلا بسلطنة عمان مساء الجمعة 5 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق 6 ديسمبر 2024م ضمن برنامج لقاء مع علم، بعنوان: حول مستقبل الفكر الإسلامي. وحضرها عدد  من العلماء والمهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي في سلطنة عمان.

وتحدّث سماحته عن طبيعة الدراسة لدى طلبة العلوم الدينية، وعن الحالة التي يعيشها البعض من الانكفاء على المدرسة التي ينتمي إليها، مؤكدًا أنه شخصيًا قرر منذ البداية تجاوز هذه الحالة والانفتاح على مختلف المدارس والاتجاهات الدينية.

وأشار إلى عمق الفائدة من هذا القرار على الصعيد الفكري والثقافي والاجتماعي.

وفي سياق إجابته عن السؤال عن مسيرته الفكرية، تطرق سماحته إلى ممارسته للخطابة والتأليف في وقتٍ مبكّرٍ من عمره.مركز الندوة الثقافي في ولاية بهلا

وتابع: إن هذين المسارين - الخطابة والكتابة - كان لهما دورٌ كبيرٌ في رفد حصيلته الثقافية ومسيرته في الدعوة والتبليغ.

ولفت إلى أن طالب العلم ينبغي ألا يقتصر على ما يتلقّاه من علومٍ ومعارف في دراسته الدينية، وإنما ينبغي أن ينفتح على مختلف الثقافات والمعارف من خلال التثقيف الذاتي.

وأبان أنه في مسيرته الخطابية كان يتلمّس حاجات المجتمع، ويمارس دور التشجيع والتحفيز لينهض الواعون لمعالجة تلك المشاكل، عبر التوعية وبناء المؤسسات الثقافية والاجتماعية.

وتناول الشيخ الصفار في حديثه مسألة الانفتاح على المدارس الأخرى خارج الدائرة المذهبية، مؤكداً أنه ينبغي على طالب العلم أن يكون لديه اطّلاعٌ على آراء وأفكار المذاهب الأخرى، فذلك يدعم حصيلته الفكرية، وتصبح نظرته شمولية، مما يجعله أكثر قدرةً على الحوار مع الآخر.

وتابع: البعض قد يأخذون انطباعاتهم عن المذاهب الأخرى مما يرونه من ممارسات في الأوساط الشعبية.

وأضاف: إن قراءة الآخر لا ينبغي أن تكون من خلال الجمهور، فالجمهور لا يُعبّر بالضرورة عن حقيقة المذهب، وإنما قد تصبغ ممارسته بالأعراف والتقاليد التي قد يكون بعضها مخالفًا لتعاليم المذهب الذي ينتمون إليه.

وبيّن أن الذي يطّلع على آراء المذاهب الإسلامية على سعتها يُدرك أن جذورها واحدة، وأن الاختلاف يكمن في بعض الجزئيّأت التفصيلية.

وتابع: من هنا فإن الدعوة للتقريب بين المذاهب تُمثّل فكرة رائدة ينبغي أن تبقى ثابتة دائمًا.

وأوضح أن العلاقة بين مختلف المذاهب في الماضي كانت في الغالب علاقة تواصلية إيجابية، إلا أنها في العصور المتأخرة فقدت حالة التواصل والانفتاح.

مشددًا أنه آن الأوان لأن يكون هناك علاقة تفاعلية بين العلماء من مختلف المدارس الدينية، مشيدًا بفكرة وجود معاهد ومدارس دينية تعتمد مناهج لتدريس مختلف المذاهب الإسلامية.

وحول تأثير التقنية الحديثة والغزو الثقافي والفكري الذي يقوم به الغرب لمجتمعاتنا من خلالها، أكّد الشيخ الصفار أن ذلك الأثر واضحٌ للعيان، إلا أنه لا ينبغي التركيز فقط على الجانب السلبي لهذه التقنية، وعلينا أن ننظر للجوانب الإيجابية أيضا، كما أن علينا استثمار هذه التقنية في الدعوة والتبليغ.

ودعا إلى ضرورة الارتقاء لمستوى التحدي لتجنب السلبيات التي قد تتركها هذه التقنية، وذلك بالارتقاء بمستوى الطرح الفكري والثقافي، واستخدام وسائل العرض المتطورة والجاذبة للجيل الجديد، بل أكثر من ذلك أننا مطالبون بأن ننشر الأفكار والمعارف والقيم الإسلامية للمجتمعات الغربية، فرسالة الإسلام ليست حكراً على المسلمين، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

وعن إمكانية وجود خطاب إسلامي يُقدم رؤية إسلامية وحدوية بعيداً عن التقسيم المذهبي، أكد الشيخ الصفار أن الاتفاق على نهجٍ أو فكرٍ واحد ليس أمراً متحققاً في الغالب، والمجال متاح لتعدد الآراء والمذاهب.

وأشار إلى ضرورة عدم تصادم هذا الآراء والأطروحات فيما بينها.

وتابع: هناك تحفّظ على مسألة دمج المذاهب الإسلامية ضمن مذهبٍ واحد، فلكلّ مذهبٍ خصائصه ومرئياته، وقد طرح بعض الإسلاميين منذ سنوات فكرة إسلام بلا مذاهب، وعلى من يرى هذه الفكرة أن يسعى لتحقيقها بشكلٍ إيجابي، بحيث يطمئن أتباع المذاهب على هوياتهم المذهبية التي يخشون عليها حين يكون هناك دمج شامل للمذاهب.مركز الندوة الثقافي في ولاية بهلا

وأوضح أن التنوع في مدارس الفكر والفقه الإسلامي ليس أمرًا سلبيًا بالمطلق، حتى نفكر ونجتهد في تجاوزه، بل قد يكون إيجابياً حيث يُقدّم للناس خيارات متعددة، مكرراً التأكيد على ضرورة عدم التصادم بين هذه المذاهب.

ويرى الشيخ الصفار أن المشكلة التي يُعاني منها الفكر الإسلامي، هي مركّبة من أن الأمة ابتليت بحالة من التخلف، في الوقت الذي تقدّمت فيه الأمم الأخرى. بعد أن كانت الأمة الإسلامية متقدّمةً وسابقةً لكل الأمم.

وأبان أن دور المصلحين الأساس في الساحة الإسلامية هو رفع معنويات الإنسان المسلم، وتجاوز حالة الصدمة كي لا تفقد الأمة ثقتها في دينها.

وتابع: والأمر الآخر أن الغرب له طمعٌ كبير في الثروات التي تنعم بها بلادنا الإسلامية، لذلك يعمل على خلق المعوّقات أمام المجتمعات الإسلامية، عبر الاستعمار المباشر وغير المباشر، وعبر إثارة الفوضى والتمزق في البلاد الإسلامية.

ولفت إلى وجود ثغرات في واقع الأمة مكنت الغرب من تحقيق نجاحات في خططه، أطلق عليها المفكر الجزائري مالك بن نبي "القابلية للاستعمار".

وشدّد على أن مسيرة الاصلاح ينبغي أن تتواصل مهما كان أمامها من عقبات، وإذا حصلت إخفاقات في فترةٍ ما، فهذا طبيعي في مسيرة البشر، وفي مسيرة الأنبياء والمصلحين، وينبغي أن يدفع ذلك باتجاه جهد أكبر.

ومضى يقول: من واجب الواعين ألا يفقدوا الأمل، وأن تستمر مسيرة الإصلاح في الأمة، مع الحاجة في نفس الوقت إلى النقد الذاتي الموضوعي.

وعن فكرة تداول الحضارات أشار سماحته إلى أن الله سبحانه أكّدها في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس، وهذه سنة الحياة، فأي مجتمع يتقدّم أكثر يستحق أن يحمل راية الحضارة.

وتابع: لكن المسلمين لم يفقدوا فرصتهم في استئناف دورهم الحضاري الريادي، فهناك حضارات مرت عليها نكسات إلا أنها استعادت مجدها من جديد.

وأضاف: وقد مرت على المسلمين نكسات، إلا أن ذلك لا يعني نهاية المطاف، بل يُمكن للمسلمين أن يُمسكوا بزمام الحضارة حين يثقون بدينهم ويُحسنون فهم مقاصده، ويجتهدون في استثمار قدراتهم.مركز الندوة الثقافي في ولاية بهلا

وأوضح أن شرط النهوض الأساس هو ألا يبقى المسلمون أسارى فهم الأسلاف للدين.

وتابع: ما لم نطوّر فهمنا للدين فإن الواقع الذي نعيشه سيستمر، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ.

وأعرب في ختام حديثه عن تفاؤله بمستقبلٍ مشرق، لوجود إرهاصات تكشف عن وعيٍ جديدٍ بدأ يسري في أوساط الأمة، وسنشهد نهوضًا أفضل لأمتنا الإسلامية، خاصةً وأن في تراثنا الإسلامي أحاديث وروايات تدل على أن الإسلام في مستقبل الزمن ستكون له ريادته، وهذا ما يجب أن نعمل له، وليس فقط أن نحلم به ونتطلع إليه.  

وقد بدأت الندوة بكلمة ترحيبية لمدير الندوة الباحث العماني الشيخ خميس العدوي، أشاد فيها بدور سماحة الشيخ الصفار في نشر الوعي والثقافة، والدعوة للوحدة وتآلف أبناء الأمة.

وقال: جئنا لنغترف من هذا البحر المعرفي والفكري والأخلاقي، فسماحته رغم ما مرت به المنطقة من صراعات مذهبية أو جغرافية، من الأصوات القلائل التي تمسكت بخط التقريب ورأب الصدع بين أبناء الأمة، وتأليف القلوب فهو بحق داعية وحدة.

وأبان أن الشيخ الصفار يعتبر من علماء الأمة الإسلامية وليس فقط المملكة العربية السعودية، وكتبه ومحاضراته تشهد له بذلك.

وأشار إلى أنه لا يعتبر الشيخ الصفار ضيفًا فوجوده في عمان كان قبل بعض من هو حاضر في القاعة.

وتابع: لقد ترك أثرًا على أساتذتنا ومشايخنا منذ كنا أطفالًا، فإن أحد تلامذة الشيخ هو أحد أساتذتنا ومربينا وهو الشيخ صالح بن سليم الرضخي، فقد كان يحضر دورسه في مطرح، وقد تمنى علينا الشيخ صالح أن نستضيف الشيخ الصفار وألحّ علينا بذلك.

هذا وقد تأسس مركز الندوة الثقافي في بهلا عام 1996م، كمكتبة عامة تعمل على تثقيف المجتمع (ذكوراً وإناثاً)، وتحيي في هذا العصر الذهبي ما دثرته الأيام الغابرة من مجد علمي تمتعت به الولاية.

وقد توسعت المكتبة لتصبح مركزًا ثقافيًا يقوم بدوره الفاعل في نشر العلم والمعرفة بين أبناء المجتمع، ورفع مستوى الوعي والفكر بينهم. 

لمشاهدة الندوة:

https://www.youtube.com/watch?v=Xvko0rtxxXo&t=2941s

مركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلامركز الندوة الثقافي في ولاية بهلا