الشيخ حسن الصفار لـ "الوسط":

الوحدة الإسلامية اعترتها نكسات بسبب العوامل السياسية

تبرز موضوعة التقريب بين المذاهب الإسلامية باعتبارها واحدة من المفاصل المهمة والحرجة في التاريخ الإسلامي المعاصر... المهمة من حيث ضرورتها واسهامها الكبير في جمع الأمة على كلمة سواء تتجاوز بها الانتكاسات والمراحل الحرجة التي تطل برأسها بين وقت وآخر، والحرجة من حيث النتائج التي تم تحقيقها في هذا المجال في ظل عدد من العوامل، قد يكون أبرزها العامل السياسي الذي أعاق الكثير من صور ومضامين الوحدة التي ظلت الأمة تفتقدها منذ زمن طويل، والحرجة أيضا من حيث الدور الكبير الذي يلعبه بعض الكتّاب والاتجاهات الدينية في خلق وإيجاد مناخات تبعث على الفرقة وتعمق الخلاف وتدفعه باتجاه تصادمات يمكن تلمسها هنا وهناك.

ويأتي انعقاد مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية في مملكة البحرين ثمرة لجهود متواصلة تصدى لها كل من الأزهر الشريف ومجموعة من علماء الأمة في عدد من البلدان الإسلامية. وتأتي مشاركة الشيخ حسن الصفار تأكيدا لجهود ودور قام به سماحته، سواء عبر مؤلفاته الكثيرة أو خطبه ومحاضراته التي تؤكد ضرورة الالتفات والتمسك بهذا الجانب لدى الأمة. «الوسط» التقته فكان هذا الحوار:

* مؤتمر التقريب سيعقد في البحرين، فكيف ترى سيرة الوحدة؟ وهل تتحقق من خلال المؤتمرات فقط؟

- في البدء أشيد بهذه المبادرة الواعية التي تقوم بها مملكة البحرين باحتضانها مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية وبرعاية كريمة من فخامة الملك. فهي مبادرة مهمة جاءت في وقتها المناسب جدا وأرجو أن تكون نتائجها طيبة نافعة وبحجم التوقعات المعقودة عليها إن شاء الله.

أما عن سيرة الوحدة الإسلامية فقد اعترتها نكسات وتعثرت خطواتها بسبب العوامل السياسية إذ قامت بعض الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية بدور إثارة الخلافات وتغذيتها خدمة لأهداف مشبوهة كما رأينا ذلك مثلا خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.

وهناك عامل آخر يتمثل في التوجهات المذهبية المتطرفة في أوساط مختلف المذاهب، هذه التوجهات التي كانت تعرقل مسيرة الوحدة الإسلامية عبر تركيزها على قضايا الخلاف المذهبي وتضخيمها، وخلق أجواء من الشحن والتعبئة الجماهيرية ضد الآخر.

طبعا فإن المؤتمرات إذا اقتصرت على إلقاء الخطابات وتكرار الشعارات والأمنيات لا تحقق أي إنجاز للوحدة، أما إذا اتجهت إلى:

أولا: بلورة إدارة التقارب والوحدة، بالمناقشة الصريحة، والحوار الموضوعي، وليس تبادل كلمات المجاملة فقط.

ثانيا: وضع خطط وبرامج عملية لتجاوز حالات الخلاف والتباعد، وتفعيل إرادة الوحدة والتقارب، مع إقرار آليات للتنفيذ والتطبيق.

ثالثا: العزم على متابعة التواصل بين العلماء والشخصيات والجهات المشاركة في المؤتمر، وألا تقتصر العلاقة بينهم على أيام المؤتمر بل تؤسس لعلاقة تواصل فكري وعملي مستمر.

بهذه التوجهات يمكن للمؤتمرات أن تكون منطلقا لخير كثير وإنجاز نافع في خدمة وحدة الأمة.

* البعض يطرح أن التقريب ينبغي أن يكون في بعض القضايا العقائدية الفرعية قبل أن تتطرق إلى التقريب الفقهي.

- يبدو لي أن طرح موضوع التقريب في القضايا العقائدية أو الفقهية هذا أمر قد تجاوزه الزمن ويفترض أن الوعي العام لأبناء الأمة ما عاد يركز على ذلك.

كان هذا مطروحا في الماضي على أساس أن تفاوت الآراء العقائدية والفقهية وتباينها يعتبر حالة مرضية سيئة فينبغي معالجة هذا المرض أو تخفيفه.

لكن النظرة الواعية تدرك الآن أن تعددية الآراء ليست مرضا ولا خللا، بل قد تكون مبعث إثراء معرفي، وعلى مستوى الفتوى يوفر أمام المسلمين خيارات متعددة، لما يرونه أنسب وأصلح لظروفهم وحياتهم، ما دامت الفتوى ضمن الضوابط العلمية والشرعية.

كما اتضح للجميع الآن أن الخلاف إنما هو ضمن مساحة محدودة، وفي الجزئيات والتفاصيل، والمساحة الأكبر من الأمور الدينية هي محل اتفاق، وخصوصا الأصول والأسس. فلسنا بحاجة إلى تضييع الوقت والجهد للتقريب في القضايا العقائدية والفقهية بمقدار ما نحتاج إلى الفهم الصحيح المتبادل والتعارف الموضوعي، بعيدا عن التضخيم والتهويل، وعن الإشاعات والافتراءات، أو لغة التهريج والتعميم، فقد تكون هناك آراء شاذة وممارسات خاطئة في أوساط هذه الطائفة أو تلك، لكن التعاطي والتعامل يجب أن يكون على أساس الموقف العام والرأي المشهور وخط الاعتدال.

* ما هو برأيكم سبب نجاح نشاطات التقريب في الخمسينات والستينات وفشلها لاحقا؟ وكيف نتحاشى أسباب الفشل؟

- أعتقد أن النجاح والفشل الذي تتحدثون عنه بشأن أنشطة التقريب بين الماضي والحاضر ليس على إطلاقه، هو أمر نسبي، ففي الخمسينات والستينات حينما انطلقت دعوة التقريب على يد العالمين المصلحين الشيخ محمد تقي القمي والشيخ شلتوت رحمهما الله كان العامل السياسي محايدا، لذلك قطعت الدعوة شوطا جيدا، لكن الحركة السلبية للعامل السياسي هي التي جمّدت المشروع وعرقلته، وكان النجاح على مستوى شريحة من النخبة...

أما في العصر الحاضر فإن تيارا واعيا واسعا في الأمة أخذ يتشكل لصالح الوحدة والتقريب، كما توافرت وسائل إعلامية تخدم هذا التوجه الوحدوي كفضائية المنار، ومؤسسات ثقافية تدعمه أيضا كالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في أميركا وأمثاله.

إن قضية التقريب بين المذاهب الإسلامية نالت اهتماما جيدا من المنظمة الإسلامية للعلوم (إيسيسكو) والتي عقدت أكثر من مؤتمر وندوة وأصدرت أكثر من كتاب عن الموضوع.

ولمؤسسة الإمام الخوئي في لندن دور بارز في خدمة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وقد تبنت عقد أكثر من مؤتمر في مناطق مختلفة بهذا الاتجاه.

وفي الجمهورية الإسلامية مؤسسة مهمة تعنى بقضية التقريب بين المذاهب الإسلامية. وقبل عامين عقدت ندوة في الرياض في المملكة العربية السعودية تحت عنوان التقريب بين المذاهب الإسلامية ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية للعام 2241 هـ/1002م.

وبهذا المؤتمر تبادر اليوم مملكة البحرين إلى دعم هذه الجهود الوحدوية والإسهام في خدمة المصلحة العليا للأمة.

* السعودية تلعب دورا مركزيا، فهل لديكم محاولات تقريبية داخل السعودية؟

- نعم حصل في هذا العام إنجاز رائع على هذا الصعيد إذ رعى سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مؤتمرا للحوار الفكري بين التوجهات المتنوعة في المملكة من مختلف المذاهب، والذي انعقد في الرياضي بتاريخ 51 - 81 ربيع الثاني الموافق 51 - 81/6/3002م.

وقد شاركت في ذلك اللقاء الوطني المهم، والذي حقق نجاحا كبيرا فاق التوقعات، فيما يرتبط بدرجة الانفتاح والمكاشفة وتبلور إرادة التقارب وتوحيد الصف الوطني والإسلامي عند جميع المشاركين، ونأمل أن يشكل منعطفا تاريخيا لتجاوز حال التباعد والقطيعة بين الاتجاهات المذهبية المتنوعة في المملكة.

وقد توّج هذا الانجاز التاريخي بصدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز على تأسيس مركز دائم للحوار الوطني.

طبعا علينا ألا نتوقع إنهاء آثار ومضاعفات فترة طويلة من سوء الفهم والجفاء بين عشية وضحاها، فهناك من تربوا على منهجية التعصب، وارتبطت مصالحهم بالآحادية والغلو، من مختلف الأطراف لكن المسيرة قد بدأت جادة مخلصة إن شاء الله.

* ما هي أهم المشكلات التي تواجه عالم المسلمين وتبعدهم عن التقارب النفسي والفقهي؟

- لعل من أهم المشكلات التي تواجه عالم المسلمين وتبعدهم عن التقارب هي مشكلة الاستبداد السياسي والديني، فأجواء الحرية والانفتاح، وارتفاع مستوى المشاركة الشعبية السياسية، وقبول التعددية، واحترام الرأي الآخر، هي الأرضية والضمان لحال التقارب والوحدة.

بينما تترعرع في ظل الاستبداد السياسي والإرهاب الفكري، كل توجهات الخلاف والشقاق.

* لديكم طروحات بشأن التعددية والشورى، هل أن هذه الطروحات لها جذور في التراث أم أنها ضرورات اضطررنا إليها؟

- من المؤسف جدا أن تكون المساحة الأوسع من تاريخنا مسرحا للاستبداد والآحادية، كما أن القسم الأكبر من الثقافة الرائجة في أوساطنا تغذي حال التشدد والتطرف وإقصاء الآخر وإلغائه، ما يعطي الانطباع والتصور بأن ذلك هو الأصل والطبيعي في تراثنا الإسلامي كفكر وتشريع.

ولذلك حينما يطرح الآن موضوع التعددية والحرية والتسامح يأتي السؤال عن مدى أصالة هذه المفاهيم في تراثنا الديني وهل أن لها جذورا في الفكر الإسلامي، أم أن طرحها يأتي استجابة للتحديات؟

لقد بحثت موضوع التعددية والحرية في الإسلام قبل أكثر من خمسة عشر عاما، وحين كانت الصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في أوج تألقها وظهورها، ووجدت أمامي عددا هائلا من النصوص الدينية من آيات محكمات، وأحاديث وروايات، تؤكد هذا المفهوم، كمنهجية ومسار في نظام الاجتماع الإسلامي.

إن القرآن الكريم يعتبر حرية الإنسان سقفا لا يمكن تجاوزه حتى بالنسبة إلى أنبياء الله ورسله، فهم مكلفون بتبليغ رسالة الله والدعوة إليها، من دون أن يكون لهم حق الإلزام أو الفرض، أو ممارسة الهيمنة على أحد من الناس، يقول تعالى: «فذكّر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر» (الغاشية: 12 و22)، ويقول تعالى: «لا إكراه في الدين» (البقرة: 652).

والنبي كتب صحيفة المدينة كدستور مدني لأول مجتمع يقيمه الإسلام في المدينة المنورة بعد الهجرة وهي تتضمن الاعتراف الصريح بالوجود اليهودي وحريتهم في عباداتهم، وخصوصيتهم الدينية والاجتماعية. وانهم شركاء مع المسلمين في المسئوليات العامة من الحقوق والواجبات.

وفي عهد الخلافة الراشدة نجد الإمام علي بن أبي طالب حينما بايعه المسلمون كخليفة رابع بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان يعلن بصراحة ووضوح حقوق المعارضة المتمثلة في الخوارج آنذاك كما جاء في تاريخ الطبري قال: قام علي في الناس يخطبهم ذات يوم، فقال رجل - من جانب المسجد - : لا حكم إلا لله. فقام آخر فقال مثل ذلك ثم توالى عدة رجال يرفعون الشعار نفسه. فقال علي: الله أكبر، كلمة حق يلتم

 

صحيفة الوسط، العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ
ناشط اجتماعي، وكاتب وإعلامي بحريني ورئيس تحرير جريدة الوسط التي كانت تصدر في مملكة البحرين.