الشباب: الرحلة العاصفة نحو المعنى والأخلاق

 

مقدمة

هم البدايات التي يُبنى عليها جهدٌ الإنسان القادم مثل طينٍ لين، البنية التحتية لما سيكون، سواء في الأخلاق أو القيم أو في رسم معالم المساعي الاجتماعية المتعددة، فالشباب هم البوصلة التي توجه الأجيال القادمة، وهم في طفولتهم كالإسفنج، يمتصّون ما في محيطهم داخل البيت وخارجه، فتنصهر ملامح شخصياتهم لتصبح ما قُدّر لها أن تكون، إنهم صخور المستقبل تنحتها يد الحاضر, فالعالم الذي نعيش فيه اليوم من صُنع من سبقونا.

والبيت، ذاك العش الذي يفرد منه الشباب أجنحتهم يبدو كعالمٍ مختلف تمامًا عمّا يحيط به، فهم بأرواحهم القلقة المفعمة بالنشاط والفضول يعيشون مثل جزرٍ صغيرة متباينة الألوان وسط بحرٍ هائج لا يعرف السكون. وكما تشّق الأنهار طريقها من أعالي الجبال عبر تعرجاتٍ تشكّل مجراها وتوجهها حتى تصب في البحر، كذلك يسلك الشباب دروب الحياة توجههم تجارب الآباء وتقاليد المجتمع، فينطلقون من منبعهم ليبلغوا وجهة ذات معنًى.

مرحلة الشباب مرحلة محورية في حياة الإنسان، فهي مرحلة النمو والاكتشاف وصياغة الطموحات المستقبلية، وغالبًا ما يصطدم فيها الشاب بأسئلة الهوية والقيم والوجهة التي يودّ أن يسلكها في حياته. وفي زمنٍ اجتاحته العولمة، يواجه الشاب المسلم تحدياتٍ فريدة، إذ يسعى للتوفيق بين القيم الإسلامية والمعتقدات الغربية. يستكشف هذا الكتاب دور الأخلاق الإسلامية في هداية الشباب إلى حياة ذات معنى، تعيد ضبط مسار شبابٍ مهدور في اللغو، وتهدئ التمرد الثائر تحت ضغط الأقران.

أهمية الطموحات المستقبلية

الطموحات المستقبلية هي الأحلام والغايات التي تدفع الشباب نحو التقدم، وتمنحهم بوصلةً داخلية ودافعًا في الحياة، وقد حثّ الإسلام الإنسان على طلب العلم والسعي لبناء الذات، وأكد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية هذا السعي بقوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

أما في تراث أهل البيت عليهم السلام، فالعقل أساس الوجود، ومناط التمييز، ومفتاح الارتقاء، ولا يقتصر طلب العلم في منظورهم على المعارف الدينية فحسب، بل يشمل كل ما فيه نفعٌ للفرد والمجتمع، وكل ما يسهم في تهذيب النفس وصقل القدرات وخدمة الناس.

ويقدهم ها الكتاب توجيهاتٍ واضحة وموجزة تعين أبناءنا على رسم طريقٍ نحو التقدم والتوازن والمعنى والوضوح وصولًا إلى النجاح.

هداية الشباب نحو الهدف

لإرشاد الشباب نحو حياة هادفة لا بد من غرس قيم الجدّ والمثابرة، والتوعية بأهمية تحديد الأهداف والسعي إليها، وتقدّم التعاليم الإسلامية إطارًا ثابتًا يوجه هذا المسعى، إذ تؤكد على فضائل الإخلاص والصبر والشكر.

ويضطلع الآباء والمربّون وقادة المجتمع بدورٍ محوري في توجيه الشباب، عبر إتاحة الفرص لهم لاكتشاف ميولهم، وتشجيعهم على رسم أهداف واقعية قابلة للتحقيق، ومساندتهم في مساعيهم.

ومن هذا المنطلق ينهض هذا الكتاب بدورٍ جوهري إذ يشكل لبنة متينة تُبنى عليها حياة شبابنا وتُصاغ منها ملامح مستقبلهم.

الإسلام والأخلاق

ترتكز الأخلاق الإسلامية على مبادئ تفيض صلاحًا وعدلًا ورحمة، ولا تقتصر على سلوك الفرد بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصلاح الجماعة، فالقرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم وعترته الطاهرة عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ترسم للإنسان معالم السلوك القويم وتحثّه على الاستقامة والإحسان للناس والتمسّك بالعدل، فإذا ما فهِم الشباب هذه القيم الأخلاقية وتشربوها، أعانتهم على خوض تعقيدات الحياة المعاصرة مستندين إلى أساسٍ أخلاقيٍ متين. يقدم المؤلّف توجيهاتٍ واضحة موجزة تلائم طبيعة الذهن المتقلب والحائر في زمننا هذا.

الشباب المهدور واللغو

من أبرز ما يعترض طريق الشباب في ها العصر إغراء الانشغال باللغو والعبث، ففي زمنٍ رقمي يعج بالملهيات، باتت وسائل التواصل والترفيه تلتهم أوقات الشباب وتغذي فيهم روح التسويف والخمول، والنتيجة حالة ذهنية مهيأة للضياع وحياة غارقة في التيه، فاترة الهمة، مفتقرة إلى الطموح، تنتهي غالبًا إلى وجودٍ معزول فقير دينيًا واجتماعيًا.

إن لكل مرحلة من مراحل العمر ما يختص بها من تحديات، غير أن أعظمها في سنّ الشباب أن تُهدر هذه الطاقة المتقدة فيما لا يبني، فتخلق أساسًا واهنًا لمجتمعٍ يُراد له النهوض.

وقد حذّر الإسلام من ضياع الوقت في اللغو، ومن تضييع الجهد فيما لا طائل منه، ومن إهدار المواهب في مساعٍ فارغة، لما في ذلك من إهدارٍ لجوانب الحياة ذات المهمة، يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

ويمكن لتشجيع الشباب على الانخراط في أنشطة بنّاءة، كالتطوع والرياضة والهوايات الهادفة، أن يعينهم على تفادي مزالق اللغو والضياع.

تهدئة التمرد الكامن

غالبًا ما يتخلل مرحلة المراهقة شعورٌ داخليٌ بالتمرد، إذ يسعى الشاب إلى إثبات استقلاله ومساءلة السلطة من حوله، ومع أن شيئًا من التمرد يُعدّ طبيعيًا في سياق النضج والنمو إلا أنه إن تُرك دون تهذيب قد ينقلب إلى سلوكٍ هدّام.

والتعاليم الإسلامية تحث على حسن الأدب واحترام الوالدين والكبار وطاعتهم، وقد قال الله تعالى: "واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا".

ومن خلال بناء جسورٍ من التفاهم وفتح أبواب الحوار وتبادل الاحترام، يستطيع الآباء والمربّون تهدئة نوازع التمرّد وتوجيه طاقة الشباب نحو أشكال إيجابية من التعبير عن الاستقلال.

ضغط الأقران

يلعب ضغط الأقران دورًا بالغ التأثير في تشكيل سلوك الشباب واختياراتهم ومواقفهم، فقد تدفع الرغبة في الانتماء ونيل القبول الاجتماعي البعض إلى التنازل عن قيمهم أو ممارسة سلوكيات سلبية وأفعال مؤذية.

والإسلام يحث على الثبات على المبدأ والشجاعة في التمسك بالقناعات حتى في وجه المعارضة، وقد أكد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية اختيار الصحبة الصالحة بقوله: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل".

إن تعليم الشباب حسن اختيار الصحبة والبحث عن القدوات الصالحة، من شأنه أن يُضعف أثر ضغط الأقران، فالشجرة ذات الجذور الراسخة والثبات العميق تصمد أمام أعتى العواصف.

التوفيق بين القيم الإسلامية والمعتقدات الغربية

يجد كثير من الشباب المسلمين ممن نشأوا في المجتمعات الغربية صعوبةً في التوفيق بين القيم الإسلامية والمنظومات الفكرية السائدة من حولهم، وهو تحدٍ لا يخلو من التعقيد ولكنه ليس مستحيلًا. يتطلب الأمر فهمًا دقيقًا للثقافتين وقدرةً على تلمّس مساحات الالتقاء التي يمكن أن تُشاد عليها جسورٌ راسخة من التفاهم، فكثير من القيم الغربية كالعدالة والمساواة تلتقي في جوهرها مع مبادئ الإسلام، وبإبراز هذه القيم المشتركة، يمكن للشباب المسلم أن يعبر بأسئلته وهويته بثقة دون أن يشعر أن ازدواجيته تُربك إحساسه بذاته أو تُضعف انتماءه.

ويبقى التعليم والحوار ركيزتين أساسيتين لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الرؤى الثقافية والدينية المتباينة.

الخاتمة

إن مسيرة الشباب نحو طموحات المستقبل، حين تهتدي بنور الأخلاق الإسلامية، مسيرةُ نموٍ وتحدٍّ واكتشاف، وبالتصدّي لقضايا الهدر واللغو، والتمرد، وضغط الأقران، وصراع الانتماء بين الثقافات، يمكننا أن نعين الشباب المسلم على ان يحيا حياةً ذات معنىً تنسجم مع عقيدته، ونغرس في نفسه فطرة الخير المنسجمة مع روحه فيكون لذلك أثرٌ طيب يعود بالنفع على المجتمع من حوله، فإن تحقق له ذلك، لم يكتفِ بتحقيق إمكاناته، بل غدا سفيرًا لقيم الإسلام في عالمٍ متنوّع متشابك.

فجر عهدٍ جديد

لطالما كان الشباب الخيوط البرّاقة التي تغزل ملامح التغيير في نسيج التاريخ البشري، يُبدعون الجديد ويُشعلون الأمل، هم الحالمون والمتمرّدون وبُناة الغد. وفي سياق الإسلام، ذاك الدين الذي رفع راية العدل والرحمة والنزاهة الأخلاقية، فإن استثمار طاقات الشباب ليس مجرد التزامٍ بل تكليفٌ رباني يقع على عاتق المجتمع والجيل المربّي.مقدمة السيد آفتاب حيدر

ونحنُ اليوم على مفترق الطريق بين التقليد والحداثة، مدعوّون إلى استنهاض طاقات شبابنا الخلّاقة لنرسم بها غدًا يليق بأسمى مبادئ عقيدتنا، ويُجسّد ما في ديننا من جمالٍ وسمو.

يعلّمنا الإسلام أن لكل إنسان موهبةً خاصة، وأن على الجماعة أن ترعى هذه المواهب وتنميها، وقد أكّد القرآن الكريم وتعاليم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على مكانة العلم والإبداع والاستقامة الأخلاقية. وفي عالمٍ يخيّم عليه التمزق واليأس يمتلك الشباب القدرة على تخطّي الحواجز ومواجهة الظلم، وإلهام يقظةٍ جماعية، فهم ليسوا قادة الغد فحسب، بل هم شرارة التغيير في الحاضر. ومن هنا يأتي هذا الكتاب في لحظة شديدة الأهمية، في زمنٍ يندفع فيه المجتمع لاهيًا على حافة هاوية أخلاقية.

تخيّل جيلًا يصبّ إبداعه في ميادين الفن والأدب والتقنية والنشاط المجتمعي متكئًا في ذلك كلّه على قيم الأخلاق والسلوك القويم، تخيّل عقولًا فتية تتعاون عبر الثقافات والحدود، توحّدها رؤية مشتركة لعالمٍ يسوده العدل والرحمة. إنه ليس حلمًا بعيد المنال بل واقعٌ ممكن التحقق إذا ما مكنّا شبابنا من استثمار طاقاتهم توجيه شغفهم بما ينسجم مع تعاليم الإسلام. يشيّد هذا الكتاب جسرًا بالغ الأهمية يصل بين الخطاب الإسلامي في محيط الأسرة  وعناصر المجتمع الإيجابية التي يتغذى عليها شبابنا بقصدٍ أو دون قصد.

إذا تأملنا المشهد العام من منظور زمني، فإن شبابنا اليوم أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لمواجهة التحديات المجتمعية التي نحيا في ظلها، غير أنهم بحاجة إلى التوجيه والرعاية وإلى بيئة حاضنة تهيئ لهم مقوّمات الازدهار، ومن واجبنا أن نوفّر لهم الوسائل والفرص التي تتيح لهم استكشاف إبداعاتهم، وطرح الأسئلة والتعلّم والنمو.

يأتي هذا الكتاب متأملًا قضايا الشباب والإسلام والأخلاق، باحثًا في تعاليم ديننا التي تغرس روح القيادة الأخلاقية، وتبعث على تحمّل المسؤولية الاجتماعية، كاشفًا السبّل التي تتيح لشبابنا أن يحوّلوا أحلامهم إلى واقع، ويضيئوا العالم ببريق تميزهم.

فلنتذكّر أثناء قراءتنا لهذه السطور أن المستقبل ليس قدرًا محتومًا، بل لوحة بيضاء تنتظر من يرسمها، وبريشة الإبداع، وألوان القيم الأخلاقية، يمكن لشبابنا أن يبدعوا تحفة فنية تُجسد جمال الإنسانية المشتركة، مرتكزة إلى تعاليم الإسلام كما وردت في القرآن الكريم وسيرة النبي الأكرم وأنوار أهل بيته الطاهرين عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. فلنتعاون معًا، ونمد الجسور للجيل القادم لينهض ويبدع ويقودنا نحو مستقبلٍ أبهى يسوده التناغم والوعي الأخلاقي، تُزهر فيه المواهب ويتسّلم فيه الشباب دفّة الحياة مبحرين بنا نحو الضياء.

غلاف كتاب الشباب وتطلعات المستقبل مترجم الى اللغة الانجليزية

مقدمة سماحة السيد آفتاب حيدر لكتاب الشباب وتطلعات المستقبل للشيخ الصفار في ترجمته باللغة الإنجليزية، الطبعة الأولى، 2025م، ترجمتها للغة العربية: إلهام حسين
مدير مؤسسة أهل البيت (عع) في جنبوب أفريقيا - وإمام مسجد الإمام الحسين (ع) في كيب تاون