الشيخ الصفار: الدعاء للأبناء ليس بديلًا عن حسن التربية
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن الدعاء للأبناء لهدايتهم وصلاحهم ليس بديلاً عن بذل الجهد في حسن التربية، مقدّماً عدداً من النصائح والتوجيهات ذات الأثر في تحقيق الصلاح والنجاح للأبناء.
وفي مستهلّ كلمته التي ألقاها ضمن زيارته لمدينة القارة بمحافظة الأحساء، تلبيةً لدعوة سماحة السيد جواد العبد المحسن مساء السبت 28 جمادى الأولى 1446هـ (30 نوفمبر 20024م)، عبّر الشيخ الصفار عن سعادته بوجوده بين مجتمع تُشرق وجوههم بالخير والإيمان، وقال: إن ما يشغل تفكيره حين يرى هذا المجتمع الإيماني هو مستقبل الجيل القادم.
وأضاف: لا شك أن الوراثة لها تأثير، وما دام الأسلاف صالحين فالأمل أن يسير الأبناء في خط الصلاح، لكن التحديات التي تحيط بالأبناء في هذا العصر من شأنهها أن تدقّ ناقوس الخطر.
وتابع: أنتم نشأتم ضمن ظروفٍ تُساعد على الخير والصلاح، فالتحديات السابقة كانت أقل خطراً مما هي عليه الآن. أما اليوم فالأبناء يعيشون تحدياتٍ كبيرة على الصعيد الفكري والسلوكي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر هذا الاعلام المرئي والمنفتح، والتي تغزو فكر وأحاسيس الإنسان وهو في غرفة نومه، وبالتأكيد أن تأثيراتها عميقة على نفوس الأبناء.
ولفت إلى أن هذه التحديات تجعل الأبناء أمام خطرٍ كبيرٍ، وتجعل الآباء والأمهات أمام مسؤولياتٍ كبيرة.
وتابع: ينبغي التفكير في مستقبل هذا الجيل الصاعد، وذكّر الحضور بالحديث المروي عن رسول الله أنه قال: «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ اَلصَّابِرُ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى اَلْجَمْرَةِ»، مشيراً أن هذه قراءة من رسول الله لمستقبل الأجيال الصاعدة.
وأضاف: وورد أن النبي كان جالساً مع أصحابه، فرفع يديه بالدعاء قائلاً: «اَللَّهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي»، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَمَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اَللَّه؟ِ فَقَالَ : «لاَ، إِنَّكُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْنِي»، وفي رواية أخرى يصفهم بقوله: «إِنَّكُمْ لَوْ تَحْمِلُونَ لِمَا حُمِّلُوا لَمْ تَصْبِرُوا صَبْرَهُمْ».
وتساءل الشيخ الصفار: كيف يُمكن تحمّل المسؤولية تجاه هذه التحديات الخطيرة، للاطمئنان على مستقبل الجيل القادم؟
وتابع: ما عاد القلق فقط على الالتزام الديني، وإنما القلق حتى على مستوى النجاح الحياتي، فكيف يُحقق الأبناء النجاح في حياتهم؟
وقدّم الشيخ الصفار مجموعة من الإرشادات والتوجيهات التي تُسهم في تحقيق هذا التطلع لصلاح الأبناء وهدايتهم وضمان مستقبلهم، كالتوجّه لله سبحانه وتعالى بالدعاء لصلاح الذريّة، وهذا مفاد الآية الكريمة، يقول تعالى: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾، والأحاديث والروايات والأدعية تؤكد أنه على الإنسان أن يطلب من الله تعالى صلاح ذريّته.
وأكّد أن الطلب من الله تعالى لا يعني إلقاء المسؤولية عليه سبحانه، وإنما يعني التحفيز الذاتي للإنسان بأن يحمل همّ صلاح ذريّته، وأن يبذل جهده في سبيل ذلك.
وأضاف: إن على الإنسان أن يكون قدوةً حسنةً لأبنائه، فكما تُريد لأبنائك أن يكونوا، عليك أن تكون كذلك وأكثر.
وأشار إلى أن بعض الآباء قد يغفل عن هذا الأمر، ولا يُدرك أن الأبناء ينظرون إلى سيرة الوالدين بعيونٍ مفتوحة، فكلما كان الأب أكثر اهتماماً بالوعي والمعرفة، والالتزام الديني، والنجاح في حياته، والعطاء لمجتمعه، كان ذلك أدعى لصلاح الأبناء ونجاحهم.
وبيّن الشيخ الصفار أن صنع الأجواء والبيئة المناسبة تساعد على صلاح الأبناء، مشيراً إلى أن التربية لم تعد مهمة فردية وضمن البيت فقط، لأن الأبناء لا يعيشون دائما ضمن بيتهم وعائلاتهم، فهم يعيشون ضمن الفضاء المفتوح والأفق الواسع، وذلك يدعو لخلق فضاءٍ سليمٍ، وبيئةٍ صالحة.
وتابع: من هنا تأتي أهمية الأجواء الدينية والأخلاقية والثقافية في المجتمع، كما أن وجود علماء موجّهين، وشباب أكفاء لهم وعي وثقافة يستطيعون أن يستقطبوا الشباب، وأن يدخلوا إلى نفوسهم وعقولهم.
مؤكداً أن المجتمع يزخر بالكفاءات الشابّة، وملفتاً الانتباه إلى أنه لا ينبغي أن تكون الفرص متاحة فقط أمام العلماء ورجال الدين للقيام بدور التوعية والتثقيف، ففي بعض الأحيان تكون الكفاءات الشابّة أكثر تأثيراً، لأنهم منفتحون على الشباب، وقريبون من أجوائهم، ولا توجد بينهم حواجز.
وأضاف: علينا أن نشجّع هذه الطاقات لكي تصنع برامج إلكترونية، وثقافية، وفنية، ضمن الوسائل المتاحة أمامهم، لاستقطاب هؤلاء الشباب والتأثير فيهم.
وضمن التوجيهات التي قدّمها الشيخ الصفار، قوله: ينبغي دفع الأبناء والشباب للأدوار التي تأخذ فائض قوّتهم وطاقتهم ووقتهم.
ومضى يقول: ينبغي فتح المجال للشباب لكي يكون لهم دورٌ ونشاط في المجتمع، كإدارة المساجد والحسينيات، حتى وإن كان الآباء يجدون أنفسهم أقدر منهم، إلا أن ذلك لا يمنع من إعطائهم الفرصة للتجربة واكتساب الخبرة، وقد يكون الأبناء أكثر قدرةً في بعض المجالات الإدارية بسبب انفتاحهم على التطورات العلمية الحديثة.
وأضاف: ينبغي أن تُستثمر مواهب وقدرات الأبناء، وتشجيعهم لتنميتها، وأن يتم توجيهها التوجيه السليم، وهذا ما يُشعرهم بذواتهم، ويصنع شخصيّاتهم.
واختتم الشيخ الصفار كلمته بالتأكيد على ضرورة المحافظة على الأمانة التي غرسها الآباء والأجداد، وهي أمانة الصلاح والإيمان، وأن يتم تسليمها للجيل القادم بما يضمن استمراريّتها للأجيال اللاحقة.
وعبّر الشيخ الصفار عن سعادته بما يسمع ويشاهد من أنشطةٍ وفعالياتٍ ثقافيةٍ وأدبيةٍ واجتماعيةٍ ودينية، في هذا المجتمع الكريم، في مختلف المناطق بمحافظة الأحساء العزيزة، وذلك يرفع مستوى الأمل بضمان مستقبل الجيل القادم، داعياً الله تعالى للجميع الخير والتوفيق، وأن يُقرّ أعينهم بصلاح ذرّياتهم، إنه سميع الدعاء قريبٌ مجيب.
وكان سماحة السيد جواد العبدالمحسن قد قدّم لكملة الشيخ الصفار وأبان أن من يتابع كتابات وخطب وأحاديث سماحة الشيخ الصفار يجدها تتناول موضوعًا مهمًا، كل العالم اليوم بحاجة له، وهو الدعوة للتمسك بالقيم العليا، والأخلاق الحميدة، والمبادئ في السلوك والحياة.
وتابع: من خلال متابعتي لنتاج الشيخ الصفار أجده يؤكد على هذه المسألة ويدعوا لهذا السلوك، وأخر ما تحدث عنه في خطبة الجمعة الفائتة، حيث دعا للتعاون والبذل في كل المجالات الدينية والدنيوية في خدمة المجتمع.
وجرى بعد ذلك حوار مع الحضور من رجالات عائلة السادة العبد المحسن ومثقفيها، ساده الجو العلمي والروح الإيجابية.